الأخبارسياسةمستجدات

كيف أصبح ملف متابعة كرمين “مول بوزنيقة” مدعاة للحيرة والتساؤل في ظل الصمت المدوي لمحمد عبد النبوي؟

الخط :
إستمع للمقال

أصبح ملف المتابعة الجنائية للاستقلالي امحمد كريمين، رئيس جماعة بوزنيقة، يثير الكثير من الأسئلة والاستفهام  بالنظر الى حجم التهم وثقلها وعدد السنين التي استغرقتها المتابعة حتى أصبح العارفون بخبايا الملف يسخرون من جولاته “السياحية” بين أروقة هذه المحكمة او تلك.

فبالرغم من ثقل التهم الموجهة “لصاحب بوزنيقة” كما يحلو للبعض تسميته فإن ملف المتابعات ظل حبيس اسوار المحاكم بينما ظل المتهم يعيش حياته العادية وكأن إرادة القضاء ارتأت ان تسجن هذا الملف عوض صاحبه، حيث قضى حتى هذه اللحظة 12 سنة كاملة بين رفوف مختلف مراحل التقاضي.

إن أقوى سؤال أصبح يُطرح بشدة في قضية متابعة كريمين هو: هل أصبح قضاؤنا عاجزا عن الحسم في ملف واضح المعالم كي يجتره طيلة 12 سنة أم أن هناك أيادي أقوى من خطورة المتابعات تحمي بنعيم ظلالها صاحب هذا الملف وتجعله في منأى عن صدور حكم حاسم بإدانته أو ببراءته؟ 

ولعل خطورة هذا السؤال تكمن في كونه أكثر وطأة وقسوة على قضاءنا وإدارتنا واقتصادنا من كل الأحكام التي يمكن إصدارها بهذا الصدد، لأن عدم الوضوح في مثل هذه الاحكام قد تثير الهلع والخوف لدى المستثمرين كما تثير الكثير من الأسئلة المحيرة لدى المواطن المغربي الذي يظل المعني الاول بمساطر التقاضي، وقد يكون الضحية الأول للفساد الإداري والتلاعب الفاحش بالصفقات وبالأموال العمومية.    

فإذا كانت تقارير المجلس الجهوي للحسابات أثبتت اختلالات وخروقات خطيرة شابت صرف مبالغ مالية تتجاوز 77 مليون درهم، وإذا كانت غرفة الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء سنة 2018 أصدرت قرارا بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بإدانة المتهم بما نسب  إليه، وذلك بأربع سنوات موقوفة التنفيذ وغرامة مالية 50 ألف درهم، فكيف للمتهم ان يتابع حياته العادية والمهنية والسياسية غير عابئ بما قد تؤول إليه الأحكام؟.

ومن المفارقات أيضا أن رئيس لجنة التعمير بجماعة بوزنيقة تقدم بشكاية جديدة ضد رئيس المجلس امحمد كريمين ونائبه الثاني لدى محكمة جرائم الأموال من أجل خروقات في مجال التعمير، مماثلة لتلك المخالفات التي حكم من أجلها سابقا.

غير أنه ورغم هذه العقوبة وهذه التهم، فقد أعيد انتخاب كريمين نائبا برلمانيا عن دائرة بنلسيمان عن حزب الإستقلال، ثم رئيسا لجماعة بوزنيقة، التي كانت مؤخرا مسرحا لشجارات عنيفة بين أعضاء المجلس الذي يترؤسه المحكوم بتبديد أموال عمومية.

والأدهى من ذلك، أنه بعد الطعن بالنقض في الحكم الصادر عن استنافية الدار البيضاء بمؤاخذة كريمين، فإن الملف، حسب مصادر عديدة، لم تتم إحالته على محكمة النقض إلا بعد مرور حوالي سنة على النطق بالقرار الإستئنافي، مما يثير تساؤلات وشبهات عديدة حول وجود جهات تساعد الرئيس المتابع جنائيا، للإفلات من العقاب.

وبينما كان منتظرا أن تبث محكمة النقض في الملف، داخل أجل معقول بالنظر إلى وجود استحقاقات انتخابية مقبلة ( انتخابات شتنبر 2021)، وبالنظر إلى كون المتهم لم يعد فقط مشتبها به، بل أصبح أمام حقيقة قضائية ظهرت في مقررين جهزا الملف بشكل دقيق، فإذا بها، بعد مرور حوالي 3 سنوات من نظرها في الملف، واربع سنوات على صدور قرار الاستئناف، تقرر بشكل مخالف لجميع التوقعات، حيث قررت قبول طعن المتهم وارجاع الملف إلى نقطة الصفر في قرار صادر عنها الأسبوع الماضي، أي إلى إرجاعه إلى نظر محكمة الاستئناف بالدار البيضاء لاعادة المحاكمة من جديد، ليصل مجموع سنوات المحاكمة في هذا الملف بين أروقة المحاكم زهاء 12 سنة منذ المرحلة الابتدائية، التي انطلقت سنة 2010، مما أدى إلى ترشح كريمين لجماعة بوزنيقة لولايات إنتخابية جديدة ثم إمكانية السقوط في نفس أنواع الجرائم. هكذا وبدل ايقاف النزيف بواسطة محكمة النقض، فإنها أعطته فرصة جديدة لممارسة هوايته السابقة وهي “الشتقليب فوق المال العام”.

طبعا حدث هذا بعد فوز كريمين برئاسة جماعة بوزنيقة، وفوزه بمقعد في انتخابات البرلمان، ولا ندري هل توجد المحكمة خارج البيئة المغربية، غير مهتمة بالتفاعل الاجتماعي مع ملفات المال العام المسأثرة باهتمامات المغاربة، ومتناسية أن الأحكام القضائية تصدر باسم جلالة الملك، ما يهمها هو مقاربتها التقنية البطيئة للملف، حتى وإن كانت مضرة بالشعب والدولة، ضيعت على المغاربة فرصة جديدة مع تاريخ محاربة الفساد من أجل استرجاع أموالهم المنهوبة؟ أوليست جرائم المال العام تشبه الإرهاب، باعتبارها تدمر الخزينة العامة وتضعف الخدمات العمومية، وتخرب المرافق، وبالتالي تخلق الفقر، و النقمة والكراهية وربما التطرف العنيف؟

كل هذا يطرح أيضا سؤال علاقة القضاء بمحيطه ومدى تفاعله العميق والحقيقي معه، وإلا ما داعي لوجود قضاء أصلا اذا كان غير مساهم في ضبط ايقاع الخلافات والصراعات داخل المجتمع بالسرعة المطلوبة؟

فالدولة والمجتمع عبر كل التجمعات البشرية في العالم وعبر التاريخ، لايحتاجان موظفين مكلفين بفض المنازعات بين الناس، وانما يحتاجان قضاة حقيقيين لهم من الشجاعة والقوة والأمانة ما يؤهلهم إلى تحمل مسؤولياتهم بإخلاص وشرف، وعدم التصرف في تفويض الأمة المغربية، في إقامة العدل، بسوء نية.

في هذه النازلة المتعلقة بكريمين، الذي كاد فعلا أن يصبح “مالك بوزنيقة”، أثيرت تساؤلات كثيرة وشبهات لا يمكن إلا أن تشوه الدولة المغربية، أمام استحقاق استقلالية القضاء، الذي ربما كان مستقلا أكثر عندما كان تحت جبة وزارة العدل، وهذه مسؤولية من أوكل لهم قيادة هذا الورش من خلال رئاسة النيابة العامة والرئيس المنتدب.

ولنقلها بكل وضوح.. في هذه نازلة المتهم كريمين، أثيرت أقاويل بوجود علاقة قوية بين المتهم وبين نافذين في القضاء، تجعل كريمين فوق سلطة القضاء.

ولعل كل المتابعين لهذه القضية، التي عمرت دهرا في رفوف المحاكم، مقارنة مع قضايا مشابهة تم البت فيها بسرعة البرق، أثاروا التساؤل حول وجود شبهة علاقات قوية بين كريمين ورجال القضاء الكبار.

هذه الشبهات تزكيها قرائن ملموسة، أهمها الانتقائية الواردة في اختيار سرعة وزمن البت، في النوازل، إضافة إلى عنتريات رئيس جماعة بوزنيقة الذي يتباهى دائما بقوة من يدعمونه.

في الختام نقول إن مناصب المسؤولية في القضاء أو غيره، ليست شواهد ملكية بقطعة أرضية يبني فيها المسؤول ما يشاء، وليست مقاولة أو عصبة حتى لا نقول عصابة، يفعل بها المسؤول مهما علا شأنه ما يريد مع خصومه، ويغدق بما يريد على أصدقائه، حذاري حذاري، دورات حياة المناصب وحياة البشر ككل قصيرة جدا، وقد تنقلب الأمور في أي لحظة!

والخلاصة هي أنه في المغرب، كلما اشتدت إرادة الدولة في محاربة الفساد والمفسدين والريع، وكل متلاعب بالمال العام، ولاسيما عند عبور البلاد الازمات الاقتصادية والاجتماعية كالتي تعيشها منذ بداية جائحة كورونا، كلما شمر عن ساعديه، من داخل مؤسسات ومرافق الدولة نفسها، من يقدم الدعم والحماية والأمان لهؤلاء المفسدين العابثين بأموال الخزينة العامة، أموال المغاربة.

فهل من آذان صاغية يا محمد عبد النبوي؟ أما آن الأوان لتقييم حصيلتك على رأس القضاء المغربي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى