الأخبارسياسةمستجدات

ماذا يريدون من المغرب؟.. استثمارات المغرب بإفريقيا تدفع فرنسا لمهاجمته ومحاولة عرقلة مساره -3-

الخط :
إستمع للمقال

نواصل معكم قراء موقع “برلمان.كوم” الأعزاء حلقات السلسلة الرمضانية، “ماذا يريدون من المغرب؟” عبر هذه الحلقة الثالثة، والتي سنحاول من خلالها التطرق للتواجد المغربي على المستوى الاقتصادي بالعمق الإفريقي كسبب من الأسباب التي جعلت فرنسا تهاجم المغرب وتشن ضده حملات ممنهجة ومنظمة، لفرملته وقطع أجنحته، بعدما بات أو بالأحرى بعدما شكّل خطرا عليها وأثر على تواجدها في مجموعة من الدول الإفريقية والتي باتت اليوم أقرب للمغرب أكثر من قربها من فرنسا، بل إن هذه الأخيرة تعتبر المغرب بمثابة قائد الثورة ضدها من طرف شعوب دول إفريقية طردت فرنسا من على أراضيها.

فبعدما ذكّرنا في الحلقتين الأولى والثانية بالتقارير الاستخباراتية الألمانية والفرنسية التي دعت لإيقاف المغرب وفرملته، حتى لا يتكرر سيناريو تركيا بمنطقة شمال إفريقيا، سنحاول اليوم الحديث عن السياسة المغربية بإفريقيا وكيف جعلت من المغرب اليوم حليفا استراتيجيا وشريكا موثوقا به من طرف القوى الكبرى بالقارة السمراء، بل وأصبح اليوم يعتبر بالنسبة إليهم المعبر الآمن الرابط بين إفريقيا وباقي قارات العالم.

انفتاح المغرب على العمق الإفريقي

لقد استطاع المغرب بفضل السياسة الملكية على مستوى القارة الإفريقية أن يتوغل فيها على مستوى مجموعة من المجالات أبرزها الاقتصادي لتحسين ظروف عيش شعوب دول القارة، والديني لمحاربة التطرف والإرهاب من خلال العمل على تلقين شعوب هذه الدول قيم التسامح والتآخي بين مختلف الأديان والعقائد وقطع الطريق على المد الشيعي الذي كان يستهدف ولازال دول القارة الإفريقية.

وهنا لابد أن نستحضر الخطاب الملكي بتاريخ 20 غشت 2017 بمناسبة الذكرى 64 لثورة الملك والشعب، والذي خصصه الملك محمد السادس للحديث عن تواجد المغرب عبر التاريخ في أعماق إفريقيا ووصولا إلى عودته لمقعده بمنظمة الاتحاد الإفريقي إلى جانب إخوانه الأفارقة، حيث أكد خلاله الملك أن توجه المغرب نحو إفريقيا لم يكن قرارا عفويا، ولم تفرضه حسابات ظرفية عابرة، بل هو وفاء لهذا التاريخ المشترك، وإيمان صادق بوحدة المصير.

وكشف الملك محمد السادس خلال ذات الخطاب أن قرار توجه المغرب نحو إفريقيا هو ثمرة تفكير عميق وواقعي تحكمه رؤية استراتيجية اندماجية بعيدة المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق، مؤكدا أن سياسة المملكة القارية ترتكز على معرفة دقيقة بالواقع الإفريقي، أكدتها الزيارات الخمسين التي قام بها الملك محمد السادس لأزيد من تسعة وعشرين دولة، وترتكز كذلك على المصالح المشتركة من خلال شراكات تضامنية “رابح رابح”، قبل أن يؤكد خلال ذات الخطاب على أن “إفريقيا هي المستقبل، والمستقبل يبدأ اليوم”.

المغرب المستثمر الإفريقي الأول في القارة وفق مبدأ “رابح رابح”

لقد فتحت الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس لعدة دول إفريقية والشراكات التي وقعها مع هذه البلدان الطريق أمام رؤوس الأموال المغربية للاستثمار في هذه البلدان منذ ذلك الحين، وهو ما كشفته عدة تقارير رسمية، أوضحت أن الاستثمارات المغربية في القارة الإفريقية ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة مقارنة بما كانت عليه بداية الألفية الثالثة، ومشيرة إلى أن المغرب أصبح اليوم المستثمر الإفريقي الأول في القارة، باستثمارات يميزها الطابع الاستراتيجي في إطار رؤية مُحكمة تمت بلورتها منذ عام 2000 والتي تسعى إلى الاستثمار في المجالات الحيوية والاستراتيجية حسب رؤية بعيدة المدى.

