

في حدث مثير للانتباه أعلن رئيس الحكومة، في بيان خاص، عن منح يوم الإثنين الثالث من رمضان، عطلة استثنائية بمناسبة عيد الفطر المبارك، لموظفي إدارات الدولة والجماعات الترابية، وبعدها مباشرة قررت هيئات مختلفة من القطاع الخاص منح هذه العطلة التي تلي مباشرة عطلة العيد.
والمثير للانتباه في قرار رئيس الحكومة أنه اتُخِذ قبل أيام من مراقبة هلال العيد ومعرفة تاريخه، وهو ما يعني أنه لو صادف عيد الفطر يوم الجمعة، فالعطلة، حينها، تكون أربعة أيام ستمتد إلى صبيحة يوم الثلاثاء، لتصبح تساؤلاتنا ذات امتدادين: أحدهما اقتصادي والآخر ديني. ذاك أنه من حق المغربي أن يسائل رئيس الحكومة: هل مؤشرات الإنتاج الاقتصادي الوطني تتيح بكل أريحية هذا السخاء، خاصة أن القطاع الخاص يكون في الغالب مضطرا للأخذ بالقرار في إطار الانسجام مع الجهاز التنفيذي، واحتراما للمعطى الاجتماعي؟ أم أن أسلوب “لهلا يقلب وهرس دكدك” هو المهيمن مرة أخرى؟ أما السؤال دو الحمولة الدينية فهو: هل كان رئيس الحكومة يعلم، قبل رؤية الهلال، بتاريخ يوم عيد الفطر، وبالتالي فهو كان يعرف أن العطلة لن تمتد أربعة أيام كاملة؟ ولعل الجواب الذي يفرض رأسه لكلا السؤالين هو: لا هذا ولا ذاك، إن الهواية والارتجالية في التدبير هما من يفرضان نفسيهما بقوة.
وجدير بالذكر أن المعتاد في مثل هذه المناسبات الدينية هو أن تتعطل المرافق العامة يومين، وفي حال المناسبات الوطنية المنصوص عليه هو أن تتعطل المرافق العامة والخاصة يوما واحدا. وقد اعتادت بعض الحكومات السابقة إلى اعتماد ما تعارف على تسميته ب”القنطرة”، في حال مصادفة عيد ديني ليوم الخميس أو الثلاثاء، وهو سن عطلة استثنائية لتمديد العطلة الأسبوعية، تفاديا للاكتظاظ في الطرقات ولحوادث السير.
وإذا كانت مبادرة رئيس الحكومة قد أثارت ارتياحا شبه عام لدى الموظفين والأجراء، فإنها لن تشفع له عن الجشع الذي يهيمن منذ مدة في جل القطاعات، وخاصة قطاع المحروقات الذي يُعتبر أخنوش أبرز الفاعلين فيه. كما أن أغلب الملاحظين والمتتبعين طرحوا سؤالا عريضا عن خلفيات هذا القرار المفاجئ، علما أن البلاغ الصادر عن رئاسة الحكومة اكتفى بالقول أن رئيس الحكومة يستند في قراره على النصوص القانونية المعمول بها في هذا الصدد (مقتضيات المادة الثانية من المرسوم رقم 2.05.916 الصادر في 13 جمادى الثاني 1426 (20 يوليوز2005) بتحديد أيام ومواقيت العمل بإدارات الدولة والجماعات المحلية كما تم تتميمه وتغييره..)، وهو استناد عادة ما لا يهتم به المواطن.
وبينما لم يعلل رئيس الحكومة مبادرته هذه سوى بالصلاحيات القانونية والتنظيمية الممنوحة إليه، فإن تفسيرات الكثير من الناس ذهبت إلى حدود تفسير القرار الحكومي بالرسائل الاسترضائية والعاطفية المشفرة، التي يبعثها رئيس الحكومة إلى المواطن، لتعويض الخسائر النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسببت فيها حكومته بسبب الغلاء الفاحش الذي عرفه شهر رمضان.
من جهتنا، وإن كنا نفترض أن رئيس حكومتنا لا يفهم في لغة الإشارة “غير بركم وأنا نفهم”، فقد سبق أن أشرنا مرارا وتكرارا بأنه يتقن جيدا لغة اللامبالاة “النخال”، أي أنه غير عابئ بالجوانب الاجتماعية والإنسانية أيا كان تأثيرها. وإلا فإن طريق الاسترضاء واضح، وهو التدخل لتنظيم الفوضى العارمة التي تهم سلاسل التسويق في المغرب.
لكن، دعونا نتوقف عند إشارات أخرى ورسائل أخرى ربما تطوع بعض أعوانه ومساعديه في الترويج الإلكتروني لها، ومنها أنه ظهر أثناء إحياء جلالة الملك ليلة القدر، يوم الإثنين 17 أبريل، وهو يعاني من صعوبة في السجود والجلوس، ربما لأسباب عضوية معينة، شافاه الله. ولكن الذين تطوعوا للفت الانتباه إليه، طرحوا فرضية أن رئيس الحكومة يعاني من وعكة صحية، بل ذهبوا الى أبعد من ذلك، ونشروا إشاعة نقله إلى المستشفى، لولا أن موقع “برلمان.كوم” فاجأ الجميع ونشر خبرا عن انتقال رئيس الحكومة إلى مراكش، واستدعائه لثلاثة وزراء من حزبه، ليلتحقوا به في منزله هناك عبر طائرة خاصة، وهو الخبر الذي قضى أعضاء حزبه الليل في تبادله بشكل كبير.
إن مثل هذه الخرجات غير المدروسة، والبدع التواصلية “المفلسة” تؤدي في الغالب إلى التشويش على الديناميكية الأخيرة التي يعرفها المغرب، ومنها التعليمات الموجهة إلى رئيس الحكومة كي يجتمع بالمعنيين في كل القطاعات للنظر في أسباب ومعالجة مستوى المعيشة والخدمات في المغرب. ثم إنه مهما كان الهدف منها فإنها لا تعدو سوى دلائل قوية على كثرة الهواة وقلة المهنيين والخبراء في محيط رئيس الحكومة.
بقي أمر واحد نريد أن نوجه إليه أنظار السيد عزيز أخنوش، إثر سنه ليوم عطلة استثنائي بمناسبة عيد الفطر، وهو أنه مرت 22 سنة عن آخر تغيير في النصوص والمراسيم المتعلقة بالعطل الرسمية في المغرب، أي منذ مرسوم 10 ماي 2000، وهي أطول مدة في تاريخ المغرب. وبالتالي فإنه من الممكن أن ينقض على فرصة خلق تغييرات بخصوص أيام العطل الرسمية عوض تمديدها استثنائيا من أجل هذا الهدف أو غيره. ولعل التاريخ يسجل لأحمد بلافريج وأحمد عصمان وعزالدين العراقي وكريم العمراني وغيرهم من الوزراء الأولين، تغيير مراسيم لإضافة أو حذف مناسبات معينة.. وهنا نتذكر إضافة ذكرى “ثورة الملك والشعب” كعيد وطني في مرسوم وقعه عزالدين العراقي في 22 غشت 1991، وهو نفسه المرسوم الذي منح ثلاثة أيام كعطل رسمية لليهود المغاربة بمناسبة أعيادهم الدينية… أو طير على فرصة رأس السنة الأمازيغية ..