قضيتنا الوطنية.. بعض المعطيات حول قضية الصحراء المغربية وتاريخها (1) – برلمان.كوم

استمعوا لبرلمان راديو

12:00 - 4 أبريل 2022

قضيتنا الوطنية.. بعض المعطيات حول قضية الصحراء المغربية وتاريخها (1)

برلمان.كوم - خالد أنبيري

كما عوّد موقع “برلمان.كوم” قراءه ومتابعيه الأوفياء كلما حلّ شهر رمضان الأبرك، بنشر سلسلات من حلقات يومية أو أسبوعية تعالج مختلف القضايا التي تلامس هموم وعمق المجتمع المغربي، فقد عاد مرة أخرى خلال هذا الشهر الكريم الذي يأتي هذه السنة في ظروف مغايرة لسابقتها، بعدما حرمتنا جائحة كورونا طيلة شهري رمضان السابقين من الاستمتاع بأجوائه الروحانية بالمساجد وبالساحات بسبب الإجراءات التي كانت قد فرضتها السلطات للحد من الانتشار السريع لهذا الوباء الذي فتك بآلاف المواطنين نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة في هذه الأيام المباركة.

موقع “برلمان.كوم” أبى إلا أن تكون من بين السلسلات التي شرع في نشر حلقاتها منذ الأمس أول أيام شهر رمضان، سلسلة تعالج موضوع قضية وحدتنا الترابية، كيف لا وهو الذي جعل من أولوياته الدفاع عن الوطن والتصدي لكل المتربصين به الذين يسعون للنيل منه والمس بسمعته، هذه السلسلة أطلقنا عليها اسم “قضيتنا الوطنية” وسنحاول من خلالها عبر ثمان حلقات تقديم معطيات حول قضية الصحراء المغربية وتاريخها والحقائق التي يسعى نظام العسكر لتزويرها، وكذا استحضار بعض الأحداث التاريخية المرتبطة بالقضية، واستحضار بعض الشخصيات التي تركت بصمتها فيها، على أن نتطرق لمسار الدبلوماسية المغربية لتحصين المكتسبات والدفاع عن الوحدة الترابية والمنجزات التي حققتها في هذا الملف، وأيضا الحديث عن الدول التي غيرت موقفها من القضية وأعلنت دعمها لمغربية الصحراء، وكذلك عن نجاح الدبلوماسية المغربية في الملف وفشل خطط الجزائر، على أن تكون الحلقة الأخيرة من السلسلة شاملة وفيها مقارنة بين الأوضاع في المغرب والجزائر وكيف تسببت قضية وحدتنا الترابية في إنهاك خزينة الجارة الشرقية التي ظلت الممول والداعم الرئيسي لميليشيات البوليساريو من أجل المس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية.

بعض المعطيات حول قضية الصحراء المغربية وتاريخها

إن قضية الصحراء المغربية تعتبر بالنسبة للمغاربة قضية وطنية أولى، دافع عنها أجدادهم وآباؤهم ولازالوا إلى الآن يدافعون عنها ويتصدون لكل من يسعى لابتزاز بلادنا بهذا الملف الذي يعتبر بالنسبة لهم محسوما. والتنازل عن شبر واحد من أراضي الصحراء المغربية ظل ولازال أمرا مستحيلا ومرفوضا بالنسبة إليهم، فهذه القضية أو بالأحرى هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية منذ ستينيات القرن الماضي، بدأ عندما طالب المغرب باستعادة صحرائه مباشرة بعد نيل استقلاله، وذلك بعدما رفضت إسبانيا الاستعمارية تسليمها له قبل أن يسترجع منها بالقوة والمقاومة إقليم طرفاية في سنة 1958 في إطار ماسمي تاريخيا بحرب إفني أو الحرب المنسيّة كما تسمى في إسبانيا وهي حرب أَعلنها المغرب ضد الجيش الإسباني والفرنسي في أكتوبر 1957 وٱستمرت إلى غاية أبريل 1958، بعد عام واحد من ٱستقلالِ المغرب. وتم بموجبها ٱسترجاع رأس جوبي (طرفاية) إلى المغرب.

لقد كانت إسبانيا تهدف إلى إنشاء حكومة محلية تحت وصايتها وسيطرتها، لتقوم من أجل ذلك بشكل فردي ودون استشارة المغرب صاحب الأرض في غشت من سنة 1974 بإصدرا قرار يقضي بتنظيم استفتاء في الصحراء المغربية خلال النصف الأول من سنة 1975، هذا القرار رفضه المغرب رفضا قاطعا، حيث بادر الملك الراحل الحسن الثاني بإرسال رسالة إلى الرئيس الإسباني، أكد له فيها قلق المغرب وعزمه على معارضة هذه الخطوة الانفرادية، لكونها لا تتطابق مع مضمون قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه، أرسل الملك الحسن الثاني مبعوثين ملكيين إلى العديد من العواصم الدولية الكبرى لعرض وجهة النظر المغربية من قضية الصحراء المغربية.

قرار محكمة العدل الدولية 16 أكتوبر 1975 والتأكيد على وجود روابط البيعة والولاء بين سلاطين المغرب وقبائل الصحراء المغربية

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قام الراحل الملك الحسن الثاني بتقديم عرض لقضية الصحراء على أنظار محكمة العدل الدولية من أجل تحديد الوضع القانوني لها، حيث وبتاريخ 18 شتنبر 1974 تقدم المغرب بطلب استشاري إلى محكمة العدل الدولية بعد مطالبته للجمعية العامة بإيقاف كل عملية تتعلق بإجراء استفتاء في الصحراء المغربية إلى غاية معرفة رأي محكمة العدل الدولية في القضية. وتبعا لهذا الطلب أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 3292 بتاريخ 13دجنبر 1974، طلبت فيه من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري حول الصحراء. وفي 16 أكتوبر 1975، أصدرت المحكمة رأيها الاستشاري حول الصحراء المغربية، معتبرة بأنها كان لها مالك قبل استعمارها من قبل إسبانيا، ووجود روابط قانونية وولاء وبيعة بين سلاطين المغرب والقبائل التي تقيم بها.

ومباشرة بعد اعتراف محكمة العدل الدولية بالحقوق التاريخية للمغرب في صحرائه، أعلن الراحل الملك الحسن الثاني، بتاريخ  6 نونبر 1975، تنظيم مسيرة سلمية خضراء نحو أقاليم صحرائنا عرفت إقبالا كبيرا من المغاربة الذين وضعوا حياتهم مقابل استرجاع أراضيهم بالصحراء المغربية، حيث شارك فيها 350 ألف مواطن، وهو حدث تاريخي فرض نفسه على الحكومة المستعمرة (إسبانيا) التي ظلت تتبنى سياسة التعنت والرفض تجاه مطالب المغرب، لتصبح في مواجهة وضع جديد لم تكن تتوقعه، مما دفعها إلى إعادة ترتيب أوراقها والقبول بالتفاوض مع المغرب في قضية صحرائه، في قمة ثلاثية بمدريد جمعت المغرب وإسبانيا وموريتانيا، توجت بالتوقيع على اتفاقية مدريد بتاريخ 14 نونبر 1975.

خبث ومكر نظام العسكر الجزائري بعد خروج الاحتلال الإسباني من الصحراء المغربية

وفي الوقت الذي كان الراحل الملك الحسن الثاني يستعد لإعطاء انطلاقة ملحمة المسيرة الخضراء، سارعت قيادات الجارة الشرقية الجزائر بتاريخ 21 أكتوبر 1975، إلى الإعلان عن موقف معارض لقرار المغرب بتنظيم المسيرة الخضراء، مستنفرة دبلوماسيتها لدى عواصم الدول الكبرى من أجل وقف هذه المسيرة والاعتراض على المغرب محاولة منها المس بوحدة أراضيه وبسيادته على الصحراء المغربية.

وأمام هذا الموقف الغريب من الجزائر والذي لم يكن مفهوما آنذاك باعتبارها طرفا غير معني بالملف وأن المسألة بين إسباينا الاستعمارية والمغرب صاحب الأرض، وللضغط على المغرب، قام النظام الجزائري بطرد 350 ألف مغربي، في ما أسماه الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومديين ب”المسيرة السوداء”، ردّا على ملحمة المسيرة الخضراء السلمية التي مكنت المغرب من استرجاع أراضيه بالصحراء المغربية، في خطوة غير مفهومة جعلت نظام العسكر بالجزائر يظهر حقيقته ونواياه منذ ذلك الحين تجاه المغرب وأراضيه التي استطاع تحريرها من المستعمر الإسباني بعدما خلصت المفاوضات معه إلى إجلاء القوات الإسبانية من الصحراء المغربية في فبراير من سنة 1976.

ففي الوقت الذي استرجع المغرب أراضيه بالصحراء المغربية، سارع النظام الجزائري إلى التفكير في التوسع على حساب الصحراء المغربية والتفكير في احتلال مناطق منها بمجرد خروج القوات الإسبانية منها، حيث وما إن اقترب موعد جلاء القوات الإسبانية من الصحراء المغربية حتى قامت مجموعة مكونة من ضباط وجنود الجيش الجزائري، يوم 27 يناير 1976 بالتسلل إلى قرية أمغالة الواقعة بالقرب من مدينة السمارة، والحدود مع موريتانيا، قبل أن تصطدم بكتيبة من القوات المسلحة الملكية التي كانت قد التحقت بهذا المركز مباشرة بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسبانية منه، حيث كان يسعى النظام الجزائري إلى احتلال المنطقة قبل وصول الجنود المغاربة، وهناك جرت معركة بين القوتين سرعان ما حسمها الجنود المغاربة لصالحهم، حيث تم خلالها قتل وأسر العديد من الجنود الجزائريين من بينهم قائد الأركان الجزائري الآن السعيد شنقريحة.

هجوم أمغالة ورسالة الملك الراحل الحسن الثاني للرئيس الجزائري بومدين

وبعد الهجوم على أمغالة بنحو أسبوعين بعث الراحل الحسن الثاني رسالة إلى الرئيس الجزائري هواري بومدين قال له فيها: “إنه حدث يدعو إلى الدهشة والاستغراب، ذلك يا سيادة الرئيس أن القوات الملكية المسلحة وجدت نفسها يوم 27 يناير 1976 في مواجهة الجيش الوطني الشعبي في أمغالة التي هي جزء لا يتجزأ من الصحراء” مضيفا: “سال الدم بين شعبينا لأنكم لو توفوا بوعدكم. وها أنتم ترون أيضا بالأمس القريب أن الحامية المغربية التي بقيت في عين المكان بأمغالة أخذت غدرا… من لدن وحدات الجيش الوطني الشعبي الجزائري، متوفرة على أسلحة ثقيلة ومعدات يكشف نوعها ومستواها عن النية المبيتة للقيام بعملية تدمير تسببت في عشرات الضحايا بين أبنائي والمكافحين من أجل بلدي”.

تأسيس عصابة البوليساريو من طرف النظام الجزائري

وحين فشل النظام الجزائري في احتلال أمغالة، لم يتوقف عند هذا الحد، بل حاول مرة أخرى أن يستبق الأحداث، بحيث وقبل خروج قوات الاحتلال الإسباني من الصحراء المغربية بيوم واحد بتاريخ 28 فبراير 1976، أعلنت الجزائر يوم 27 فبراير عن قيام ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” من تندوف الجزائرية أو مايصطلح عليه بعصابة البوليساريو، ليأتي الرد المغربي الرسمي سريعا عبر ما جاء على لسان الملك الراحل الحسن الثاني في رسالة وجهها إلى القوات الملكية المسلحة: “ومن دون أن نخفي عنكم خطورة الوضع، ومن دون أن نتجاوز الحدود في تهويل الأمر أمامكم بخصوص تطور الوضع، فقد عزمنا العقد على الدفاع بكل وسيلة ممكنة عن وحدة المملكة وضمان الأمن والهناء لشعبنا”.

هي إذن بعض المعطيات التي حاولنا أن نضعها أمامكم في هذه الحلقة من سلسلة “قضيتنا الوطنية” التي حاولنا من خلالها تقديم أكبر عدد من المعلومات التاريخية وبشكل مختصر حتى نضعكم في صورة ما سيأتي في باقي الحلقات مستقبلا بخصوص قضية تعتبر قضيتنا جميعا، وكيف أن جيراننا ظلوا ولازالوا يسعون للمس بوحدة أراضينا رغم أن التاريخ شاهد على أن الصحراء مغربية وستبقى مغربية رغم كيد نظام العسكر بالجارة الشرقية ورغم كل محاولاته اليائسة منذ عقود من الزمن، كيف لا والدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس أظهرته على حقيقته وجعلته يعاني عزلة إقليمية قاتلة.

اترك تعليقا :
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *