
صدر حديثا كتاب “سادس المحمدين، خدن الصلاح والإصلاح خمس وعشرون سنة من العطاء” من تأليف محمد رشدي الشرايبي، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، ويعكس هذا الكتاب رؤية شاملة لمسيرة الملك محمد السادس منذ توليه الحكم، مسلطاً الضوء على أسلوبه في إدارة البلاد، والذي يتسم بالصراحة والوضوح، والالتزام بالإصلاح والتنمية.
ويتناول الشرايبي في هذا العمل القيم العديد من المحاور الأساسية التي تميز الأسلوب الملكي في الحكم، بما في ذلك الواقعية، التفكير الاستراتيجي، والجرأة في تبني المشاريع الإصلاحية الكبرى، مما يجعل هذا الكتاب مرجعا مهما لفهم التحولات العميقة التي شهدها المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس.
وتناول الفصل الأول من الكتاب، الأسلوب الملكي في الحكم الذي انتهجه الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، حيث يتميز هذا الأسلوب بمزيج من الصراحة والوضوح، حيث يعتمد خطاب الملك على الشفافية والواقعية في تناول القضايا الوطنية والدولية.
ويعرض الشرايبي في هذا الفصل عدة سمات رئيسية تميز الخطب الملكية، أبرزها تبني الواقعية التي تتجلى في استخدام لغة إجرائية تسمي الأشياء بمسمياتها بعيداً عن التعقيدات البلاغية أو أسلوب النفاق، كما يركز الملك محمد السادس في خطاباته على مسايرة تطورات المجتمع المغربي، حيث تنهل الخطب الملكية من صميم الواقع المغربي، وتحرص على النقد البناء الذي يتجاوز مجرد استعراض الإنجازات إلى تسليط الضوء على أوجه القصور والاختلالات بهدف تصحيحها وتقويم السياسات المتبعة.
ويشير الكتاب إلى التزام الملك محمد السادس بالدينامية المستمرة في تقييم السياسات وتجديد النخب، مع الحفاظ على حس النقد الذاتي العالي، ومن الأمثلة البارزة على ذلك خطاب الذكرى الخامسة عشرة لعيد العرش، الذي طرح فيه الملك سؤال “أين الثروة؟”، وخطاب 9 مارس 2011 الذي أعلن فيه عن مراجعة الدستور، إلى جانب دعوته لتبني نموذج تنموي جديد في خطابه الموجه للمناظرة الوطنية حول الرياضة عام 2008.
ويعكس الفصل الأول أيضاً التفكير الاستشرافي الاستراتيجي للملك، حيث يبرز المؤلف كيفية عمل الملك محمد السادس على تهيئة الظروف الملائمة لإنجاح القرارات على المدى القريب والمتوسط والبعيد، ووفقا للكتاب، تبرز النجاحات الدبلوماسية المغربية، خصوصاً في إفريقيا، كأحد ثمار هذه الرؤية الملكية التي تولي اهتماماً خاصاً للتعاون مع البلدان الإفريقية من خلال زيارات متعددة واتفاقيات مبرمة.
كما يشير الشرايبي إلى طابع الجرأة والحزم في الأسلوب الملكي، متناولاً العديد من المشاريع الإصلاحية التي أطلقها الملك محمد السادس، مثل تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة والدعوة لتنمية ذاتية لإفريقيا، ويناقش المؤلف في هذا الفصل سياسة الملك محمد السادس في تنويع الشركاء الاقتصاديين للمملكة، وتغليب لغة المصالح في اختيار الحلفاء، مع التأكيد على الثبات في المواقف الوطنية، خصوصاً فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية.
ويمتد الحديث في الفصل الأول ليشمل الالتزام الملكي بالثوابت الوطنية، مثل الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، وموقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية، كما يبرز المؤلف الحس التضامني والاجتماعي والإنساني الذي يتجلى في تفضيل الملك للعمل الميداني والمتابعة المستمرة للملفات، بعيداً عن الخطب الرنانة والندوات الباذخة.
ويسلط الشرايبي الضوء على البراغماتية والتدرج كسمات مركزية في الأسلوب الملكي، سواء في استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية أو في إصلاح مدونة الأسرة وتدبير التنوع الثقافي والهوياتي للمغرب، ويبرز الفصل الأول من الكتاب أيضاً التوازن الذي يحافظ عليه الملك محمد السادس بين مختلف مكونات الطبقة السياسية المغربية، وتجسيده لوحدة الأمة المغربية، التي تنصهر فيها جميع مكونات المجتمع، مما يقي المغرب من الانقسامات.





