

تحت عنوان “الإليزيه يقطع علاقته مع المغرب” نشر المؤرخ والكاتب والمحلل السياسي الفرنسي “جون بابتيست نوي”، مقالا تحليليا حول الواقع المتأزم للعلاقات المغربية الفرنسية بسبب سياسة الرئيس الفرنسي التفضيلية، والذي اختار ومنذ عدة سنوات الجزائر ضد المغرب، في حين أن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والودية بين باريس والرباط قوية وقديمة، مشيرا إلى أن الدبلوماسية الفرنسية في طريقها الآن إلى قطع هذه العلاقات التي تعود لقرون، وذلك في محاولة غير محسوبة العواقب للتقارب مع الجزائر.
فعلى ما يبدو، يقول جون بابتيست نوي، إن إيمانويل ماكرون لديه عقدة مع الجزائر. فهو ليس من الفرنسيين من أصل جزائري وليست له روابط عائلية بهذا البلد، غير أنه طور علاقة مرضية تقريبًا مع هذا البلد منذ الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016″. فخلال ولايته الأولى وبداية ولايته الثانية، ضاعف من زياراته للجزائر، وأوفد حكومته إليها، وحاول لمرات عديدة الانحناء أمام النظام الجزائري في محاولة للظهور بشكل حميمي في الجزائر العاصمة. ويرغب دائما في “التوفيق” في العلاقة بين فرنسا والجزائر.
غير أنه يضيف ذات المحلل “أن ماكرون يجهل حقيقة النظام الجزائري الفاسد، الذي يقتات على إرث الحقبة الاستعمارية بشخصيته المهتزة والمنفصمة، فلا أحد يهتم بهذا البلد أو يوليه أي اهتمام ولا يمثل نظامه أهمية في علاقاتنا وتبادلاتنا التجارية والاقتصادية”. مضيفا كذلك أن مسألة الغاز أصبحت ثانوية ببنيات تحتية متهالكة، بسبب سوء الاستغلال وقلة الأبحاث، وأن غاز شرق البحر الأبيض المتوسط وقناة الموزمبيق واعد بكثير من الحقول المتقادمة والمتهالكة في الصحراء الجزائرية. متسائلا لماذا التركيز إذن على الجزائر؟ ولماذا هذا الإصرار على الرغبة في العودة للاستعمار، وهي فترة نسيها الجميع.
وأشار المحلل المذكور إلى أن إيمانويل ماكرون يريد أن يدخل التاريخ ويأمل في ترك بصمة من خلال سياسته الجزائرية، كما يصر أيضًا على استعمار البلدان الإفريقية، مع رغبته الأخيرة في جعل المؤرخين الفرنسيين يعيدون كتابات تاريخية منحازة ومزورة للحقائق وهي تخدش صورة فرنسا.
وخلال حديثه عن ما صرح به إيمانويل ماكرون عندما ادعى أن علاقاته مع محمد السادس كانت “ودية” ، قبل أن يأتيه الرد سريعا عبر مسؤول رسمي في تصريح أدلى به لمجلة جون أفريك، وأكد أن العلاقة بين الإليزيه والقصر الملكي وبين حكومتي البلدين ليست بالجيدة ولا الودية”. قال جون بابتيس نوي إن العلاقات بين فرنسا والمغرب لطالما كانت جيدة ولها تاريخ طويل والعلاقات ودية بين الدولة العلوية والدولة الفرنسية.
وأضاف ذات المحلل أن الجزائر لا تمثل شيئًا للاقتصاد الفرنسي، على عكس المغرب الذي يعتبر بلدا يضم العديد من الاستثمارات الفرنسية وضمنها شركة رينو ومجموعة من الشركات والمقاولات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وذلك بفضل استقرار المغرب واحترامه للقانون والتكوين الجيد لليد العاملة المحلية، فالمغرب بلد مفضل لدى رجال الأعمال الفرنسيين.
وأوضح ذات المحلل أيضا أن العلاقات التاريخية بين فرنسا والمغرب لم تعد تحظ بعين الرضا من طرف الإليزيه، الذي أصبح يفعل كل ما في وسعه لقطعها. مشيرا إلى المذكرة الصادرة حديثا عن المصالح الفرنسية، والتي تصنف المغرب كدولة خطيرة مثل روسيا كما لو أن الصين وإيران لا تمثلان تهديدًا أكبر بكثير لفرنسا يقول المتحدث.
وأكد المحلل الفرنسي المذكور أن قوى الضغط الفرنسية الموالية للجزائر تقوم بكل ما في وسعها لقطع العلاقة الفرنسية المغربية، في حين أن مصالح باريس هي مع المملكة المغربية، وليست الجزائر. وبالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية المشار إليها، فإن النشاط السياحي الذي تم استئنافه بعد أزمة التأشيرات، يجعل من المغرب وجهة مفضلة للفرنسيين، كما أن المملكة تتوفر على أول ميناء بإفريقيا والمتمثل في ميناء طنجة المتوسط، وبه مئات من الشركات، بإجمالي 65 مليون طن من البضائع تم تداولها في سنة 2019. وطنجة المتوسط هي بوابة إفريقيا للإنتاج الأوروبي، وهي منطقة أساسية للتبادلات الاقتصادية والصناعية.
ولا يزال هناك بحسب ذات المحلل العديد من الملفات التي يتعين تسويتها مع المغرب منها قضية إنتاج القنب الهندي، وملف الهجرة، وملف الاعتراف بالصحراء المغربية. فالمغرب يتمتع بوضع متميز بإفريقيا بفضل الإسلام السمح السائد به، بتبنيه للمذهب المالكي، والملك هو أمير المؤمنين. وبفضل نموذج إسلامه هذا نجح في احتواء الإسلاميين الذين فازوا في الانتخابات وقادوا الحكومة، قبل أن يفقدوا السلطة بسبب سوء سياستهم التدبيرية.
وهكذا يضيف جون بابتيست نوي، فإن المغرب هو حالة فريدة في العالم العربي كبلد وصل فيه الإسلاميون إلى السلطة بشكل قانوني وتركوها بشكل قانوني، دون انقلاب. ويعود هذا الاستقرار أيضا إلى وجود النظام الملكي، على عكس الجزائر ومصر، اللتين تحكمهما أنظمة عسكرية.
في نفس السياق يضيف “جون بابتيس نوي” أن ماكرون من خلال مهاجمته للعلاقة الفرنسية المغربية، يسيئ إلى علاقة عريقة وناجحة منذ فترة طويلة، ويسيئ لمصالح فرنسا والدور الذي يمكن أن تلعبه في إفريقيا، وبالمقابل لن يكسب أي شيء من علاقة وهمية مع الجزائر. وهذا هو أحد الإخفاقات العديدة لدبلوماسية فرنسا العربية، التي ضحت بتواجدها التاريخي من المحيط الأطلسي إلى لبنان.
واختتم المتحدث تحليله بالتأكيد على أن الأزمة الفرنسية المغربية تبين بأن الدبلوماسية مسألة حساسة وخطيرة للغاية بحيث لا يمكن الاعتماد على السياسيين في تدبيرها عكس العلاقات والمبادلات التي قادها رجال أعمال وأكاديميون ومثقفون تدوم طويلا ولا تستسلم لأهواء الوزراء الذين لن يعمروا طويلاً. فإيطاليا تنتهج الأسلوت نفسه وبشكل جيد للغاية ويجب على فرنسا أن تتبع هذا المسار من خلال خوصصة دبلوماسيتها، بالاعتماد على الأشخاص الذين لا يستسلمون للأوضاع الراهنة ويسعون دائما لتحقيق المصالح العليا لبلدهم.
واليوم، يعتبر الطالب أو الحرفي الفرنسي سفراء أكثر فعالية من دبلوماسيي اللحظة للتأثير الفرنسي، هؤلاء الذين غالبا ما يكونون غير ملمين بحقائق الدولة التي يمثلونها، ودون أي صلة بالشعب، لهذا فإن هذه الأزمة توضح حدود النموذج الدبلوماسي الذي عفا عنه الزمن الآن بحسب جون بابتيس نوي.