

في الثامن عشر من يوليوز 2021، نددت عدة صحف دولية ومنظمات بعمليات تجسس ضد سياسيين وحقوقيين وإعلاميين عبر برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي. ولم يتم آنذاك التساؤل حول لماذا اندلعت تلك القضية في تلك اللحظة بالتحديد؟ ولماذا تم استهداف المغرب بشكل خاص؟ هذا ما يعود إليه المحقق والخبير الفرنسي آلان جوردان في كتابه “قضية بيغاسوس”.
وتناول الكاتب بشكل جدي الغموض الذي يلف هؤلاء “المبلغين عن المخالفات” من نوع جديد الذين يعيدون إنتاج معلومات لم يبحثوا عنها بأنفسهم بل يحصلون عليها جاهزة، دون أن يتساءلوا حول أصل هذه الخرجات الإعلامية المثيرة. وقد أجرى جوردان حوارا مع موقع “موند افريك” تحت عنوان: “المياه العكرة للمجمعات الدولية للصحفيين”.
وقالت الصحيفة في سؤال موجه لجوردان، إنه عند اندلاع قضية “بيغاسوس”، كان هناك حديث عن 50 ألف هاتف تم التنصت عليها، تخص رؤساء دول – بمن فيهم إيمانويل ماكرون – ومعارضون سياسيون وصحفيون وقادة أعمال. لتبرز أنه حدد اتحاد الصحفيين في نهاية المطاف 1000 فقط.
وجوابا على المفارقة التي طرحتها “موند أفريك” قال آلان جوردان “أنه مرة أخرى، لا يزال هذا الرقم البالغ 1000 مبالغا فيه للغاية. في النهاية، قد يكون هناك ثلاثون هاتفا مصابا فقط حيث يتساءل الخبراء القلائل الذين أجروا تحقيقات مضادة كيف تم تجميع هذه القائمة ومن قبل من؟”.
وتابع الكاتب قائلا: “بادئا ذي بدء، لم يتم أبدا إثبات أنه كان من الممكن التجسس على إيمانويل ماكرون، وتشير رونيا ساندويك، الرئيسة السابقة للأمن المعلوماتي في صحيفة نيويورك تايمز، إلى أنه “لا أحد يعرف، حتى الآن، من أين أتت القائمة التي تم من خلالها تلفيق فضيحة مشروع بيغاسوس لمهاجمة المغرب، على وجه الخصوص”.
وعن سؤال حول صحيفتي واشنطن بوست والغارديان اللتين أشارتا إلى أن اتحاد الصحفيين استشهد بأنه تم استهداف أرقام خطوط ثابتة، مع العلم أن “بيغاسوس” يستهدف فقط الهواتف المحمولة، أجاب جوردان أن هذا خطأ آخر يثير للسخرية. وأشار المحقق الفرنسي الى مغالطة أخرى مثيرة للسخرية وتتعلق باستهداف الهواتف الأمريكية، مؤكدا بأنه كان المستحيل فعل ذلك لكون الولايات المتحدة الأمريكية فرضت على شركة NSO Group الإسرائيلية برمجة ” بيغاسوس ” بطريقة تحول دون استهداف الأرقام الأمريكية .
وعن سؤال للصحيفة يتعلق بكون الصحافة تأخذ هذه المعلومات دون التحقق منها، أوضح المحقق الفرنسي أن الأمر يعود إلى الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه وسائل الإعلام، حيث لم تعد تملك الوسائل اللازمة لتمويل التحقيقات التي أصبحت عمليا مكلفة جدا، ولذلك فهي تفضل الموضوعات الجاهزة التي لم تقم بتغطيتها، نظرا لأن عامة الناس لا ينتبهون لذلك، كما أن الصحف لم تعد تختار مواضيعها بدقة بالنظر لعجزها عن التحقق من المعلومات.
وسألت الصحيفة جوردان عن آلان جويليه، المدير السابق للاستخبارات في المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE)، الذي كتب توطئة المؤلف، والذي ذهب إلى أبعد مما كتبه جوردان، حيث أبرز من خلالها أن “الرسالة الظاهرة من قضية اتهامات بيغاسوس” تخفي الهدف الحقيقي والذي يتجلى في استهداف المغرب بشكل خاص.
وأوضح جوردان أن برنامج “بيغاسوس” ليس فريدا، هناك “كانديرو، رين، بريداتور”. هناك عشرات البرامج الجيدة التي تتميز بكفاءتها الكبيرة، وخاصة من خلال السرية التي تسمح بها لمستخدميها، متسائلا عن سبب التركيز على “بيغاسوس” وعن ما إذا كانت المعطيات المروجة تهدف إلى منع الاستحواذ على شركة NSO للتقليل من قيمتها، وأضاف قائلا: “لسوء الحظ أن الصحف لم تعد تحقق، بل إنها تؤمن إيمانا راسخا بعظمة المبلغين عن المخالفات”.
وأشار المحقق الفرنسي أيضا إلى أن العديد من الدول استخدمت خدمات الشركة الإسرائيلية، من أذربيجان والمكسيك والمجر والهند. 14 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تعاملت مع NSO، فلماذا يتم استهداف المغرب بشكل أساسي؟ يتساءل الخبير.
وفي جواب على سؤال يتعلق بكونه لا يخشى أن يظهر كمدافع متحمس عن الرباط أجاب جوردان” أنا لا أقول إن المغرب لا يراقب خصومه. بالطبع هو كذلك، مثل العديد من البلدان الأخرى في بقية العالم وهذا أمر طبيعي. لدي اتصالات في هذا البلد، وقد تمكنت من الاطلاع عن قرب عن فعالية أجهزتهم السرية. هل تعلم أنه كان لديهم مخبر في الأمن الخاص لأسامة بن لادن في باكستان؟”
في هذه الحالة، أنا لا أدافع عن المغرب. كما أنني لست معارضا للجزائر. أشير ببساطة إلى أن العديد من الكيانات تقف وراء هذه العملية برمتها والتي تسعى إلى زعزعة استقرار المغرب، من خلال تسميم علاقاته مع فرنسا، من خلال التشكيك في مغربية الصحراء، ومن خلال معارضة اتفاقيات أبراهام والعلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل. أنا فقط أشدد على الدور الغامض لبعض المنظمات غير الحكومية التي، بعيدا عن كونها مستقلة، هي في الواقع جنود حرب اقتصادية”.