كيف تعشش الاستحمار السياسي في البنية النفسية للرئيس تبون ورفيقه الكابران شنقريحة..؟ – برلمان.كوم

استمعوا لبرلمان راديو

15:03 - 8 فبراير 2023

كيف تعشش الاستحمار السياسي في البنية النفسية للرئيس تبون ورفيقه الكابران شنقريحة..؟

باريس ـ أحمد الميداوي

النبرة المتعالية التي يغلف بها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تصريحاته كلما تعلق الأمر بالحدود المغربية الجزائرية المغلقة، بقدر ما تبعث على التقزز والحسرة، تنذر بتصادم وشيك أو على الأقل بضباب كثيف قد يلف العلاقات بين البلدين لسنوات أخرى.. فقد انتقلنا من رجل (الرئيس بوتفليقة رحمه الله) كان لوضعه الصحي والاجتماعي غير المتوازنين، تأثير كبير على علاقة الجزائر بمحيطها، إلى رجل كشف لأول وهلة أنه ميال إلى تغليب المزاجية والعجرفة في علاقات الجوار، على روابط اللغة والتاريخ والمصير المشترك.

فدعوته المغرب، وبطريقة متعالية، إلى “اعتذار رسمي” عن حادث إغلاق الحدود وعن حوادث سياسية أخرى، كشرط أساسي لعودة العلاقات إلى طبيعتها، هي مجرد صيحة في واد ونفخة في رماد لا طائل منهما سوى تكريس القطيعة التي دشنها الرئيس الراحل هواري بومدين بخلقه لكيان مصطنع اسمه “البوليساريو”، أراد من خلاله اجتثاث الجارة المغرب من عمقها الإفريقي ومحاصرتها على المستوى الجيوستراتيجي، حيث كان يدرك جيدا أن المغرب بتاريخه وحضارته يحظى بإشعاع متميز بإفريقيا وخاصة بدول جنوب الصحراء ودول غرب إفريقيا.

وإنه لضرب من الترنح السياسي، إن لم نقل الاستحمام اليائس والبئيس المتعشش في البنية النفسية للرئيس تبون ورفيقه في الجلسات الحميمية، الكابران شنقريحة، أن نضع شروطا في وجه تحسين هذه العلاقات، لاسيما إذا كان الشرط يحمل عنوانا سكرانا اسمه “اعتذار رسمي”، وكأن الأمر يتعلق بتدنيس للكرامة واغتصاب للسيادة الجزائرية.. ترنح سياسي قائم على منظومة من المصادرات والرؤى التي تكرس الخواء والعجز الذي بات من سمات الطغمة الحاكمة بالجزائر.

ففي إطلالة مترنحة متمايلة تحت تأثير مشروب غير محلّي بالتأكيد، طلب عبد المجيد تبون أن يقدم المغرب اعتذارا رسميا عن كل المعاصي التي ارتكبها في حق الجزائر، كشرط أساسي لتحسين العلاقات بين البلدين. مثل هكذا شرط يقتضي طرح مجموعة من الأسئلة بعناوين براقة من قبيل عمّاذا الاعتذار يا سيادة الرئيس؟ عن 40 ألف مغربي طردوا من الجزائر سنة 1975 يوم عيد الأضحى بالضبط، ومعظمهم ولد وترعرع في الجزائر وجعل منها موطنه الثاني..؟ أو الاعتذار عن دعم الجزائر لانفصاليي البوليساريو بالسلاح والمال الذي يُغدق عليهم من أموال الشعب الجزائري؟ أو عن عقود من البروباغاندا المتحاملة على المغرب، بروباغاندا نفسية واجتماعية وأمنية وسياسية في آن واحد. أو الاعتذار عن رفض نداء الحوار الذي أطلقه الملك محمد السادس غير ما مرة من أجل بناء جسور الثقة بين البلدين والبحث في مستقبل ومصير علاقاتهما، وهو نداء جدده بمناسبة انتخاب رئيسا للبلاد؟.

وإذا كان “الاعتذار الرسمي” شرطا عقائديا عند القادة الجزائريين في علاقاتهم مع البلدان الأخرى، فلماذا لم يوظفوا هذا الشرط مع فرنسا التي استخدمت 42 ألف جزائري من سكان الصحراء كفئران تجارب في التفجيرات النووية الفرنسية المختلفة، وما خلفته تلك التفجيرات من آثار صحية مهولة على سكان المنطقة ومن انعكاسات وخيمة على البيئة ؟ فقد نطق الأرشيف الفرنسي، بعد أن رفعت عنه السرية، بأول تفجير نووي بمنطقة حمودية برفان بالصحراء الجزائرية، في فبراير سنة 1960، تحت اسم “اليربوع الأزرق”، بمشاركة خبراء من إسرائيل. وكانت طاقته تعادل ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما (اليابان). وتلاه تفجير “اليربوع الأزرق” وبعده “اليربوع الأبيض” ثم “اليربوع الأحمر” في نفس السنة، فـ”اليربوع الأخضر” في 1961. وكل تلك التفجيرات تمت في أنفاق حفرها سجناء ورعاة جزائريون داخل جبل “إينكر”. فلماذا إذن لم يطلب أي من رؤساء الجزائر، من الاستقلال إلى اليوم، اعتذارا رسميا من فرنسا على هذه التفجيرات التي كان الخبراء الفرنسيون يميزون فيها السكان المستعملين كفئران تجارب، بقلادات معدنية تحمل أرقاما تسلسلية لمعرفة تأثير الإشعاعات عليهم؟.

سبب الامتناع عن طلب “الاعتذار، يكمن ببساطة في كون فرنسا كانت ستستخف بمثل هذا الطلب كما استخفت بطلب “اعتذار رسمي” عن استعمار الجزائر، وما رافق ذلك الاستعمار من إساءات بلغت الحد الأقصى في الظلم والاضطهاد. فقد رفض كل رؤساء فرنسا من شارل دوغول إلى فرانسوا هولاند، مرورا بجورج بومبيدو، وجيسكار ديستان، وفرانسوا ميتران، وجاك شيراك، ونيكولا ساركوي، إلى أن جاء إيمانويل ماكرون ليقدم اعتذارا فقط، وبصيغة محتشمة جدا، للأشخاص الذين “تعرضوا لسلوكات وحشية” خلال التواجد الفرنسي.

قد تكون ظروف أمنية مرتبطة بالإرهاب هي التي أملت إغلاق الحدود للمرة الأولى في تسعينات القرن الماضي، غير أنه لا يوجد اليوم مبرر بالمرة للإبقاء على هذه الحدود مغلقة لأزيد من ربع قرن، وهي مدة شهدت ميلاد جيل جديد من المستثمرين والمنعشين الاقتصاديين الذين تؤرقهم هذه الحدود المغلقة..

ثم إن المغرب وإن كان يرغب من منطلق الجوار في فتح صفحة جديدة مع الجزائر، وبناء الاتحاد المغاربي كصرح للتكامل الاقتصادي، حيث العالم أصبح متداخلا بشكل لم يعد فيه مكان للكيانات الضعيفة أو الهشة، فإن ذلك لا يعني أنه يتسوّل التصالح أو البناء المغربي الذي لن يأتي بالطبع إلا بإرادة ورغبة مشتركتين، وليس بالاشتراطات الوهمية المنافية لمبادئ التضامن وحسن الجوار

اترك تعليقا :
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *