

يواصل موقع “برلمان.كوم” عرض سلسلة “قضيتنا الوطنية” التي يستحضر من خلال حلقاتها طيلة هذا الشهر الكريم، أهم المعطيات المتعلقة بقضية وحدتنا الترابية، فبعد الحلقتين الأولى والثانية التي تطرقنا فيهما إلى أبرز المعلومات حول القضية وكذا إلى الحقائق التاريخية المرتبطة بقضية الصحراء المغربية التي يسعى نظام الكابرانات بالجارة الشرقية إلى تزويرها وتزييفها، سنتحدث اليوم في الحلقة الثالثة عن أحد أهم الأحداث التاريخية المرتبطة بقضية الصحراء المغربية، والتي بقيت إلى الآن محفورة في ذاكرة المغاربة ويحتفلون بها كل سنة، وهي ذكرى ملحمة المسيرة الخضراء.
حدث المسيرة الخضراء
لقد طبعت قضية الصحراء المغربية مجموعة من الأحداث التي ستبقى راسخة في أذهاننا، كيف لا وهي من لعبت دورا كبيرا في الدفاع عن وحدة أراضينا وحمايتها من الأطماع الخارجية. وهنا نستحضر ملحمة المسيرة الخضراء التي هندسها وأخرجها للوجود الملك الراحل الحسن الثاني، تلك الملحمة التي شهد العالم على سلميتها في وقت كانت فيه إسبانيا تمارس جرائمها بالمنطقة، لكن حنكة وحكمة الملك الراحل جعلت المغرب يسترجع صحراءه من إسبانيا دون التسبب في إزهاق أرواح المشاركين في هذه المسيرة، والذين لبوا النداء من كل مناطق المملكة، سعيا منهم لتحرير أراضيهم بالصحراء المغربية.
ففي يوم 16 أكتوبر 1975، وهو التاريخ الذي صرحت فيه محكمة العدل الدولية برأيها بخصوص الصحراء المغربية، وأقرت بوجود روابط البيعة والولاء بين قبائل الصحراء وسلاطين المغرب قبل احتلالها من طرف إسبانيا، ما شكل ضربة موجعة آنذاك لأعداء الوحدة الترابية الذين كانوا يسعون للسيطرة على أجزاء منها بعد رحيل الاستعمار، سارع الراحل الملك الحسن الثاني إلى إلقاء خطابه بمدينة مراكش، أعلن فيه عن تنظيم مسيرة سلمية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية الجنوبية، ووضع حد للاستعمار الإسباني.
وجاء في نص الخطاب الملكي: “ماذا بقي علينا أن نعمل-شعبي العزيز؟ بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا. اعترف لنا العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن واعترف لنا العالم أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار إذن علينا أن نقوم بالتزاماتنا لأن الفترة التي عاشتها الصحراء تحت الاستعمار لم تكن قط فترة من شأنها أن تقطع العلاقات والالتزامات التي كانت بين المغرب وبين ذلك الإقليم بل الآن أصبح من المحتم، من المتعين، بل من الواجب الديني وعلماؤنا موجودون هنا لإبداء الفتوى: فواجبي الديني كخادم البلاد وخادم هذه الأمة وكأمير المؤمنين وبما أن بيعتهم لي باقية في عنقهم. أنني أقوم بواجبي وألتحق بشعبي في الصحراء وكيف سنلتحق؟ وماهي الطريق التي سنستعملها؟”.
وأضاف: “لا يمكن في آن واحد أن نتحاكم أمام هيئة الأمم المتحدة وأمام محكمة العدل وأن نقوم بحرب تنزف الدماء وتذهب الأرواح، هذا تناقض وهذا نوع من التعامل لم يكن من شيم المغرب ولن يكون إن شاء الله من شيم المغرب، ننتظر من حكم لاهاي الذي أنا اعتبره حكما وهم يعتبرونه فتوى أو استشارة أنا أعتبره حكما وإذا كنا ننتظر من الفتوى أنها تحضر لنا في علبة جميلة مزينة تحضر لنا حججا لصلتنا بالصحراء فهذا من باب الخيال. لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه. علينا شعبي العزيز أن نقوم كرجل واحد بنظام وانتظام لنلتحق بالصحراء لنصل الرحم مع إخواننا في الصحراء وكيف ستكون هذه المسيرة؟ سيشارك في المسيرة 350 ألف من السكان. شعبي العزيز…”.
6 نونبر 1975 انطلاق المسيرة الخضراء
وبتاريخ 5 نونبر 1975، ألقى الملك الحسن الثاني من مدينة أكادير خطاباً مُوجهاً لمتطوعي المسيرة الخضراء، أعلن فيه عن انطلاقتها حيث توجه بالقول للآلاف من المغاربة المتطوعين الذين لبوا نداءه: شعبي العزيز، غداً إن شاء الله ستخترق الحدود، غداً إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غداً إن شاء الله ستطؤون أرضاً من أراضيكم وستلمسون رملاً من رمالكم وستقبلون أرضاً من وطنكم العزيز”.
وحث الملك الراحل الحسن الثاني جميع المتطوعين في خطابه على أن المسيرة يجب أن تبقى سلمية، لكي تحقق الهدف المطلوب. حيث قال: “شعبي العزيز، كما قلت لك في خطابي الأول، إذا ما لقيت إسبانياً كيفما كان ذلك الإسباني، عسكرياً أو مدنياً، فصافحه وعانقه واقتسم معه مأكلك ومشربك وأدخله مخيمك، فليس بيننا وبين الإسبان غل ولا حقد، فلو أردنا أن نحارب الإسبان لما أرسلنا الناس عزلا بل لأرسلنا جيشاً باسلاً، ولكننا لا نريد أبداً أن نطغى ولا أن نقتل ولا أن نسفك الدماء بل نريد أن نسير على هدى وبركة من الله في مسيرة سلمية”.
وأشار الراحل الملك الحسن الثاني في خطابه للمشاركين في المسيرة الخضراء إلى أن الحالة الوحيدة التي سيلجأ فيها إلى استخدام القوة هي إذا تعرضوا لاعتداء قادم من جهة أخرى من غير الإسبان، حيث قال: “وفيما إذا إعتدى عليك المعتدون من غير الإسبان، شعبي العزيز في مسيرتك، فاعلم أن جيشك الباسل هو موجود، مستعد لحمايتك ووقايتك ضد كل من أراد بك السوء”.
وختم الراحل خطابه قائلا: “فسر شعبي العزيز على بركة الله تكلؤك عنايته وتحف بك رعايته، وسدد الله أقدامك وخطاك وجعل هذه المسيرة مسيرة فتح مبين على الشعب المغربي، وعلى إخواننا الصحراويين الذين نحن على أحر من الجمر للقاء بهم ولعناقهم والتعرف عليهم. وإننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن هدانا إلى صراطه المستقيم، وجعلنا ننهج نهجه القويم، راجين منه سبحانه وتعالى أن يديم علينا نعمة الحمد والشكر، حتى نحمده كثيرا ونشكره كثيرا فيعطينا كثيرا ويلبي دعواتنا كثيراً، إنه سميع مجيب وبالإستجابة جدير. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
المسيرة الخضراء تحقق أهدافها
أعلن الملك الراحل الحسن الثاني في خطاب ألقاه بتاريخ 9 نونبر 1975، أن المسيرة الخضراء حققت الأهداف المرجوة منها ليطلب من المشاركين في المسيرة الرجوع إلى نقطة الانطلاق أي مدينة طرفاية. حيث قال: “أيها المتطوعون لكم التنويه الوطني من مواطنيكم ومني على ما قمتم به من عمل، وعلى ما جسمتموه من قوة سلمية فكرية قدرت على شق الأحجار وتمكنت من لفت الأنظار إليها من جميع أنحاء العالم لفته نظر الإعجاب والتقدير والإعظام شعبي العزيز، لم تكن لتصل إلى هاته النتائج لولا الثقة الموجودة بيني وبينك، وتلك الثقة الموجودة بينك وبيني المبنية على الاحترام المتبادل، والمحبة المتبادلة ولدت هي بدورها الوعي، وذلك الوعي بعد ما أصبح وعيا صادقا وإيمانا راسخا ولد الطاعة والانضباط والنظام، وهذا كله، أتى بالنتائج المتوخاة وبالأهداف المنشودة”.
وأضاف: “شعبي العزيز، إنني، وأنا أخاطبك أعتقد شخصيا وأؤمن إيمانا راسخا، بأن مسيرتنا قد أدت رسالتها، وأنها قد أدركت هدفها، وأنها ولله الحمد قد حققت ما كنا كلنا- نحن وأصدقاؤنا ومحبونا- ننتظر منها، فلذا علينا شعبي العزيز أن نرجع إلى منطلقنا، علينا أن نرجع إلى منطلقنا لنعالج الأمور والمشاكل بكيفية أخرى وأساليب جديدة”.
أبرز نتائج ملحمة المسيرة الخضراء
لقد لعبت ملحمة المسيرة الخضراء الذي هندسها وقادها الراحل الملك الحسن الثاني دورا مهما في تحقيق نتائجة ملموسة لقضيتنا الوطنية أنذاك، حيث أصبحت المسيرة الخضراء من العلامات الفارقة في تاريخ المغرب الحديث، خصوصا وأنها أجبرت في تلك المرحلة إسبانيا على إجراء المفاوضات مع المغرب وتوقيع اتفاقية مدريد بتاريخ 14 نونبر 1975، وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بموجبها دخل المغرب إلى العيون سلمياً، وانسحاب الإدارة الإسبانية من المنطقة يوم 26 فبراير 1976 قبل يومين من الموعد المحدد في اتفاقية مدريد الذي كان 28 فبراير 1976.