ولعل ما يميز الاستثمارات المغربية في إفريقيا أولا كونها مبنية على مبدأ “رابح رابح” وليس الاستفادة من خيرات هذه البلدان دون أن تستفيد شعوبها، كما كانت ولازالت تفعل فرنسا الاستعمارية في مجموعة من دول القارة السمراء، وثانيا بالتنوع، بحيث أن الاستثمارات المغربية الكبرى ترتكز أساسا على قطاعات البنوك والفلاحة والمعادن والخدمات في المُقدمة، وهو ما يعني أن هناك تنوعا وأن الاستثمار في إفريقيا ليس رهينا بالعلاقات السياسية مع بعض الدول، رغم الخلافات التي يمكن أن تكون حاضرة في بعض الأحيان، ولكن المغرب يضع كل هذا على الهامش، ويُقبل على التعاون والاستثمار كمدخل أساسي لتنمية هذه القارة وتحسين ظروف عيش شعوبها، بعيدا عن الشعارات الزائفة.

ريادة المغرب في إفريقيا تدفع فرنسا لمهاجمته ومحاولة عرقلة مساره

في ظل كل هاته المعطيات ومعطيات أخرى لا يكفي المجال لذكرها وسنعود لها في حلقات قادمة، تفعل فرنسا منذ مدة ما بوسعها بالوسائل الممكنة وغير الممكنة لعرقلة المغرب والوقوف في طريقه بعدما أضحى قوة اقتصادية صاعدة في إفريقيا، خاصة وأنه أصبح يشكل خطرا كبيرا على تواجدها بالقارة، بعدما كشفت شعوب مجموعة من الدول أن فرنسا لازالت تستعمر بلدانهم وتستنزف خيراتها وثرواتها، ما دفعهم للانتفاضة في وجهها وطرد قواتها من على أراضيهم ورفض أي تواجد فرنسي بها، ناهيك عن أن المغرب، بحسب فرنسا، هو قائد الثورة والحملة ضد التواجد الفرنسي بإفريقيا.

ولعل ما جعل فرنسا ترفع من وثيرة مهاجمتها للمغرب من خلال استعمال إعلامها ومنظمات تصدر قراراتها تحت الطلب، وكذا استغلال مؤسسة البرلمان الأوروبي لاستصدار قرارات ضد المغرب في مجال حقوق الإنسان كورقة ضغط تستعملها فرنسا لإجبار المغرب على الرضوخ لها ولأطماعها، هو انفتاح المغرب اقتصاديا على شركاء وحلفاء جدد، كالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبريطانيا والصين والهند وألمانيا ودول أخرى، بشركات كبيرة وفي قطاعات حساسة تفوق تلك التي تجمع المغرب بفرنسا والتي كانت مبنية أساسا على منح الشركات الفرنسية صفقات إنجاز المشاريع الكبرى بالمغرب وامتيازات أخرى، وهي السياسة التي قطع المغرب معها، الشيء الذي لم يعجب فرنسا وجعلها تناور وتلجأ لأساليبها الخبيثة، معتقدة بأنها ستنجح في ردع المغرب وإجباره على الرضوخ لابتزازاتها، ومتناسية أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس كما أخبر بذلك الملك محمد السادس في إحدى خطاباته الأخيرة.

لقد نجحت سياسة المملكة المغربية القارية في تحقيق ما كان مرجوا منها، من خلال نهج سياسة تضامنية وإقامة شراكات متوازنة على أساس الاحترام المتبادل وتحقيق النفع المشترك للشعوب الإفريقية، مع الحرص على بناء شراكات مثمرة بين المغرب ودول إفريقيا، تقوم على استثمارات وبرامج تنموية مضبوطة بين القطاعين العام والخاص بعيدا عن تقديم الأموال لشراء الذمم ومواقف بعض الدول التي لازالت أنظمتها للأسف لم تدرك بأن العالم قد تغير وأن هذه السياسة لن تنفع شعوب المنطقة بقدر ما تكرس الفوارق بينها وتزيد من حدة الفقر المدقع الذي تعاني منه هذه الدول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى