غير مصنف

منير باهي: أخشى معايشة الجائعين والعطشى والمقطوعين في رمضان وطقوسه الجماعية يغلب عليها النفاق

الخط :
إستمع للمقال

حاورته: سكينة بن بلا

منير باهي شاعر وكاتب وصحفي مغربي من مواليد 1973، هو عضو اتحاد كتاب المغرب، و صاحب العمود الساخر “غير داوي” بجريدة المساء الرياضي، سيناريست، شارك في خلية كتابة كل من سلسلة مبارك ومسعود، دار الورثة، ياك حنا جيران، خير وسلام، ما شاف ما را، كما شارك في كتابة بعض الاعمال الدرامية:كمسلسل زينة الحياة ومسلسل دموع الرجال. باهي هو كاتب مسرحي كذلك حيث هو مؤلف مسرحية “باب الوزير” لفرقة مسرح الحي 2013. أصدر: ثلاثة دواوين شعرية هي مقامات، وهكذا تكلمت، وانا البحر يا أبي..

إتصل موقع “برلمان” مع الفنان المبدع وأجرى معه حوارا صحفيا كشف فيه الفنان باهي عن جوانب متعددة من شخصيته الابداعية، وملامح غير معروفة عن جانبه الانساني، تحدث لموقع برلمان عن تجربته الابداعية بين الشعر والمسرح والتلفزة، وعن ولعه بالرياضة، وعن وفائه للتدريس، وهذا نص الحوار الصحفي.

برلمان: منير باهي عرف بشكل كبير لدى الجمهور المغربي من خلال دور الدكتور في سلسلة “مبارك ومسعود”. لماذا توقفت عن التمثيل؟

منير: من الصعب جدا أن أسمي نفسي ممثلا فقط لأني أديت دورين صغيرين في عملين تلفزيونيين، وبعض الأدوار المسرحية في زمن ما. فالتمثيل حرفة واختيار حياة. وأنا لدي اختيارات أخرى. لم أسع إلى أن أكون ممثلا، لأنني إضافة إلى أنني لا أملك الكفاءة القصوى، فإن عدوي الأول هو الوقت. فالأعمال التي شاركت بها تم تصويرها في عطلة الصيف… وقد حدث مؤخرا أن وقعتُ عقدا مبدئيا للمشاركة كضيف شرف في العمل التلفزيوني “الغالية” لكن فترات التصوير تزامنتْ مع وجودي في القسم! ونفس الشيء يحدث لي في ورشات كتابة السيناريو، حيث مثلا لم يسمح لي الوقت بمواصلة الكتابة مع زملائي في مسلسل “زينة”، وانسحبتُ معتذرا، وأنا أحمل كل الامتنان لفريق العمل ولاحترافيته.

برلمان: وكيف تحوّلت إلى الصحافة الرياضية؟

منير: لا يمكن أن ادّعي بأنني صحفي، أنا مجرد كاتب شاء القدر أن تحمل كتاباتي في الرياضة طابعا ساخرا لم يكن مألوفا بالشكل الذي قدمته، أثار الاهتمام عند نشره أول مرة بجريدة “أخبار اليوم” بعد أن منحه جمال اسطيفي مساحة من الحرية، واكتسب سمعته على جريدة المنتخب بعد أن وضع له مصطفى بدري عنوان “غير داوي”، ليستمر إلى اليوم على جريدة المساء الرياضي ضمن صفحة ساخرة. يعني ليس هناك أي تحوّل من وإلى… إنه استمرار للوفاء للكتابة. قد تتعدد الكتابات ولكن الكاتب واحد.

برلمان: بعد مسرحية “باب الوزير” التي قدمها مسرح الحي، هل من جديد مسرحي؟

منير: انتهيت مؤخرا من وضع اللمسات الأخيرة على نص مسرحية جديدة “شْريميلا” من إخراج سعيد لهليل وهو من خلال عنوانه يستلهم حبكته ومواقف وشخصياته من ظاهرة “التشرميل”، دون أن يدعي تفسيرها وتحليلها، ولكن يتم استيعابها ضمنيا من أحداث المسرحية وشخوصها. فمسرحية “شريميلا” تسير في ذات اتجاه مسرحية “باب الوزير” من حيث الوفاء للكوميديا الدامعة، وإضحاك الناس من خلال الوصول إلى عقولهم… ولكن ربما برؤية إخراجية مختلفة هذه المرة، وبهواجس جديدة. أعتقد أنها ستكون جاهزة للعرض خلال شهر شتنبر الجاري.

برلمان: انطلقتَ في البداية شاعرا، فاتجهت الى التمثيل والصحافة وكتابة السيناريو… ألا ترى أن مساحة الشعر قد تم التضييق عليها وسط هذه الاهتمامات المتفرقة؟

منير: أعترف بأن مساحة الشعر ضاقت ليس فقط بسبب تعدد هذه الانشغالات، وإنما بسبب الانصياع لسلطة مجتمع يصوّر الحياةَ معركةً لا مكان فيها للحالمين، معركةً من أجل البقاء تنتجُ ضجيجا هائلا يداهمنا في كل يوم بشكل متلاحق وبأسماء مختلفة، هذا الضجيج هو الذي جعل صوت الشعر خافتا جدا، وقامة الشاعر لا تكاد ترى.

