الأخبارمجتمعمستجدات

وإذا شرطي”الرحمة” سئل بأي ذنب قتل؟ وبأي عذر تهرب فؤاد عبد المومني من التضامن مع أسرته ؟

الخط :
إستمع للمقال

رسالة من مواطن مفجوع

ماذا كان سيقع لو تحلّى فؤاد عبد المومني وخديجة الرياضي والمعطي منجب بنزر يسير من الانسانية، وقرروا الوقوف دقيقة صمت عابرة، تتخلّلها مناجاة داخلية، عندما سألهم أحد الصحافيين عن موقفهم من التضامن مع الشرطي الضحية الذي أودت بحياته أيادي الإرهاب الغاشمة؟

ماذا لو أظهر، أو حتى تظاهر، هؤلاء الثالوث المحسوب على النضال، في ندوة التضامن المفترى عليه، بعضا من مشاعر الأسى وعلامات التأثر وهم ينعون شرطي الواجب، كما تنعي البشرية جمعاء موتاها وقتلاها بصرف النظر عن دياناتهم ووظائفهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم الاجتماعية؟

كم كان هذا الموقف (المتخيل) سيكون نبيلا، وكم كانت رسائله ومقاصده ستكون سامية إن حصل، وقتها كان السواد الأعظم من المغاربة سيصدح عاليا بأن “مناضلينا” هم من جدعنا وجذرنا، يبكون لبكائنا ويحزنون لأتراحنا وأقراحنا، ويشاركوننا بشائرنا وحتى موحشات الدهر بنا!

ورغم بساطة هذا الموقف، في الواقع وحتى في الاستشراف التوقعي، إلى أن حمولته كانت ستكون كبيرة في المبنى والمعنى، وكان فؤاد عبد المومني والمعطي منجب وخديجة الرياضي سينزعون عنهم تهمة “تعدد الولاءات”، ويغسلون سمعتهم مثلما ألِف المعطي منجب غسل أموال التحويلات المالية، وكانوا سيقتربون أكثر من أبناء هذا الشعب، الذي ينحدر من عترته الشرطي المغدور وعائلته المكلومة، وكانوا سيبتعدون أكثر عن شبهة “خدمة أجندات أجنبية” التي تطوق ذمتهم الأخلاقية!

كان هذا التضامن الصامت المفترض، حتى وإن اصطنعه فؤاد عبد المومني وتظاهرت به خديجة الرياضي، سيكون مفعما بالإنسانية، ويزخر بقيم الوطنية، وينضح بالمواساة والتعزية، وكان سيساهم في مصالحة اليسار الحديث مع مبادئه القديمة! وينزل “أدعياء حقوق الإنسان” من برجهم العالي الذي شيدوه فوق غبش السراب بعيدا عن مطالب الشعب الحقيقية.

لكن فؤاد عبد المومني وخديجة الرياضي والمعطي منجب آثروا أن يخلفوا موعدهم مع القرب من أبناء الشعب المغربي، وأصروا على هدر هذه الفرصة التي أوجدتها لهم الأقدار، وكأن بهم سخطً من السماء قبل سخط المغاربة! لذلك رفضوا بشكل ممنهج التضامن مع الشرطي المحروق ولو بكلمة تعاطف، أو دقيقة مناجاة، أو حتى رسالة تضامن مع الأسرة المفجوعة.

كم كان موقف فؤاد عبد المومني مخزيا ومستفزا في ندوته المشؤومة، وهو يكابر جحوده ويجاري نكرانه للجميل، عندما رفض التعاطف مع الشرطي الفقيد، واستنكف عن التضامن مع عائلته، وانبرى يهيم وسط شظايا الكلمات المتناثرة بحثا عن جواب فضفاض للتنصل من هذا التضامن!

ولعمري أن فؤاد عبد المومني يظن، واهما متوهما، بأن التضامن مع شرطي غدرت به أيدي الإرهاب الدامية، سيخرجه ربما من “فردوس النخب”، ويبعده عن “عدن النضال”، ويجافيه من صحبة بوبكر الجامعي وعمر إحرشان، وربما قد يسبغ عليه وسم “العياشي” المشتق من الضلع اللغوي لمفردة “العياشة”!

كما يعتقد فؤاد عبد المومني، ومعه كل المصطفين في الطابور الموالي للرابع، بأن التعاطف مع أسرة الشرطي المفجوعة، والتضامن معها في رزئها الفادح، سيهدم من الأساس رصيدهم النضالي، وينسف شعاراتهم الرنانة التي تتحدث عن مزاعم الدولة البوليسية وتغول جهاز الشرطة!

فهم يتجسمون، بنزق كبير وبشعبوية موغلة، في رجل الشرطة ذلكم العدو المفترض فيه الغلو والتسلط إلى أن يثبت العكس، وحتى إن ثبت النقيض من مقصدهم هذا، فهم لا يعبؤون للنتيجة الحاصلة، وإنما يقيسون الناس بسحناتهم ووظائفهم.

وهم في قناعاتهم الدامسة هذه لا يختلفون كثيرا عمن تلطخت أيديهم بالدماء الطاهرة الزكية للشرطي الضحية! ففؤاد عبد المومني والمعطي منجب وخديجة الرياضي وهم يرفضون التضامن مع الشرطي القتيل والتعاطف مع أسرته، فكأنهم لا يزدرون قتله بتلك الطريقة، ولا يستهجنون تصفيته والتمثيل بجثته بتلك البشاعة! بل إنهم استكثروا على ذكراه كلمة تعاطف واحدة، وكأنهم يباركون قتله ويمجدون من ارتكب هذا الفعل الآثم الشنيع.

ولحسن الحظ، أن هناك مواطنين مغاربة كُثرٌ أوقدوا في نفوسهم شموع التضامن مع الشرطي الهالك، واحتضن سكان الفايسبوك والمنصات التواصلية عائلة الفقيد، وشاطروها مصابها الجلل في فقدان معيلها الأوحد.

وحَسْبُ الفقيد ما أسدلته أسرة الأمن الوطني على ذكراه من سجى العرفان، عندما قرر المدير العام للأمن الوطني منح ترقية استثنائية للمرحوم مع ترتيب آثارها لحساب أسرته الصغيرة، وحَسْبُه كذلك بكاء المواطنين الشرفاء ورثاء سائقي سيارات الأجرة الذين نظموا مسيرات تضامنية حاشدة مع أسرته بالدار البيضاء ومراكش وغيرها من المدن.

وفي مقابل هذا الوفاء من جانب أسرة الفقيد الصغيرة والكبيرة، وهذا الجحود من جانب أدعياء الحقوق، يجدر بنا أن نعلي الصوت ونقول: لقد آن الأوان أن يترجل كل متنطع من صهوة نرجسيته، وأن ينزل من هودج أناه المتضخمة، فالقتل مستنكر محظور في كل الديانات السماوية والنواميس الوضعية، بصرف النظر عن وظيفة القتيل أو شريحته المجتمعية. وما قام به فؤاد عبد المومني وهو يبحث عن مشجب وهمي يحول بينه وبين التضامن مع أسرة الشرطي الفقيد، ما هو إلا جحود لموظف كان يسدي قيد حياته خدمات أمنية جليلة للمواطنات والمواطنين.

وما صدر عن فؤاد عبد المومني من امتناع مبدئي عن التضامن، رغم أن هذا التضامن هو من تجليات السلوان الذي يضمد جراح الفراق، لهو أبلغ تعبير عن الفجوة الكبيرة الحاصلة بين من يتدثرون بثوب “المدافع عن حقوق الإنسان” وبين هذا الإنسان في حد ذاته! ألم يكن الشرطي القتيل إنسانا ينبغي أن يتمتع كغيره بالحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية مثله مثل سائر الناس؟ فلماذا إذن لم يدافع عنه فؤاد عبد المومني ولو بكلمة تضامن بسيطة؟

لقد كان متوقعا هذا الموقف المعاند من قبل فؤاد عبد المومني، ولكن المغاربة يتوسمون دائما الخير في أمة خير الأنام! أليس هو من قال صلى الله عليه وسلم “الخير في وفي أمتي إلى يوم الدين”؟ لكن حدس المغاربة خانهم في هذه المرة مثلما خان فؤاد عبد المومني ميثاق وأخلاقيات نشطاء حقوق الإنسان، ومثلما خان الإرهابيون رسالة السلام وأزهقوا روح الشرطي الفقيد الذي نحتسبه شهيدا عند الله بما قدّم من جميل العمل لوطنه ومواطنيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى