مقاصد الصيام.. بين عبادة الصوم وتجديد العهد في ليلة القدر

يعتبر شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة للمسلمين للاقتراب من الله من خلال العبادة والطاعة، حيث جعل الله في هذا الشهر المبارك مناسبات روحية خاصة تعمق الإيمان وتجدد العهد مع الخالق، ومن أبرز هذه الفرص ليلة القدر، التي تمثل قمة الروحانية في شهر رمضان.

وقد جاء في القرآن الكريم أن ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، وهي فرصة ثمينة لبلوغ مقاصد الصيام الحقيقية مثل التقوى، والمغفرة، وإحياء القلب بالإيمان. وفي هذه الليلة، تتجسد أسمى معاني العبادة والتقرب إلى الله، بما يتماشى مع الهدف الأسمى للصيام الذي يتمثل في تهذيب النفس وتعزيز العلاقة مع الله.

وفي هذا السياق، قال يونس بنزين، أستاذ مادة التربية الإسلامية وباحث في الدراسات القرآنية وتطبيقاتها المعرفية في تصريح لموقع “برلمان.كوم”، إن ليلة القدر هي ليلة مباركة أنزل الله فيها القرآن، وجعلها خيرا من ألف شهر، وتُعدُّ من أعظم الليالي في الإسلام، حيث يُقدَّر فيها كل أمر حكيم، وتتنزَّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، لقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 1-3).

وأردف أن هذه الليلة تُختصُّ ببركات عظيمة، منها مغفرة الذنوب، وتجديد العهد مع الله، وإحياء القلب بالإيمان. وقد أخفى الله موعدها ليجتهد العباد في طلبها، خاصة في العشر الأواخر من رمضان، كما جاء في الحديث: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ».

وأوضح بنزين أن ليلة القدر تحمل في طياتها العديد من المقاصد الروحية التي تعزز الصلة بين العبد وربه. مبرزا أن ليلة القدر تعد بمثابة فرصة عظيمة لتجديد العلاقة مع الله عبر العبادة الخالصة، مثل الصلاة وقراءة القرآن، والتسبيح. مضيفا أن هذه العبادة تتوجه بكليتها إلى الله وتطهر النفس من الشواغل الدنيوية، مما يعمق الإحساس بالقرب من الله ورحمته”. كما أكد أيضا على أهمية التوبة والإنابة في هذه الليلة، حيث أشار إلى الحديث النبوي الشريف: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وأشار الباحث في الدراسات القرآنية وتطبيقاتها المعرفية، إلى أن ليلة القدر تشجع على إحياء روح الجماعة والتكافل الاجتماعي بين المسلمين. وقال في هذا السياق، أن أبرز مقاصد هذه الليلة هو تعزيز الروابط الاجتماعية من خلال العبادة الجماعية، مثل صلاة التراويح وتهجد الليل، التي توحد قلوب المؤمنين في بيت الله”.

وسجل ذات المتحدث، أن هذه الليلة تذكرنا بأهمية التعاون على الخير ومساعدة المحتاجين، وأنها فرصة لتعزيز التضامن بين المسلمين. مؤكدا كذلك على أن الدعاء للأمة الإسلامية في هذه الليلة يُعد من أفضل القربات، حيث يُستحب الدعاء بتحقيق وحدة الصف والحرية للمظلومين في أنحاء العالم.

إلى جانب ذلك، تطرق بنزين أيضا إلى أهمية الدعاء في ليلة القدر، حيث قال إن الدعاء في ليلة القدر له أهمية خاصة، لأن الله يفتح أبواب السماء ويستجيب للدعوات، وأن هذه الليلة تعلم المسلم اليقين بقدرة الله على تغيير الأقدار وتحقيق الأمنيات، وتجعل الإنسان يشعر بقوة ارتباطه بالله.

وفي نفس السياق، أكد بنزين على أن ليلة القدر تذكرنا بقدرة الله على تقدير الأرزاق والآجال، كما أن هذه الليلة تعيد ترتيب أولويات الإنسان وتُعزز تواضعه أمام عظمة الله. مردفا، أن المسلم يُذكر في هذه الليلة بمصيره وبحكمة الله في تقدير الأقدار، مما يجعله يعيد التفكير في مصيره وحياته.

وفي ختام تصريحه، شدّد ذات المتحدث على أن ليلة القدر ليست مجرد حدث سنوي، بل مدرسة إيمانية تُعيد صياغة القلب والعلاقات، وتُحيي في النفس معاني العبودية الحقيقية، وأنها فرصةٌ لتصفية الروح من الذنوب، وتوثيق الروابط الاجتماعية، وبناء الأمل عبر الدعاء.