الأخبارمجتمعمستجدات

نضال الفكاهة.. في زمن “حلايقية” النت

الخط :
إستمع للمقال

واهم من يعتقد أن “النضال المغربي” في زمن الفايسبوك لا يحتمل الهزل ولا السخرية، وزاعم كذلك من يتوهم بأن مناضلي الشبكات والمواقع التواصلية، أو “حلايقية النت” لا يملكون حس الدعابة وفن الفكاهة الذي يصنعون به الفرجة وينافسون به “حلايقية” الواقع من مشاهير الحلقة المغربية أمثال “المسيّح” والخبزاوي والكريمي رحمه الله.

ومخطئ أيضا من يعتقد أن هذا النوع المستجد من النضال الفايسبوكي، الذي تدور رحاه في العالم الافتراضي، يكون دائما بحمولة جادة لا تتخللها قفشات الضحك والهزل والسخرية التي تفرضها أحيانًا الضرورة الدارمية. فالذي يتصفح تدوينات هؤلاء “المناضلين” في الشبكة العنكبوتية عليه أن يتحكم جيدا في عضلات وجهه التي تصنع الضحك، من فرط المستملحات والنوادر التي سيطالعها، ومن كثرة مادة الدوبامين التي ستفرزها هذه الهزليات، والتي قد تجعله يتخطى حدود الضحك إلى القهقهة الهيستيرية.

شهادة نضال..تسبق شهادة الميلاد

من هزليات حلايقية “النت” أن مناضلا برتبة أستاذ زعم في ما يزعمه الكاذب في لحظة سهو ونسيان “أن نورد الدين العواج شهد في طفولته مقتل أخيه في انتفاضة 1981 بالبيضاء”، قبل أن يستبدل صفة القتيل وتاريخ الوفاة المزعومة في تدوينة محيّنة قال فيها “أن نور الدين العواج شهد في طفولته مقتل عمه الذي كان بمثابة أخيه أكبر له في السجن، سنوات بعد اعتقاله إثر أحداث انتفاضة 1981 بالبيضاء. ومن الفجيعة ورث رفض الظلم…!” وقد يبدو هذا الأمر جادا ومستساغا، رغم تباين المعطيات المنشورة وتناقضها، إذا كان نور الدين العواج من مواليد السبعينيات أو الستينيات، إذ سيكون وقتها منطقيا القول أنه عايش لحظة وفاة أخيه أو أنه جايل فترة اعتقال عمه، ليتعلق به مثلما يتعلق الطفل بشقيقه الأكبر.

لكن المفاجأة، ومكمن الضحك الأسود، هو أن نور الدين العواج ازداد في ديسمبر من سنة 1982، أي بعد أكثر من سنة ونصف من مقتل أخيه الأكبر أو اعتقال عمه حسب ما ورد في تدوينات الأستاذ المناضل! فهل يمكن للنطفة أن تحضر جنازة شقيقها الأكبر حسب ما ورد في التدوينة الأولى؟ وهل يمكن للنطفة أن تتعلق بعمها أو شقيقها المعتقل في السجن وهي لا زالت في قرار مكين حسب ما جاء في التدوينة المحيّنة؟ وهل النطفة قادرة على نسج علاقات عضوية مع شقيقها وعمها المستقبلي وهي لم تبلغ بعد مرحلة العلقة ولا المضغة ولا هي أمشاج مختلطة أو عظام مكسوة لحما؟

وبتعبير المخالفة، هل يمكن أن نتصور أن إدارة السجون في بداية الثمانينات من القرن الماضي كانت أكثر ليبرالية وأنسنة من مندوبية التامك حاليا؟ وبتعبير آخر: هل كانت إدارة السجون تسمح وقتها للرضع والأجنة في المشيمة بزيارة أعمامها في السجن حتى تتكون بينهما علاقات وطيدة تحاكي علاقة الصغير بشقيقه الأكبر؟ فواهم من يتصور هذا البعد السريالي للعلاقة الأسرية، اللهم إلا إذا كانت الضرورة “الحكواتية” هي من فرضت هذا التعبير المجازي الذي صاغه “المناضل” في قالب “الهزل الجاد”.

بناجح .. والقانون الأصلح للمتهم.

من يطالع تدوينة حسن بناجح عن القانون الأصلح للمتهم، التي أعاد نشرها اقتباسا من بيان لجنة التضامن مع سليمان الريسوني وعمر الراضي، يدرك جيدا قيمة ومغزى الآية الكريمة التي تقول “ضعف الطالب والمطلوب”. فالرجل ومعه لجنة التضامن المفترضة يعتبرون الحكم الصادر في حق حفيظ زرزان بأنه “يشرعن لخرق مبدأ تطبيق القانون الأصلح للمتهم المنصوص عليه في الفصل السادس من القانون الجنائي” بدعوى “أن النيابة العامة زاوجت متابعتها إلى جانب قانون الصحافة بالقانون الجنائي الذي يعاقب بالحبس إلى جانب الغرامة”!

أليس مثل هذه التدوينات مدعاة للسخرية والهزل من مستوى هؤلاء الحلايقية الذين يمتهنون النضال في وسائط الاتصال؟ أم أن السخرية هي التي تليق بهؤلاء العابثين بالقانون؟ فالقانون الأصلح للمتهم هو استثناء من مبدأ عدم سريان القوانين الجنائية بأثر رجعي، ويعرف على أنه “القانون الذي يُنشئ للمتهم مركزاً قانونياً أفضل مما هو عليه في ظل القانون المطبق وقت ارتكاب الجريمة، وعلى هذا النحو يكون له أثر ممتد إلى زمان مضى لم يكن سارياً فيه، فيجوز تطبيقه بأثر رجعي”.

فالقانون الأصلح للمتهم يكون قابلا للتطبيق بين قوانين متلاحقة في الزمن، وليس بين تشريعات متزامنة كما هو الحال في قضية المعلم المدون. فلئن كان حسن بناجح يبتغي الجد والمعقول، وكان مسلحا بالمعرفة القانونية السليمة، لكان أولى به أن يتحدث عن القانون الخاص الذي يعقل العام، هذا إذا سلمنا جدلا بأن المعلم المدان في هذه القضية هو صحافي وكان يمارس عملا إخباريا بتدويناته المشوبة بالعناصر التأسيسية لأفعال تقع تحت طائلة القانون الجنائي.

محمد زيان.. ومجتمع الميم

من مستملحات النقيب السابق محمد زيان أنه تفرغ حاليا لمهمة صحافة الاستقصاء مع النزوع نحو التخصص في مجتمع الميم وأصحاب الحقوق الجندرية. فقد تفاجأ الصحافيون والإعلاميون في الصالون الإعلامي بمحمد زيان وهو يشاركهم مقالا مزركشا بألوان الطيف الدالة على مجتمع الميم. وقد اختلط الأمر على العديد ممن استقبلوا الرسالة، الذين ظنوا في بادئ الأمر أن النقيب السابق ربما غير “بروفيل” حسابه على الواتساب واستبدله بألوان الطيف، قبل أن يدركوا بأن الأمر لا يعدو أن يكون مقالا متحاملا “يستهدف ضحية سليمان الريسوني”.

ورغم أن محمد زيان سبق أن أبدى هجوما عنيفا على مجتمع الميم في تصريحات سابقة، من بينها حوار مع موقع شوف تيفي في 18 أبريل 2016، حيث اعتبر مجتمع الأقليات الجنسية “خروجا عن أخلاق المغاربة” وعبر عن رفضه واستهجانه للمثلية، إلا أنه تراجع عن هذا المسلك الإقصائي وشرع مؤخرا في الاستشهاد بمواقف أحد المثليين وتقاسمها مع الصحفيين لمجرد أنها “تتوافق مع أجندته الحالية”، وكأن لسان حال النقيب السابق يقول “الراس لي ما يدور كدية”.

كانت هذه شذرات من مستملحات “حلايقية النت”، والتي تصلح لأن تشكل موضوع “سيتكومات كوميدية”، خصوصا إذا علمنا أن كبيرهم الذي علمهم النضال الهزلي، وأقصد هنا المعطي منجب، كان قد اتهم في أحد التعاليق “من طالبوه بعدم الاستقواء بالأجنبي” بأنهم يمارسون “التمييز بين المواطنين المغاربة والأجانب”. أو ليس هذا النوع من التدوين هو مدعاة للسخرية والفكاهة؟ خصوصا إذا علمنا أن هؤلاء يقدمون أنفسهم على أنهم” مناضلين معارضين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى