اقتراع 7 أكتوبر : ظاهرة عزوف المغاربة عن المشاركة السياسية تسائل وبكل قوة الفاعلين السياسيين والسلطات المعنية

انتهت معركة الاقتراع التشريعي لسابع أكتوبر بصراعاتها وعواصفها وما خلفته من ندوب في الجسم السياسي المغربي ، وانشغلت الأحزاب السياسية بإحصاء حصيلتها من هذه المعركة وجرد أرباحها أو خسائرها من مقاعد وتيرة في مجلس النواب.
لكن هذه الأحزاب نسيت ، أو على الأصح ، تناست ، الوقوف عند معضلة نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ،والتي بلغت ، حسب وزير الداخلية محمد حصاد ، 43 % . وهي نسبة برأي بعض المحللين لا تستجيب للمعايير الدولية ، ولا تحقق تمثيلية ذات مصداقية لكافة أبناء الشعب المغربي .
فإذا كان عدد الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية يقارب 16 مليون ناخب وناخبة (بالضبط 15.752.000) ، من العدد الاجمالي لسكان المغرب، الذي يصل إلى 34 مليون نسمة ، فإن الذين توجهوا إراديا إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم ، لا يتجاوز 6.773.360 ، أي ما يمثل نسبة 57 % من المسجلين، فيما اختار أكثر من 9 ملايين، إراديا أيضا ، عدم الادلاء بأصواتهم على الرغم من وجود أساءهم بمكاتب التصويت.
ولإدراك حجم ظاهرة العزوف السياسي ، يجب أن نعلم أن عدد المواطنين الذي يحق لهم التصويت أي البالغين 18 سنة، فما فوق ، يتجاوز 27 مليون نسمة ، 16 مليون منهم مسجلين على اللوائح الانتخابية والباقي ، أي 11 مليون فلا.
ويزداد المشكل تعقيدا عندما نعلم أن مسألة العزوف تهم مختلف شرائح الشباب ، حيث تظهر البيانات الرسمية أن 30 بالمائة من الناخبين تقل أعمارهم عن 35 سنة، و43 بالمائة تتراوح أعمارهم بين 35 و54 سنة و27 بالمئة تفوق أعمارهم 54 سنة.
وإذا قاربنا موضوع المشاركة من زاوية أخرى نجد أنه في 2011، قام بالتصويت فعلا ، من أصل 13.6 مليون مسجلين في اللوائح ، 45 بالمائة، فيما قاطع أو فضل عدم التصويت 55 بالمائة ، بمعنى أن هناك تراجعا نسبة 2.5 في المائة بالمقارنة مع اقتراع 2011.
ومن هنا ، فإن ظاهرة العزوف السياسي ،تسائل بكل إلحاح ، الطبقة السياسية المغربية ، وكذا السلطات على مختلف المستويات ، باعتبارها ظاهرة غير مطمئنة وتتكرس، استحقاقا بعد آخر.
ويقع على عاتق كل الفاعلين السياسيين والسلطات دراسة هذا المشكل من كل جوانبه لتشخيص الأسباب الحقيقة والعميقة وراء عزوف المغاربة عن السياسية ، والحلول الممكنة لها ، خاصة بالنسبة لفئة الشباب، وإن بعض السياسيين ، يحاولون التقليل من المشكل ، بالقول إن المغرب ليس استثناء بالنسبة لضعف المشاركة السياسية بالمقارنة العديد من دول العالم .
جدير بالإشارة إلى أن هذه النسبة المعلن عنها لا ترقى إلى المعاير الدولية ، دون الحديث عن غياب معيار دولي آخر ، يتمثل في أنه لكي تكتسي الانتخابات تمثيلية ومصداقية حقيقيتين، يجب أن تتجاوز أو تصل نسبة المشاركة 50% على الأقل .
ويعزوا بعض المحللين العزوف السياسي لدى شريحة همامة من المغاربة ، خاصة فئة الشباب، إلى عدة أسباب ، منها عقدة مترسخة منذ عقود وترسخت أكثر خلال سنوات الرصاص في الذهنية المغربية، وهي عقدة الخوف والتوجس من “المخزن” أو السلطة بصفة عامة ، خاصة في الأوساط القروية ، حيث نسبة الأمية مرتفعة . وينضاف إلى ذلك عدم الثقة في المؤسسة التشريعية ، مع استحكام هاجس التزوير وتزييف النتائج في عقول المغاربة ،مهما كانت الصناديق زجاجية وشفافة .
وهذه الأسباب التي قد تكون وراء العزوف ، يؤكدها سؤال بسيط : كيف ولماذا ، لم تتمكن أكثر من 30 حزبا شاركت في العملية الانتخابية الأخيرة ، من خلال ما قدمته من برامج وخطب ومهرجانات وأموال ووصلات إشهارية واستعمال مفرط لوسائل الاتصال والاعلام، من تعبئة 10 ملايين ناخب مسجلين في اللوائح الانتخابية ولم يرغبوا في الذهاب إلى مكاتب التصويت.
قد يكون لهذا السؤول جواب أو أكثر من جواب ، لكن أهمه ،هو أن هؤلاء العازفين عن الفعل السياسي لم يجدوا في تلك البرامج ما يقنعهم أو يغريهم للذهاب إلى مراكز الاقتراع .
وبمعنى آخر ، هذه الأحزاب لم تستطع تعبئة المغاربة وتحميسها للانخراط في الحياة السياسية والاهتمام بالشأن العام الوطني ، ومن هنا يتجلى مدى أهمية الاشكال الذي تقع على الطبقة السياسية بكل تلاوينها والسلطات المغربية والمؤسسات ،فضلا عن المجتمع المدني ، مسؤولية الانكبات على دراسة ظاهرة العزوف ومعرفة أسبابها العميقة ،وإيجاد الحلول المناسبة لها لتشجيع الشباب على المشاركة السياسية.





