
قال الناطق الرسمي باسم الحكومة ، مصطفى الخلفي، في الندوة الصحفية التي عقدها عقب اجتماع مجلس الحكومة يوم الخميس 25 فبراير، إن المعلومات التي جمعتها الحكومة من وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة ووزارة التشغيل تفيد أن نسبة المشاركة في الإضراب العام الذي دعت إليه أربع مركزيات والنقابة الوطنية للتعليم العالي بلغت 39 في المائة في القطاع العمومي و4،8 في القطاع الخاص. وبذلك تكون الحكومة قد نفت ما ورد في بيان المركزيات النقابية الداعية للإضراب الذي تحدث عن نسبة مشاركة بلغت أكثر من 84 في المائة.
كلام الناطق الرسمي باسم الحكومة رغب في الإيحاء بأن الإضراب فشل وبأن المغاربة يساندون الحكومة ويرفضون الإضراب وموقف النقابات عبر خطاب ضمني، وهو ما يجيز للحكومة الاستمرار في سياساتها التي كانت موضوع رفض واحتجاج من طرف المركزيات النقابية وباقي مكونات المجتمع المدني غير الموالية لحزب العدالة والتنمية، وما يشجعها أيضا على عدم الالتفات إلى معارضيها الذين لا يحظون بثقل مجتمعي ولا يمثلون إلا نسبا لا يعتد بها.
إن الحكومة التي تعاملت بغرور زائد مع الحوار الاجتماعي ومع ملفات التقاعد والأساتذة المتدربين والقضاء والمناصفة وغير ذلك من قبل تجد نفسها اليوم أكثر غرورا. ومن شأن هذا الغرور أن يقودها من الأن فصاعدا، مع اقتناع الحزب الإسلامي المتضخم منذ 4 شتنبر بأنه فائز في الانتخابات العامة لمجلس النواب المقبلة بلا منازع، إلى التعامل بازدراء مع مختلف الفعاليات المجتمعية والاستهانة بالجميع، بما في ذلك أطراف في الحكومة تتعرض للتقريع والتتفيه علانية من طرف رئيس الحكومة وحزبه.
وعلى عكس ما قد يعتقده البعض، فإن حالة الغرور والثقة الزائدة في النفس ليست جديدة في المغرب أو خارجه، وهي غالبا ما تحدث في ظرفيات انتقالية وعابرة ينظر إليها السذج على أنها معطى دائم، بله أبدي، ويشجعهم على الاستسلام لهذه النظرة الانتهازيون، لكنها تكون ذات نتائج وخيمة إذا ما وقع تغير للظرفية، وبالأخص إذا جاء فجائيا ودراماتيكيا، بحيث يجد المصابون بالغرور أنفسهم وكأنهم كانوا سابحين في حلم ليلة صيف سرعان ما يتلوه كابوس. ورغم أن الاتحاد الاشتراكي لم يصل إلى درجة الغرور التي وصلها الحزب الإسلامي، وإن اغتر بعض وزرائه وتابعيهم بنفس القدر أحيانا، فإن ما يكابده اليوم هو نتاج غرور السلطة واعتقاده أنه باق فيها إلى ما لانهاية غير عابئ بما يحيط به. فالزمن دوار كما يقال والسلطة تنهك في النهاية ومن لا يترك خط الرجعة ولا يعتبر التداول أمرا لا مفر فيه يضيف إلى عامل الإنهاك عوامل أخرى تكون لها نتائج لا يمكن له توقعها في لحظة الانتشاء والغرور.
ويكتسي الغرور الحكومي في هذا الظرف بالذات خطورة كبيرة، لأنه يدفع بكل القوى والفعاليات التي يتم ازدراؤها وكذلك من يمنعهم الخوف على خبز الأسرة أو من انتقام الإدارة أو المقاولة من المشاركة في معارك يقرون بشرعيتها وجدواها ولسان حالهم يقول: “العين بصيرة واليد قصيرة” إلى التحول إلى قنابل موقوتة لا يعرف أحد متى تنفجر وتفجر معها كل شيء.
فالإحساس بالعجز والحكرة هو ما أدى إلى ما وقع في عدد من البلدان العربية دون سابق إنذار، وما جنب المغرب نفس المآل هو تعدديته التاريخية والراسخة، التي لم ينل منها شيء، والمسلسل الذي انطلق في تسعينات القرن الماضي وتم تتويجه بمسلسل العدالة الانتقالية اللذين جعلا المغاربة قادرين على التحاور والتوافق من أجل الخروج من المآزق وتجاوز الأزمات. فلم يحصل قط، حتى في سنوات الرصاص، أن بلغ الغرور بحكومة من الحكومات وبطرف من أطراف الحياة السياسية درجة الاستهانة بالآخرين والميل للعزف المنفرد على وتر واحد كما يحدث اليوم. ولم يحدث قط أيضا أن ترافق الغرور مع رغبة في الاستئثار برأس المال الرمزي الجماعي وتطويعه وإثارة الفتن النائمة وفتح المعارك الممزقة للحمة المجتمع كما يحدث اليوم.
إن الحكومة الحالية مسؤولة عن انحراف خطير عن مسار بناه المغاربة بجهد ونضال وتضحيات ولقاء وافتراق وعن النهج القويم لكل مسار يروم الوصول إلى بناء ديمقراطية حقيقية الذي يبنى بالتشاور والحوار والحلول الوسطى التي تقدم ولا تؤخر وليس بالسعي إلى الغلبة وسحق الخصم أو الدفع به إلى الزاوية الضيقة لإشباعه لكمات كما يحدث في الملاكمة. فمنطق الغلبة غالبا ما ينقلب على صاحبه كما ينقلب “البومرانغ”، إن عاجلا أم آجلا، وعندئذ لن ينفع الندم. فلا يصح أن يقال مباشرة، أو بشكل ملتو، لتمثيليات مجتمعية كيفما كان تقدير حجمها أو الخلاف معها تطالب بالجلوس إلى طاولة الحوار «القافلة تسير…” هذا رد غير مسؤول وغير لائق.
ما يتمناه كل وطني حقيقي لبلاده وشعبه هو أن يتم عبور هذه المرحلة بسلام وعدم التورط في كل ما من شأنه أن يلحق أضرارا جسيمة بالبلاد وهي تواجه اليوم تحديات كبرى. ومن المؤكد أن الحكومة الحالية تستفيد من شعور وطني قوي يجعل المغاربة يخافون على بلادهم من النزاعات، لكنها لا تقدر ذلك الشعور حق قدره وهناك استغلال انتهازي وحزبي ضيق معه سرعان ما سينكشف للجميع.