مجلس جهة سوس ماسة.. دورة عادية بطعم اللامبالاة أمام حراك شبابي انطلقت شرارته من أكادير

انعقدت، أمس الإثنين 6 أكتوبر 2025، الدورة العادية لمجلس جهة سوس ماسة، في ظرف استثنائي يطبعه غليان الشارع المغربي بما بات يُعرف بـ”احتجاجات جيل زيد”، التي انطلقت شرارتها الأولى من مدينة أكادير عاصمة الجهة، بسبب ما يعرفه المستشفى الجهوي الحسن الثاني من اختلالات خطيرة وأوضاع مزرية، قبل أن تمتد إلى عدد من المناطق المجاورة كإنزگان والقليعة وأيت اعميرة وسيدي بيبي وتارودانت، حيث شهدت هذه الأخيرة أحداث شغب وتخريب مست بعض المرافق العمومية، بل تطور الأمر إلى حد استهداف مركز للدرك الملكي بالقليعة، وكادت الكارثة لتقع لولا يقظة أحد عناصر الدرك الذي اضطر لاستعمال سلاحه الوظيفي دفاعًا عن النفس وحماية للمقر.
ورغم حساسية الظرف الذي تنعقد فيه الدورة، فإن الغريب – والمثير للاستغراب في الآن ذاته – أن رئيس الجهة مرّ مرور الكرام على هذه الاحتجاجات التي هزّت الإقليم والجهة خلال الأسابيع الأخيرة، مكتفيًا بخطاب تقني بارد لا يلامس واقع الناس، ولا يعكس حجم القلق الاجتماعي المتنامي بين صفوف الشباب.
ففي الوقت الذي كان من المنتظر أن تُخصَّص الدورة لمناقشة احتجاجات جيل Z، والوقوف على أسبابها الاجتماعية والاقتصادية وربطها بتأخر تنزيل المشاريع الجهوية المهيكلة خاصة تلك المرتبطة بالتشغيل ومحاربة البطالة، اكتفى المجلس بمناقشة نقط تقنية، دون أي تفاعل مع ما يجري خارج أسوار القاعة.
اللافت أيضًا أن بعض أعضاء المعارضة حاولوا، في تدخلاتهم، استغلال هذه الاحتجاجات لتصفية حساباتهم السياسية القديمة والركوب على الموجة، متناسين أنهم جزء من المشكلة، وأنهم إلى عهد قريب كانوا يقودون الحكومة وكذا ضمن مكونات الأغلبية المسيرة للمجلس، ولم يُظهروا حينها أي اكتراث للمناطق التي تعيش اليوم على وقع التهميش والإقصاء والفقر. وفي المقابل، لم يتأخر بعض أعضاء الأغلبية في الرد، فاندلع تبادل للاتهامات بين الطرفين، دون أن يخرج النقاش عن منطق المزايدة والمناكفة، وكأن معاناة المواطنين مجرد ورقة سياسية يريد البعض أن يستغلها في موسم انتخابي مبكر.
أما بخصوص النقطة المتعلقة ببرمجة الفائض التقديري، فقد كشف النقاش اختلافًا واضحًا في مواقف مكونات المجلس، فالرئيس برّر التأجيل بضرورة “ضمان الالتقائية مع مشروع التنمية الترابية المندمج الذي تُعده السلطات العمومية”، بينما صرّح أحد نوابه لبعض وسائل الإعلام، عقب انتهاء أشغال الدورة، بأن التأجيل جاء تجاوبًا مع مطالب الشباب المرفوعة في الحراك الجهوي، مؤكّدًا أن “المطالب مشروعة، وكان من الضروري منح الوقت الكافي لدراستها والاستجابة لها”. هنا تظهر المفارقة، الرئيس يتحدث بمنطق إداري صرف، ونائبه بمنطق سياسي واجتماعي، ما يعكس غياب انسجام داخلي حول أولويات المجلس، والأهم من ذلك غياب رؤية تضع الشباب ومطالبهم في صلب النقاش الجهوي.
ولعلّ ما يزيد من عمق هذه المفارقة أن جدول أعمال الدورة لم يتضمن أي نقطة تتعلق بالاحتجاجات أو بالوضع الاجتماعي بالجهة، في وقت كان من المفروض أن يُخصَّص حيز زمني معتبر لمناقشة هذا الحراك، باعتباره ناقوس خطرٍ يجب أن يُستمع إليه بعقلانية ومسؤولية، لا أن يُتجاهل وكأنه لا يعني المجلس في شيء، وحتى يُحس هؤلاء الشباب المحتجين بأن هناك مجلس منتخب ينُصت لمشاكلهم ويناقش همومهم ويسعى لتحقيق مطالبهم.
وعلى مستوى الشكل، تظل دورات مجلس جهة سوس ماسة من أسرع الدورات زمنًا مقارنة بدوارات باقي المجالس الجهوية وحتى الجماعات الترابية التي تعرف نقاشا حادا بين مكونات مختلف المجالس، إذ لا تتجاوز جلساتها في الغالب بضع سويعات تنتهي بالتصويت بالإجماع أو الأغلبية المطلقة على كل نقاط جدول أعمال الدورة، عكس ما جرى مثلاً في دورة جماعة أكادير التي انعقدت هي الأخرى أمس الإثنين، وامتد النقاش خلالها لأزيد من ست ساعات، خُصّص جزء منها للحديث عن احتجاجات “جيل زيد” وسبل التفاعل معها، من خلال منح كل فريق حزبي حيز زمني محدد للحديث عنها وكيف يمكن للجماعة التفاعل مع مطالب الفئات المحتجة.
بل إن دورات الجماعة تُنقل مباشرة عبر منصة “فيسبوك”، في احترام لحق المواطنين في الولوج إلى المعلومة، بينما لا تزال دورات مجلس الجهة تُعقد خلف الأبواب المغلقة، دون أي بث مباشر أو تواصل مؤسساتي يليق بزمن الرقمنة والحكامة المفتوحة.
إنّ تجاهل مجلس جهة سوس ماسة لهذا الحراك الشبابي، الذي انطلق من رحم الجهة نفسها، ليس مجرد هفوة بروتوكولية، بل إشارة مقلقة إلى انفصال المؤسسة المنتخبة عن نبض الشارع الذي من المفترض أن تمثله، فحين تتحرك فئة واسعة من الشباب احتجاجًا على الأوضاع المعيشية وتدهور الخدمات العمومية، ثم لا يجد صوتها صدى داخل مؤسسة جهوية تتغنى بالتنمية، فذلك يعني أن أزمة الثقة تتعمّق، وأن الخطر الحقيقي يكمن في استمرار هذا الصمم المؤسساتي أمام رسائل الشارع.





