اخبار المغربرأي في قضيةمستجدات

كيف ورط التواصل الحكومي الجميع مع “جيل Z”؟

الخط :
إستمع للمقال

أخطر لحظة في التعاطي مع التعبيرات الاحتجاجية الشبابية التي نزلت إلى الشارع هو تصدير خطاب إلى المحتجين مفاده أن السلطة توجد في مكان آخر غير الحكومة. ويبدو أن هذه البرمجة كانت مقصودة منذ البداية من الفاعل السياسي نفسه، ليدفع في اتجاه صناعة رأي عام احتجاجي قائم على فكرة أن الحكومة لا سلطة لها وأن تأخيرها ناتج عن تعطيل ردة فعلها هي بقرار من جهات تملك السلطة الفعلية. هذا التوجيه تم من خلال لحظتين: بلاغ الأغلبية الحكومية وتعطيل التواصل مع “جيل Z”.

الاختباء وراء الملك لعبة مفضوحة، وقديمة، تنم عن انعدام المسؤولية، وغياب القدرة على تقدير المخاطر وإدارة الأزمة بشكل مستقل وفي إطار صلاحيات دستورية واضحة تجعل من الحكومة سلطة تنفيذية قائمة بذاتها. مبدئيا، التقط الشباب المحتج هذه الإشارة السياسية المغلوطة الصادرة عن الحكومة، وحولوا الخطاب إلى الملك مباشرة. في بلاغ الأغلبية الحكومية تم إقحام اسم الملك عبر ادعاء أن “رئاسة الأغلبية تستحضر التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش الأخير، الذي دعا إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، وتؤكد انخراطها في بلورة مختلف هذه التوجيهات، بداية من قانون المالية 2026…”. هو الملك نفسه الذي لطالما انتقد، في خطاباته، البيروقراطية وفشل السياسات العمومية ودق ناقوس الخطر بشأن تعثر مشاريع التنمية وأثرها على العدالة الترابية.

مسألة التأخر في التجاوب مع المحتجين، والتفرج على القوات العمومية تصطدم مع الشباب في الشوارع في الأيام الأولى للتحرك، يمكن قراءتها أيضا كجزء من استراتيجيات حكومية لتصدير الأزمة. التأخير خلق الاعتقاد لدى شريحة واسعة من المحتجين، وبشهادتهم، أن السلطة توجد في مكان آخر، وأن الحكومة تأخرت في الرد على مطالب المحتجين لأنها لا تملكها أو تنتظر توجيهات من جهات ما، علما أنه مع حكومات سابقة لم يكن رئيس السلطة التنفيذية ينتظر توجيها أو إذنا للتفاعل مع الأزمات الطارئة أو المطالب. بنكيران مثلا كان له أسلوبه الخاص في إدارة الأزمات يخلط بين الفهلوة الإعلامية والقرار السياسي في اللحظة المناسبة.

لم يملك أحد الشجاعة للخروج إلى الشباب، وكما هي العادة دائما، تُركت المؤسسة الأمنية وحدها في الساحة، واختفى أخنوش وحكومته خلف مشاهد العنف والتدمير وصور المواجهات والمطاردات بين المخربين والقوات العمومية. توارى رئيس الحكومة بداية خلف هذه الصور التي أنتجتها القرارات والسياسات الحكومية والريع وتضارب المصالح وغيرها من صور الفساد التي دافع عنها أبواقه في الحكومة والبرلمان. لم تملك الحكومة الشجاعة للاعتراف بمسؤوليتها حصرا عن تنامي الاحتقان الاجتماعي وتدهور الأوضاع السياسية، حيث أسكت أخنوش كل الأصوات المنتقدة (حال البرلماني المهاجري) وحاول إخراس جميع معارضيه.

لا يمكن إنكار الأزمة الاجتماعية والفشل الحكومي في إدارة قطاعات التعليم والصحة والشغل والشباب، لكن لكل أزمة أسلوب إدارة يقوم على تدبير الأزمة بالتواصل من خلال: التدخل التلقائي وعرض الوساطة دون تأخير أو انتظار. دفق متواصل وصريح من المعلومات. رسائل صادقة منسقة المحتوى. تكثيف التواصل لمنع تداول الأخبار الزائفة. ثم أخيرا عرض الشفقة وإبداء سلوك إداري مناسب بالقول المختصر والمهم الذي يستحق أن يُسمع ويتكرر. هذه أبرز أدوات تواصل الأزمة، وإذا ما أسقطناها على سلوك الحكومة في التعاطي مع الحركة الاحتجاجية الأخيرة، يظهر أن الحكومة لا تملك أي تقدير للمسؤولية على ضوء ردة فعلها. فلا هي تفاعلت في الوقت المناسب، ولا الرسائل كانت منسقة وصادقة، بسبب أزمة الثقة أساسا، ولا وقع تكثيف للتواصل بل بالعكس اختفت الحكومة لأكثر من يومين قبل أن تخرج ببلاغ فارغ، بل استمرت في الإنكار وخطاب العجرفة والادعاء على الحركة الاحتجاجية بأسلوب إداري يجمع الكثيرون أنه جزء من الأزمة. أزمة تواصل.

اليوم، يبدو أن أغلبية أخنوش ورطت الجميع، بوعي، بعدما أومأت إلى المحتجين، بسلوكها السياسي اللامسؤول متمثلا في تعطيل التفاعل وإقحام الملك في بلاغ الأغلبية، أن مركز السلطة والتحرك يوجدان في مكان آخر! وبعدها أصبح الخطاب المطلبي يتوجه إلى الملك مباشرة بدعوته إلى التدخل عبر إسقاطات دستورية خاطئة ومستحيلة. أكبر نجاح للأغلبية الحكومية، في إدارتها الفاشلة للأزمة، أنها عرفت كيف تُحول الشعار الاجتماعي (الصحة والتعليم) إلى خطاب سياسي حول السلطات الدستورية والمعتقلين.. بالمقابل، اكتشف شباب “جيل Z” أن الواقع يُبنى بالبرامج والمشاريع وليس بالتماهي مع سلوك اللاعبين وعاداتهم في غرف الألعاب الإليكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى