

قد يتساءل العديد من المتابعين عن سبب الضجة التي أثيرت حول قضية الناشطة الجزائرية، الطبيبة أميرة بوراوي، التي هربت من بطش وقمع نظام العسكر الحاكم في الجزائر عبر الحدود البرية التونسية ثم إلى مدينة ليون الفرنسية عبر مطار قرطاج، خصوصا وأنها ليست الأولى التي فرّت للخارج وتركت بلدها بعدما أصبحت حياتها مهددة بالخطر كونها من نشطاء الحراك المطالبين برحيل العسكر وإقامة دولة مدنية.
لقد وجد نظام العسكر الجزائري في قضية أميرة بوراوي فرصة لإصلاح علاقاته مع روسيا الغاضبة منه بعد التقارب الأخير الذي حصل في العلاقة بين جزائر الكابرانات وفرنسا، والتي بدأت بعودة العلاقات بين البلدين بعد الأزمة التي اندلعت بينهما بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي تساءل فيها “عما إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي”، وأشار فيها أيضا إلى أن “الأتراك تمكنوا من جعل الجزائريين ينسون أنهم استعمروا بلادهم”، وهي التصريحات التي دفعت بالجزائر لاستدعاء سفيرها لدى باريس “للتشاور”، قبل أن تزكيها (عودة العلاقات) الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفعلي للجارة الشرقية، السعيد شنقريحة لفرنسا وتوقيعه رفقة وزير الجيوش الفرنسية على “ورقة طريق مشتركة”، لتعزيز التعاون العسكري والأمني، والذي بموجبه ستقوم فرنسا بتسليح الجزائر.
غضب روسي من التقارب الجزائري- الفرنسي
في وقت كانت جزائر الكابرانات زبونا مفضلا لروسيا لتخليصها من خردة الأسلحة السوفياتية والتي اكتشف العالم محدوديتها في الحرب الروسية الأوكرانية، رضخ النظام العسكري الحاكم في الجزائر للضغوطات التي مورست عليه من طرف الغرب من أجل غض الطرف عن روسيا في إطار الحصار الممارس على هذه الأخيرة لإنهاكها اقتصاديا، خصوصا بعد العقوبات التي فرُضت عليها من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي منذ بدأت غزوها لأوكرانيا.
وقد وجد الكابرانات أنفسهم في مأزق كبير، خصوصا وأنهم يعتبرون أنفسهم حليفا لروسيا منذ سنوات، لكنهم عجزوا منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية عن النجاح في خلق توازن في علاقاتهم مع القوى الأخرى على غرار المغرب الذي وقف على مسافة من أطراف النزاع، ما جعل روسيا اليوم تكتشف أن الجزائر حليف وشريك غير موثوق به، وأنه ليس سيد قراره خصوصا بعدما سارعت للارتماء في حضن فرنسا وتمكينها من الغاز الجزائري بالرغم مما قامت به للجزائر والجزائريين إبان فترة الاستعمار ولازالت تقوم به إلى الآن.
استغلال قضية بوراوي لإصلاح العلاقات مع روسيا
لقد وجد نظام العسكر، خصوصا الجناح الموالي لروسيا داخل المؤسسة العسكرية الحاكمة بالجزائر، الفرصة في قضية الناشطة الحقوقية أميرة بوراوي ووقوف السفارة الفرنسية معها في تونس وترحيلها لفرنسا، من أجل إصلاح العلاقات مع روسيا وإعادتها للسكة بعد التقارب الأخير بين الجزائر وفرنسا على حساب روسيا، وهو ما يفسره الهجوم الذي شنّته الأبواق الإعلامية للكابرانات، سواء الرسمية منها وغير الرسمية على فرنسا وأجهزتها الاستخباراتية، خصوصا وأن خطوة تهريب أميرة بواروي كانت بمثابة صفعة للجزائر التي كانت تظن بإعادة العلاقات بينها وبين فرنسا، سترضخ هذه الأخيرة لكل مطالبها وشروطها، لتكتشف الحقيقة الصادمة، والتي مفادها أن فرنسا لازالت تعتبرها مستعمرة خاضعة لها.
ولعَل الخطوة المنتظرة التي يعد لها الكابرانات العدة، لإرضاء روسيا هي إلغاء زيارة الدولة المرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لفرنسا شهر ماي المقبل، والتي سبق للرئاسة الجزائرية أن أعلنت عن تاريخها في وقت سابق، كخطوة من الجناح الموالي لروسيا داخل الجيش الجزائري، وبالتالي إصلاح العلاقات مع موسكو على حساب العلاقات الجزائرية الفرنسية التي يبدو وأنها لن تستمر طويلا، خصوصا وأنها مبنية فقط على الغاز مقابل دعم أجندات الجزائر المعادية للمغرب في أوروبا.