برلمان: لماذا لا يعرف الكثيرون منير باهي كشاعر في المقام الاول؟

منير: ببساطة لأني منذ 12 سنة لم أصدر أية مجموعة شعرية، ومنذ سنة 2005 لم أحضر أية أمسية شعرية، ولم أكتب طيلة هذه الفترة من الغياب إلا قصائد متفرقة. افتقدت ذاك الحماس الذي كان يتغذى من الأوهام في أن أكون شاعرا كبيرا قادرا على التأثير في الناس، وواحدا من أهم شعراء القصيدة العمودية في العالم العربي، خاصة وأن قصائدي أراها أقوى بكثير من أغلب النصوص الشعرية المقررة في كتبنا المدرسية. لدرجة أني أضحك حين أتصفح أحد أعداد مجلة الصدى الإماراتية وهي تنشر تقديما لديواني الأخير “أنا البحر يا أبي” سنة 2002 تحت عنوان “ظهور متنبي جديد في المغرب”. وطبعاً، لا أحد في المغرب آمن بنبوتي. حتى أصدقائي النقاد الذين يؤمنون جدا بي، يتجاوزونني في كتبهم النقدية، باستثناء ربما الناقد إبراهيم الحجري الذي فرد لي مكانا في أحد كتبه عن الشعر المغربي المعاصر في بداية مشواره.

برلمان: هل يخيف الشاعر انقطاعه الآني عن الإبداع؟

منير: يخيفه أكثر سؤال الناس ـ إن سألوا ـ عن جديده. هذا السؤال أكثر ما يعذب المبدع الذي توقف فترة عن الإبداع، لأنه يجد نفسه أمام جوابين؛ إما “هذا جديدي” أو “إنني انتهيت”. وأي جواب غيرهما لا يهم أحداً، ولا يقنع أحداً.  وبالنسبة لي أكثر ما أخافني هو أن أكتشف فجأة بأنني لستُ شاعرا حقيقيا، وبأن كل ما كتبتُ وما نشرتُ كان مجرد تجليّات لمرحلة من العمر فيها كثير من الحماس والجنون والطيش. لكن، الحمد لله… استعدتُ مؤخرا قدرتي على كتابة الشعر، ونشرتُ على الانترنيت قصائد متلاحقة جديدة، لم تجد الاهتمام الكافي لكن على الأقل استعدتُ بها أحبائي القدامى وكسبتُ بها قراء جددا. وهذا إلى الآن يرضيني.

برلمان: هل ترى أن دور الشعر في إمتاع الذات أجدى من تبليغه رسائل إلى العموم؟

منير: إذا كانت الرسائل بالمعنى الذي يحاكي ما يحمله الأنبياء لا سعاة البريد، فالقصيدة هي رسالة دائما، وأي لفظة ينطق بها الإنسان تحمل رسالة إلى الآخر، وإلا لاحتفظ بها لنفسه ولم ينطق بها أصلا. لذا فإن القصائد شديدة الخصوصية، شديدة الغموض… ليست غايتها إمتاع الذات فقط، فثمة آخر من أجله وله كُتبت القصيدة، قد يكون الآخر واحدا لا غير، وهو الذي يدرك جيدا أن القصيدة ليست ذاتية وليست غامضة بل تحمل رسالة شديدة الوضوح ولا تحتاج إلى تأويل.

برلمان: بمناسبة الشهر الكريم كيف يمضي باهي يومه الرمضاني المعتاد؟ ماهي انشطته؟

منير: طبعا أضبط ساعتي الداخلية وفقا للتغير الهائل الذي يحدث من حولي. فحلول رمضان وبغض النظر عن جوانبه الروحية والإيمانية، فإن أقسى ما أخشاه فيه هو الاضطرار الى الخروج من البيت صباحا ومعايشة بشر جائعين عطشى مقطوعين وفوق هذا لم يناموا جيدا. يا إلهي. ما هذه الكآبة؟ في الأيام العادية التي لا جديد تحمله، غالبا أكون متكاسلا طيلة النهار، لكن تتفجر طاقتي في الثلاث ساعات التي تسبق أذان المغرب. أضع نفسي رهن إشارة أبنائي إن شاؤوا القيام بجولة، ورهن إشارة زوجتي لأساعدها في إعداد الفطور، وطبعا هي في الغالب تحب أن أكتفي بـ “السخرة” وأبتعد عن المطبخ.

برلمان: باعتبار الفنان وعاء روحانيا أوسع من غيره، هل يتأثر منير باهي بشكل أكبر في رمضان؟

منير: أقولها دائما، الطقوس الروحانية الجماعية مجرد وسيلة لا غاية في حد ذاتها لتدريب النفس، فالإيمان في أقصى نقائه هو حالة فردية تماما، وحين يلبس شكل الاحتفال الجماعي كيوم الجمعة أو رمضان، فإن احتمال تدنيسه بالنفاق والرياء يصبح كبيرا. وإن كان من تأثير روحي علي فهو طرح مزيد من الأسئلة القلقة حول هذا التباين الكبير جدا بين ما أفهمه في الدين، وبين ما أراه من طقوس. ويدهشني أكثر كيف ينتفض الذي لا يصلي ضد من لا يصوم ويدينه نيابة عن الله.

برلمان: ما هي الكتب التي يخصص لها منير باهي شهر رمضان الفضيل؟

منير: أهتم كثيرا بمقارنة الأديان. أحب السفر خلال النهار في رحلة عبر الزمن من خلال نشأة الأديان وفلسفتها وكتبها وخطوط تقاطعها مع مع بعضها البعض، وأغلب قراءاتي عن عقائد الآخرين تمت خلال هذا الشهر الفضيل.

برلمان: كلمة أخيرة لمتابعيك؟

منير: أحيي موقعكم المميز، واحيي المواطنين المغاربة واهنئهم بحلول الشهر الفضيل، كما أقول لهم إن كنتم تؤمنون حقا بأن الشياطين تسلسل في رمضان، فلا تصدقوا أحدا يتحدث خلال هذا الشهر عن العفاريت التي تمنعه من أن يكون رحيما بهذا الشعب.

 

أجرت معه الحوار سكينة بن بلا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى