

يبدو أن وزير العدل فتح جبهات معارك مختلفة الأبعاد مع العديد من المتدخلين والفاعلين في مجال العدالة، فبعد معركة المحامين التي لازالت لم تضع أوزارها، والعدول والمتبارين لاجتياز مباراة المحاماة، دخل نادي قضاة المغرب على خط تصريحات التي أدلى بها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في الآونة الأخيرة، والتي مفادها أنه على “نادي قضاة المغرب” أن يأخذ موافقة المجلس الأعلى للسلطة القضائية حتى يستقبل مسيريه، وأن المجلس إذا أعطاه الإذن للقاء الجمعيات القضائية بشكل مباشر سيلتقيها، وأن ذلك احتراما منه لاستقلالية السلطة القضائية”.
وأوضح عبد الرزاق الجباري رئيس النادي في تصريح نشره في الصفحة الرسمية للنادي بالفيسوك، تحت عنوان “تفاعلا مع تصريحات وزير العدل حول النادي” أنه “لما تم الإدلاء بهذا التصريح في المرة الأولى، ارتأينا عدم التفاعل معه تغليبا للمصلحة العامة التي تقتضي النأي عن كل الخلافات والصراعات التي تضر بصورة المرفق العمومي أكثر مما تنفعه، في الوقت الذي نرى أن الواجب الوطني يحتم علينا، جميعا، تكثيف الجهود لخدمة الصالح العام كل من موقعه بكل تجرد وموضوعية ونكران الذات. إلا أنه، وبعد تكرار هذا التصريح بمناسبة وبدونها، ارتأينا الإدلاء ببعض الإشارات لعلها تفي بالغرض.
ومن أولى هذه الإشارات، يضيف الجباري، “أننا مدركون جيدا بأن سبب إصرار وزير العدل على الحديث عن النادي بهذه الطريقة، هو حالة الغضب التي نتجت عن أمرين اثنين، أولاهما “هو موقف المكتب التنفيذي للنادي الرافض للمشاركة في لقاء وطني منظم من لدن وزارة العدل حول ملاءمة القوانين الوطنية حول الأسرة مع المواثيق الدولية، خصوصا وأن الدعوة لهذه المشاركة وجهها الوزير شخصيا وممهورة بتوقيعه.”
أما السبب الثاني، فهو تصورات “نادي قضاة المغرب” حول مشروعي تعديل القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية المقدمين من طرف وزارة العدل، والتي بينت تهافت العديد من التعديلات المراد إدخالها على هذين القانونين، بل ومخالفَةَ بعضها للدستور وللإعلانات الدولية ذات الصلة باستقلالية السلطة القضائية. وهي التصورات المضمنة بالمذكرة التي تم تقديمها إلى مجلس النواب، في إطار إعمال مبدأ الديمقراطية التشاركية المنصوص عليه في الفصل 12 من الدستور، وكذا المادة 137 من النظام الداخلي للمجلس المذكور بخصوص تواصله وانفتاحه على كل مكونات المجتمع المدني.
وأبرز ذا المحدث أنه “مهما يكن من أمر هذا الإصرار وسببه، فما نؤمن به في كل نقاش عمومي، هو استحضار المصلحة العامة المتعالية على كل المشاعر الشخصية، وتقليص هامش الصراعات المطبوعة بالذاتية، والتأكيد على أن الفلسفة الواجب اعتمادها في تدبير أي نقاش هي تغليب تلك المصلحة بمنطق التوحيد بدل التفريق، وذلك عن طريق احترام الدستور والقانون والتوجيهات الملكية السامية، وفق ما يستلزمه حب الوطن ومصلحته العليا التي هي فوق كل اعتبار، وليس بالغضب واستلهام “فقه المعارك”.
واستدرك رئيس نادي القضاة بالقول :بيد أن إيماننا هذا مستَمَدٌّ من التوجيه الملكي الذي عبر عنه الملك محمد السادس في خطابه الذي ألقاء بمناسبة افتتاح البرلمان، بتاريخ 12 أكتوبر 2018، قائلا: “والواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات”.
وأضاف “فإذا ارتضى وزير العدل استصدار إذن من جهة غير حكومية للقاء الجمعيات المهنية للقضاة، فهذا اختياره ومسلكه في التدبير لا يسعنا إلا أن نحترمه. ولكن، لا يحق له أن يفرض نفس الاختيار والمسلك على “نادي قضاة المغرب”، لأن هذا الأخير جمعية مهنية تمارس نشاطها بكل حرية واستقلالية، طبقا للفصل 12 من الدستور والمادة 2 من قانونها الأساسي المصادق عليه من قبل السلطات المعنية، ومختلف الإعلانات الدولية ذات الصلة. وبالتالي، فهي ليست مرفقا تابعا للمجلس ولا لغيره من المؤسسات، كما أن من جملة المبادئ التي تأسست على فكرتها، مبدأ فصل السلط كما هو منصوص عليه في الفصل 1 من الدستور”.