

لا تخلو المواقف الجزائرية الأخيرة ازاء اسبانيا من جانب تراجيدي وآخر كوميدي ، واحد «كوميك» وآخر «دراماتيك» كلما فتح مسؤول من مسؤولي النخبة العسكرية فمه للتعبير عن حالة من حالات النفسية العسكرية الآن .
ومن بين آخر المواقف التي ارادت بها الطغمة إثارة الانتباه اليها، هو ما صرح به المسؤول الاول لمجموعة النفط والغاز الجزائرية العامة «سوناطراك» في الجمعة الماضية.
الـ«بيديجي« gdp الاكثر شهرة في «بلاط النفط والحكرة» بالمرادية قال إن مؤسسته لا تستبعد «مراجعة حساب سعر الغاز المصدر إلى إسبانيا ». ولم يمنع نفسه من نبرة تراجيدية في التصريح تجعل اسبانيا ترتجف بما تُعده لها الجزائر من أثمنة جديدة.
والطابع التراجيدي بالنسبة للجزائر هو كونها تبدو كمن فَقَد الوسيلة للرد على عودة إسبانيا الى جادة الصواب في قضية المغرب الاولى، فصار يطلق البارود في الهواء ضد مدريد.
وأمام التحولات التي تدور في الابيض المتوسط وفي اوروبا وفي العالم كله بسبب الحرب، اختارت نخبة «المرادية» ان تتعامل كـ«بطل تراجيدي» لم يفهم ان الوقت تتغير وان التاريخ غيَّر من سرعته وان البطولة التي يريد ممارستها ما هي إلا وسيلة لمعاكسة الزمان وحتمية التطور.
الرئيس المدير العام ل”سوناطراك” توفيق حكار نموذج دقيق ومتكامل لهذا النوع من الأبطال
التراجيديين ـ الكوميديين في الجزائر ، إذ صرح لوكالة بلاده، وكالة الأنباء الجزائرية (وأج) أنه « قد قررت الجزائر الابقاء على الاسعار التعاقدية الملائمة نسبيا مع جميع زبائنها. غير أنه لا يستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الإسباني».
لماذا؟
وكيف ؟
ومتى؟
وعلى أي أساس؟
ليست هناك أجوبة تقدمها الدولة الجزائرية من خلال لسانها في النفط توفيق حكار..لكن الواضح أن الامر فيه نوع من «العين الحمرة« في وجه أسبانيا بعد الموقف الشجاع والتاريخي للحكومة ورئيسها بيدرو سانشيز.
وما لا يقوله المدير العام للنفط الجزائري هو: هل تملك الجزائر حقا القدرة والصلاحية والوسيلة لتغيير الاسعار، في حين هناك اتفاقيات طويلة الامد بينها وبين مدريد حول الموضوع؟
هل يمكن أن تكشف حقا عن بنود الاتفاقية التي بموجبها تنقل الجزائر الغاز الى اسبانيا عبر الأنبوب المتوسطي، بعد اغلاق الانبوب المغاربي الذي يمر عبر المغرب؟
في الواقع هي أول من يدرك بأن الإخلال بالاتفاقيات يوجد غرامات مالية باهضة، وقد يجر على البلاد عقوبات دولية في سياق تكتل أوروبا سياسيا واستراتيجيا ، إضافة الى تدمير السمعة في الأسواق المالية.
ولها في روسيا، الحليف القوي نموذجا يحتذى: فهي بالرغم من الحرب المفتوحة والمدمرة لم تغامر بقطع الأنابيب التي تمول من خلالها الدول التي تحاربها وتتسلح لأجل هزيمتها.. مثل ألمانيا!
هناك فرق بين الدول الموثوقة والدول التي يسيرها مزاج «يتكيف» حسب الحالات!
وعلى ذكر روسيا ، ألم يصرح نفس المصدر في وقت سابق بأن بلاده قادرة على تعويض الغاز الروسي، وربما النفط ايضا، وهوما استوجب منه في وقت لاحق بلاغات تكذيبية، ربما بعد أن «وبخوه» قليلا على تضخيم دوره في المعادلات الراهنة؟!
وصار المسكين يقول عكس ما غامر به في الأول، وقال ردا على سؤال عن إمكان زيادة الجزائر صادراتها من المحروقات إلى أوروبا «نتوفر حاليا على بعض المليارات (من الأمتار المكعبة الاضافية) التي لا يمكن أن تستخلف الغاز الروسي»!!!.
وبالدارجة المغربية :«عندنا شي بركة، وَلَكانْ ما كافياش»!!
ومن عناصر التراجيديا الكوميديا، أن الموقف الجزائري ، في هذه الحالة اراد نوعاما، تقليد .. المغرب في الموقف الحازم من اسبانيا بعد استقبال ابرايهم غالي «ابن بطوش» الذي ورطتها فيه!..
والواقع حتى في باب العين الشزراء، لم يبدعوا وظلوا حبيس التقليد. وبالدارجة المغربية :(حتى هاذي ما قدروش يبدعوا فيه شي شويا..!)
في الجانب الجدِّيِّ من التهديد، أحيت التصريحات الحديثة مواقف قديمة نوعا ما وأخرى جنونها حديث. ومن ذلك أن أسبانيا اختار أن تستدعي سفيرها في مدريد جراء الموقف، وهو سلوك لم تُقْدم عليه في حالة الولايات المتحدة وفي حالة ألمانيا ودول أوروبية أخرى.مما فضح تذبذبها ومزاجية سياستها، بمجرد أن يصيب المغرب هدفا لصالح وحدته.
ومن الذكريات البعيدة التي لا يمكن الاسبانيين ان يُغٌفلوها في سياق التهديد الواضح منه والمطبن، هو ماكانت الجزائر تقدمه من دعم للحركات الانفصالية الاسبانية فوق ترابها، حيث احتضنت زعماء حركة «إيطا» الانفصالية ، ومنهم من قضى نحبه في الجزائر نفسها، كما دعمت حركة الانفصال في جزر «الكانارياس» وارادت ان تجد لها مقعدا في «منظمة الوحدة الافريقية» في زمن السبعينيات، كما فعلت بمجموعة ابراهيم غالي من بعد في نفس المنظمة..!
ما بين التهديدات الواضحة والتهديدات المبطنة تبدو العاصمة الجزائرية موزعة بين الإحباط .. والغرور.
و بين «البسالة« وما بين فقدان البوصلة…فلم تأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت في علاقات اسبانيا مع دول اكثر منها قدرة على تمويلها من حيث الغاز ، وأولها الولايات المتحدة الامريكية.وآخر الارقام تقول إن السفن الناقلة للغاز الامريكية تجاوزت حاجة اسبانيا بما يفوق 10٪ .. مما كانت تستورده من الجزائر!