قناة الشروق الجزائرية قرصنت كبسولة”استهلك بلا متهلك”

في ظل السياقات الإعلامية الحديثة، حيث يُفترض أن يكون الإبداع محميا بقوانين حقوق المؤلف والملكية الفكرية، تفاجأت بقرصنة قناة الشروق تيفي الجزائرية لكبسولة تلفزيونية مشهورة بالمملكة المغربية، وعنوانها رنان ومشهور، فمن منا كمغاربة داخل وخارج الوطن لا يتذكر كبسولة “استهلك بلامتهلك”، التي كان يقدمها المنشط المغربي الشهير إدريس العراقي، بالقناة الأولى من سنة 2007 إلى سنة 2014.
لقد قامت قناة الشروق الجزائرية – دون أدنى محاولة للتمويه – بالاستنساخ “الكربوني” للبرنامج التلفزيوني المغربي “استهلك بلا متهلك” منذ سنة 2020، وعرضته على العموم عبر القناة وعبر الويب بنفس العنوان والمحتوى، إذ اقترفت عملا لا يمت للمهنية بصلة، في مشهد يُشبه إلى حد كبير عمليات النسخ واللصق، التي يمارسها الطلبة الكسالى في أبحاثهم الدراسية الإجبارية.
إن المادة التلفزيونية “استهلك بلا متهلك” لم تكن مجرد برنامج توعوي عابر، بل كانت إنتاجا رائدا في مجال الثقافة الاستهلاكية، من خلال اشتغالها على توعية المستهلك المغربي بطرق الاستهلاك الرشيد، عبر كبسولات تلفزيونية قصيرة ذات محتوى دقيق ومدروس.
هذا البرنامج، الذي شاركتُ في إعداد كتابة حلقاته مع الحضور أيضا لاستوديو التصوير، تميّز بمواضيع هادفة وبأسلوب مبسط ومباشر، وبطريقة تصوير تتماشى مع عصر الإنترنت وهي العناصر التي جعلته يحظى بمتابعة واسعة داخل المغرب.
ما يجعل هذه القضية أكثر استفزازا ليس فقط استنساخ الفكرة، بل استنساخ العنوان والشكل والنوعية وأسلوب التقديم، وحتى النمط السردي، وهي دلائل دامغة على أن هذا الفعل لا يندرج تحت خانة “الاقتباس” أو التخاطر الفكري، بقدر ما يدخل مباشرة في مجال “القرصنة” المفضوحة، وهذا السلوك المنافي لقوانين حقوق التأليف وتوصيات المعاهدات الدولية في هذا الإطار منذ اتفاقية “بيرن”، يعكس استسهالا مريعا في التعامل مع الإنتاج الفكري، وكأن الإبداع المغربي مجرد مادة متاحة لمن لا يملك القدرة على الابتكار.
إن ما حدث يسلط الضوء على إشكالية أعمق تتجاوز حدود هذه السرقة الإعلامية، فالقضية تمس جوهر احترام حقوق التأليف في دولة الجزائر، حيث تتعامل القنوات التلفزيونية مع الأفكار المغربية كما لو كانت سلعا تُنهب دون أي اعتبار للجهد الفكري الكامن وراءها، فتبدو وكأنها تراهن على ضعف الذاكرة الجماعية، متناسية أن الجمهور اليوم أكثر وعيا وقدرة على رصد هذه التجاوزات بفضل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا غرو في ذلك عندهم، لأن الأمر لا يتوقف عند حدود الإعلام، بل ينسحب نحو محاولات أخرى لنسب العديد من مظاهر وعناصر التراث المغربي إلى الجزائر، من الزليج إلى القفطان والعديد من الفنون المغربية، وكأن هناك مشروعا ثقافيا متكاملا يقوم على إعادة توزيع الهويات وفق منطق “ما لدينا ليس كافيا، فلنأخذ من الجيران”. ومع ذلك، فإن هذه السرقات ليست سوى انعكاسا لغياب الرؤية الإبداعية الحقيقية، حيث يصبح النقل الحرفي هو الحل الأسهل بدلا من الاستثمار في إنتاج محتوى محلي أصيل واستخدام العقل والمنطق.
إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من هذه الواقعة، فهو أن حماية الإنتاج المغربي الإعلامي ومظاهر التراث الحضاري للوطن، لم تعد خيارا، بل ضرورة ملحة، فلم يعد يكفي الاستنكار والتنديد، بل يجب التحرك على المستويات القانونية والإعلامية لضمان عدم تكرار هذه التجاوزات القبيحة والمرفوضة، لأن الإبداع، في نهاية المطاف، لا يُقاس بعدد من يسرقونه، بل بعدد من يحترمونه ويحافظون عليه.
وعودة لكبسولة “استهلك بلامتهلك” الأصلية، فهي أشهر كبسولة توعوية بالقنوات المغربية، وقد تم توقيف بثها بالقناة الأولى، منذ العمل بدفتر التحملات في طلبات عروض قنوات القطب العمومي، حيث اختفت من شبكة برامج القناة الأولى، لكنها ظلت ثابتة في الذاكرة الجماعية للمغاربة، كما تعرف انتشارا كبيرا بمواقع التواصل الاجتماعي إلى غاية اليوم .. وهو الأمر الذي يؤكد أن السطو عليها من طرف قناة الشروق تيفي الجزائرية، كان مكشوفا وغير ذكي كي لانقول أن السطو تم ببلادة تبعث على السخرية السوداء.