قضيتنا الوطنية.. مسار الدبلوماسية المغربية للدفاع عن الوحدة الترابية وتحصين المكتسبات (5) – برلمان.كوم

استمعوا لبرلمان راديو

17:00 - 18 أبريل 2022

قضيتنا الوطنية.. مسار الدبلوماسية المغربية للدفاع عن الوحدة الترابية وتحصين المكتسبات (5)

برلمان.كوم - خالد أنبيري

نواصل مع قراء ومتتبعي موقعنا “برلمان.كوم” حلقات سلسلتنا الرمضانية “قضيتنا الوطنية” والتي حاولنا ونحاول من خلالها تسليط الضوء على قضيتنا الأولى بالمملكة، ألا وهي قضية وحدتنا الترابية وملف الصحراء المغربية، فبعد أن تطرقنا خلال الحلقات الأربعة السابقة للعديد من المعطيات المرتبطة بهذه القضية، نعرج بكم اليوم في حلقة خامسة على موضوع لا يقل أهمية عن المواضيع السابقة، حيث سنحاول الحديث في هذه الحلقة الخامسة، عن مسار الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس للدفاع عن الوحدة الترابية وتحصين المكتسبات، من خلال حشد الدعم لهذا الملف إقليميا ودوليا.

فلا يخفى عليكم قراءنا الأعزاء أن الدبلوماسية المغربية عرفت تطورا كبيرا، خصوصا في الشق المتعلق بقضية الصحراء المغربية، هذا التطور الذي جاء نتيجة للعمل الكبير الذي يقوم به الملك محمد السادس الذي كرّس جهوده للدفاع عن وحدة أراضي المملكة وحمايتها من الأعداء الذين ظلوا عبر التاريخ يتربصون بها ويكيدون لها المكائد، دون أن يفلحوا في مساعيهم التي أحبطتها الدبلوماسية المغربية على صعيد كل الجبهات، فالمغرب ومنذ أن قرر العودة لشغل مقعده بمنظمة الاتحاد الأفريقي الذي تخلى عنه منذ سنوات إبان عهد الراحل الملك الحسن الثاني، قطع الطريق على أعداء الوحدة الترابية، ومنذ ذلك الحين وهو يوجه لهم ضربة تلوى الأخرى، جعلتهم يصعدون حدة هجماتهم على المغرب ومؤسساته، هذا الأخير الذي يرد على هذه الاستفزازت والحملات بالصمت والعمل، وهو الآن يجني ثمار هذا العمل وما تقوم به دبلوماسيته.

عودة المغرب لمقعده بمنظمة الاتحاد الأفريقي

سيظل تاريخ 30 يناير 2017 موشوما في ذاكرة أعداء الوحدة الترابية الذين وجدوا ظالتهم في ترك المغرب لمقعده بمنظمة الاتحاد الأفريقي لما يزيد عن 33 سنة، لأنه التاريخ الذي صوتت فيه غالبية الدول الأعضاء بالاتحاد على طلب المغرب العودة لمنزله بين إخوته الأفارقة، هذا الطلب الذي حظي بقبول أزيد من النصاب القانوني المنصوص عليه في قوانين المنظمة الأفريقية خلال الدورة الـ28 لقمة الاتحاد الأفريقي.

فبعد يوم على قرار الموافقة على طلب المغرب للعودة لحضنه الأفريقي، حلّ الملك محمد السادس بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وألقى خطابا أمام رؤساء الدول الأفريقية، عبر خلاله لهم عن ارتياحه للدعم الصريح والكبير من الشركاء الأفارقة للمغرب، قائلا إن: “أفريقيا هي بيتي وقد حان وقت العودة”، مضيفا “كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب. (…) فأفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي. لقد عدت أخيرا إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد”، معتبرا كذلك أن الدعم الصريح والقوي، الذي حظي به المغرب، لخير دليل على متانة الروابط التي تجمعه بدول الاتحاد.

جدير بالذكر أن المغرب قد انسحب من “المنظمة الأفريقية” عام 1984، احتجاجاً على انضمام جبهة البوليساريو إليها، قبل أن تعرب الرباط عن رغبتها في العودة إلى الاتحاد الإفريقي.


منجزات الدبلوماسية المغربية بعد العودة للحضن الأفريقي

عديدة هي المنجزات والمكاسب التي استطاعت الدبلوماسية تحقيقها منذ عودة المملكة المغربية لمكانها الطبيعي وشغل مقعدها بمنظمة الاتحاد الأفريقي، بعدما وضعت نصب أعينها تصحيح أخطاء الماضي المتمثلة في تبني سياسة الكرسي الفارغ وترك المجال مفتوحا أمام أعداء الوحدة الترابية لمهاجمة المغرب واستغلال هذه المنظمة لخدمة أجنداتهم المعادية ومحاولة المس بسيادته على أراضيه بالصحراء المغربية، والمضي قدما لتحقيق انتصارات جعلت هؤلاء الأعداء يصابون بالسعار والجنون، خصوصا وأن الجزائر الطرف الرئيسي المتسبب في هذا النزاع خسرت ملايير الدولارات على دميتها البوليساريو وعلى هذا الملف دون أن تنجح في تحقيق مساعيها بالرغم من أن المغرب كان غائبا عن منظمة الاتحاد الأفريقي لما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن.

الدبلوماسية الاقتصادية وتأثيرها على قضيتنا الوطنية

لم تكن عودة المغرب لحضنه الأفريقي صدفة بل كان مخططا لها من طرف الدبلوماسية المغربية والتي تيقنت أن العودة للمنظمة رغم أن سبب مغادرتها لازال قائما هو السبيل الوحيد لتحقيق مكاسب للقضية الوطنية وكبح جماح أعداء الوحدة الترابية الذين وجدوا ظالتهم في غياب المغرب عن الاتحاد الأفريقي، فشرعت المملكة المغربية في تبني دبلوماسية اقتصادية جعلتها تخترق معظم دول القارة السمراء أهمها إثيوبيا التي يتواجد بها مقر منظمة الاتحاد الأفريقي، حيث قامت مجموعة “المكتب الشريف للفوسفاط” المغربي، شهر نونبر 2016 بتوقيع اتفاقية مع إثيوبيا لبناء مصنع لإنتاج الأسمدة بقيمة 3.7 مليار دولار. ومع نيجيريا إحدى الدول القوية التي كانت حتى الأمس القريب من بين حلفاء الجزائر، وقع المغرب اتفاقيات تعاون من أهمها مشروع أنبوب للغاز الطبيعي يربط غرب القارة بشمالها عبر المغرب وصولا إلى أوروبا.

وقد اعتمد المغرب على ديبلوماسية “الصفقات الاقتصادية” لإحداث اختراق كبير في القارة الأفريقية، لكسب صداقة دول أفريقية عديدة، هذه الدبلوماسية الاقتصادية قادها الملك محمد السادس الذي قام بزيارة للعديد من الدول التي لم تكن تربطها علاقات تقليدية بالمغرب، مفضلا الانفتاح عليها ونزع البساط من تحت أقدام الجزائر وجنوب أفريقيا اللتين كرستا جهودهما لعرقلة المغرب ودعم جبهة البوليساريو للمس بالوحدة الترابية للمملكة.

دبلوماسية القنصليات

فبالإضافة إلى الدبلوماسية الاقتصادية التي بدأها المغرب قبل عودته لحضنه الأفريقي تمهيدا لذلك، والتي أعطت نتائجها بالفعل ولازالت إلى الآن سارية، تبنت المملكة المغربية أيضا ما بات يعرف في الساحة السياسية ب”دبلوماسية القنصليات”، حيث تمكنت من حشد الدعم لملف الصحراء المغربية وأقنعت عشرات الدول بفتح قنصلياتها بمدن العيون والداخلة، وهو ما شكل ضربة موجعة لأعداء الوحدة الترابية وفي مقدمتهم الجزائر ودميتها عصابة البوليساريو.

وقد نهج المغرب هذه الاستراتيجية الدبلوماسية والتنموية الجديدة لتعزيز سيادته على الصحراء المغربية، وكسب دعم إقليمي ودولي، إضافة إلى حشد الدعم لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 كمبادرة جدية وواقعية لإنهاء هذا النزاع المفتعل، حيث ولحدود الساعة بلغ عدد القنصليات التي تم افتتاحها بمدن الأقاليم الجنوبية 25 قنصلية لدول عربية وأفريقية، مما يؤكد أن عودة المغرب لحضنه الأفريقي أعطت أكلها ونتائجها، في وقت تنتظر فيه دول أخرى ضمنها دول أوروبية كبيرة الوقت المناسب لفتح قنصلياتها بالصحراء المغربية، خصوصا وأن الدبلوماسية المغربية خطت خطوة كبيرة عندما أقنعت دولا عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا بدعم مبادرة الحكم الذاتي وبالتالي الاعتراف بمغربية الصحراء، وهذا هو موضوع الحلقة القادمة من سلسلتنا “قضيتنا الوطنية”.

اترك تعليقا :
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *