الأخبارخارج الحدودمستجدات

من الساحل إلى البيت الأبيض.. حُكام الجزائر يهربون إلى الأمام باتهام أمريكا بالإرهاب

الخط :
إستمع للمقال

شنّ الكاتب الجزائري، عبد الحميد عثماني، هجوما شرسا في مقالٍ نشرته جريدة “الشروق” الجزائرية الموالية للنظام العسكري أمس الأحد 6 أبريل الجاري، على الولايات المتحدة الأمريكية، تحت عنوان “أمريكا رأس الإرهاب في العالم”، معتبرا إيّاها العدو الأول للسلام، والمصدر الرئيسي للإرهاب العالمي، والداعم الأكبر للكيان الصهيوني.

وفي مقابل ذلك، تغاضى كاتب المقال عن تفاصيل مُعقّدة تجعل من هذا الخطاب، في سياقه، مجرد واجهة بروباغندا لتصفية حسابات سيادية وإقليمية تتعلق بمصالح النظام الجزائري نفسه، لا بالقيم أو المبادئ التي يحاول الترويج لتشبث هذا النظام الداعم للإرهاب والحاضن لجماعات انفصالية مسلحة، بها.

وللإشارة، فإن الخطاب الهجومي على الولايات المتحدة ليس جديدا على آلة الدعاية الجزائرية، لكنه هذه المرة جاء في توقيت لا يمكن فصله عن تطورات حساسة، تتعلق بالقرار الأميركي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب والمتعلق بالرفع من قيمة الرسوم الجمركية على واردات الجزائر نحو السوق الأمريكية، وكذا لا يمكن فصله عن البيان الناري الذي أصدرته كلّ من مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، أعضاء مجموعة اتحاد دول الساحل التي انقلبت في وقت سابق على فرنسا، واتهمت الجزائر صراحةً برعاية الإرهاب في المنطقة وتغذيته بالمال والسلاح، ودون أن ننسى كذلك الضربة التي وجهها لترامب لحكام قصر المرادية، عندما اعترف بشكل صريح بمغربية الصحراء، وهو الاعتراف الذي شكّل بداية لدينامية جديدة عزّزت موقف المغربي المبني على معطيات تاريخية، وليس على قصص وأساطير واهية، نسجها ولازال ينسجها نظام الكابرانات للدفاع عن مطامعه في الاستيلاء على أرض مغربية بالتاريخ والجغرافيا، حتى قبل وجود دولة اسمها الجزائر.

وفجأةً، أصبحت أمريكا في نظر الكاتب، “هتلر العصر”، و”الكيان السرطاني الذي يغذّي الاستعمار”، بينما نَصّب الجزائر زعيمة أخلاقية في مقاومة الإمبريالية العالمية، متناسيا أن نظامها العسكري هو آخر من يحق له الحديث عن الحقوق، وهو الذي يعذب المعارضين، ويسجن الصحافيين، ويقمع الحراك الشعبي متسلحا بشمّاعات الوحدة الوطنية والتدخل الخارجي واستهداف البلاد،.

ومن المفارقات الغريبة والعجيبة، أن ينسب كاتب المقال للنظام العسكري الحاكم في الجزائر، دفاعه عن “حق الشعوب في تقرير مصيرها” وهو الذي خنق إرادة شعبه منذ الاستقلال، فهذا النظام الذي يدين واشنطن لاستخدامها “الفيتو” في وجه القرارات الداعمة لغزة، هو نفسه من يقيم علاقات تجارية وأمنية متقدمة مع الصين وروسيا، ولا ينبس ببنت شفة عن جرائمهم في الإيغور وأوكرانيا ومناطق أخرى في العالم.

بل أكثر من ذلك، فإنّ نفس النظام الذي يصف أمريكا بأنها “مارقة”، يستقبل جنرالات الانقلابات في نيامي وباماكو ويدعمهم بالوقود والسلاح والمال، ضامنًا بذلك استمرار مناطق فوضى تُبرّر وجوده كـ “قوة إقليمية” ضرورية كما يحلو له تسمية نفسه، رغم العزلة التي بات يعيشها في محيطه.

لقد سحب الثلاثي الساحلي (مالي، بوركينا فاسو النيجر) سفراءه من الجزائر بعد اتهامات صريحة بتغذية الانقسامات العرقية والتواطؤ مع جماعات مسلحة تتخذ من تندوف وورقلة قواعد خلفية، كل ذلك لم يرد عليه النظام إلا بحملة إعلامية ضد “أمريكا”، بل ويتهمها بما اتهمته به صراحة هذه الدول، وهو رعاية ودعم الإرهاب.

حين تتقاطع المخابرات مع المافيا

إن الهروب إلى الأمام في مهاجمة أمريكا لا يخفي أن الجزائر نفسها أصبحت فاعلا رماديًا في شبكة معقّدة من التهريب وتبييض الأموال العابرة للحدود، فهناك تقارير أمنية دولية تحدثت بشكل صريح عن تورّط جنرالات جزائريين في تغذية شبكات تهريب السلاح نحو الساحل، وخلق اقتصاد ظل موازٍ قائم على المخدرات الصلبة والمركبة، بما فيها الكوكايين القادم من أميركا اللاتينية عبر الموانئ الجزائرية، وحبوب الهلوسة المصنعة محليا.

وإذا كانت الولايات المتحدة تمارس ما أسماه كاتب المقال إرهاب الدولة باسم المصالح، فإن نظام العسكر في الجزائر يمارس إرهاب “الظل”، عبر دعم جماعات مسلحة بالوكالة، وخلق بؤر توتر مزمنة لضمان استمرار دوره كوسيط مزعوم، بحيث أنه يستثمر في الفوضى، لا لأجل فلسطين، ولا نصرة للحق كما يدّعي، بل لتأييد سلطة متعفّنة داخليا ومكشوفة خارجيا.

وفي النهاية، لا أحد ينكر أن واشنطن تمثل في كثير من الأحيان القوة التي تحمي المصالح لا المبادئ، لكن حين تتحول الأنظمة القمعية إلى منابر وعّاظ، فاعلم أن ما يُقال لا يعكس إلا محاولة لتبرئة الذات من جرمٍ أكبر، أو لصرف الأنظار عن تورط آخذ في الانكشاف، وهو ما يفعله نظام العسكر عندما يعطي أوامره لأبواقه بالتهجم على دولة ما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى