التحول الرقمي في المغرب.. ثمرة رؤية ملكية استباقية

في سياق الاحتفال بالذكرى السادسة والعشرين لتربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، تتجدد مظاهر التلاحم بين الشعب المغربي ومؤسساته، ويتعزز الوعي الجماعي بحجم التحولات الكبرى التي شهدتها المملكة خلال العقدين الأخيرين في مختلف المجالات، حيث تعد الرقمنة من أبرز هذه التحولات، لما تحمله من رهانات سيادية وفرص تنموية كبرى.
منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، انطلقت سلسلة من الإصلاحات الاستراتيجية التي جعلت من الرقمنة محورا أساسيا لتحديث الدولة، وتجويد الخدمات، وإرساء عدالة مجالية أكثر إنصافا. فيما لم تعد الرقمنة مجرد خيار إداري أو تقني، بل تحولت إلى رؤية شمولية تقودها اليوم الوزير أمل الفلاح السغروشني، ومدعومة بتوجيهات ملكية، تنعكس على البرامج الحكومية والنموذج التنموي الجديد للمملكة.
ومع اقتراب المملكة من تحديات دولية بارزة، يُدرك الفاعلون الوطنيون أن الاستثمار في الرقمنة والبنية التحتية الذكية ضرورة استراتيجية لتأمين جاهزية البلاد، ورفع تنافسيتها الدولية، وضمان استدامة نموها الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، قال المحلل ومهندس الدولة في التحول الرقمي عبد الصمد الوافي، في تصريح ل”موقع برلمان.كوم”، “إن تخليد الذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه، تشكل مناسبة لتجديد أسمى عبارات الولاء والإخلاص للعرش العلوي المجيد، والتعبير عن مشاعر الامتنان للملك، الذي وضع التحول الرقمي في صلب رؤيته التنموية”.
وأكد الوافي أن “التحول الرقمي في المغرب يُجسد ثمرة رؤية ملكية استباقية، أرساها الملك منذ اعتلائه العرش، إدراكا منه لما تفرضه التحولات العالمية المتسارعة”، مبرزا أن هذه الرؤية جعلت من الرقمنة أداة لإصلاح الإدارة وتحديث المرافق العمومية وتعزيز العدالة المجالية والاجتماعية.
وأوضح أن هذه الدينامية تُترجم من خلال مشاريع كبرى مثل “المغرب الرقمي 2020” و”المغرب الرقمي 2030″، وصولا إلى إدماج الرقمنة في النموذج التنموي الجديد، مشيرا إلى الدور المحوري الذي تضطلع به وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، سواء في تعميم الخدمات الرقمية، أو في تطوير الكفاءات الرقمية والبنيات التحتية، لا سيما في الوسط القروي.
وأكد ذات المتحدث، أنه بالنظر إلى المشاريع الرقمية الكبرى التي تبنتها المملكة، يتضح أن الرقمنة أصبحت مندمجة كمكون بنيوي ضمن الرؤية الملكية لمستقبل المغرب. فمشروعا “المغرب الرقمي 2020” و”المغرب الرقمي 2030″، إلى جانب حضور الرقمنة بقوة في النموذج التنموي الجديد، تكشف عن مقاربة متكاملة تجعل من التحول الرقمي وسيلة لتعزيز الشفافية، وتحسين علاقة المواطن بالإدارة، وتوسيع الولوج العادل للخدمات، بما ينسجم مع رهانات العدالة المجالية والاجتماعية التي يحرص عليها الملك محمد السادس.
كما أن ربط الرقمنة بتأهيل الكفاءات وتحديث البنية التحتية، لا سيما في المناطق القروية، يعكس بُعدا اجتماعيا عميقا في المشروع الرقمي المغربي، يجعل منه أداة للتماسك الوطني إلى جانب التطور التكنولوجي. إذ أن المشاريع الرقمية، في هذا السياق، تتجاوز مجرد نقل الخدمات إلى الإنترنت، لتُسهم في تقليص الفجوة الرقمية بين المركز والهامش، وتوفير فرص جديدة للشغل والابتكار، وتحقيق إشراك فعلي للمواطنين في التحول الوطني نحو مغرب حديث، ذكي، ومتكافئ.
وفي سياق متصل، أشاد ذات المتحدث بمبادرات رائدة أطلقتها المملكة في هذا المجال، على غرار بوابة البيانات المفتوحة، التوقيع الإلكتروني، منصات الخدمات الرقمية، وتعميم الإدارة الرقمية بدون ورق، معتبرا أن هذه الخطوات تعكس إرادة حقيقية في الانخراط في المستقبل، عبر إشراك الشباب وتأهيلهم من خلال برامج تكنولوجية مُواكَبةً للتحولات العالمية.
وتدل هذه المبادرات على وعي مؤسساتي متقدم بأهمية استثمار الطاقات الشابة ودمجها في صلب المنظومة الرقمية الوطنية، وهو ما يشكل شرطا ضروريا لإنجاح أي تحول رقمي مستدام، حيث أصبح تمكين الشباب من أدوات المعرفة التكنولوجية الذي يُمثل رهانا تنمويا طويل المدى، يُسهم في بروز جيل رقمي قادر على قيادة مشاريع الابتكار، وابتكار حلول ذكية لقضايا اجتماعية واقتصادية ملحّة. ومن ثَم، فإن إشراك الشباب في هذا الورش يؤسس لثقافة رقمية وطنية متجذرة في قيم المواطنة والإنتاجية والسيادة التكنولوجية.
واعتبر مهندس الدولة في التحول الرقمي أن السياق الحالي، خاصة في أفق احتضان كأس العالم 2030، يفرض تسريع هذا المسار، وتكثيف الجهود على مستوى الذكاء الاصطناعي، المدن الذكية، واللوجستيك الرقمي، لأن الرقمنة ـ بحسب تعبيره ـ “تحولت إلى رهان سيادي واستراتيجي بامتياز”.
وهذا يؤكد على أن رؤية الملك محمد السادس للتحول الرقمي تمثل حجر الزاوية في المشروع التنموي المغربي الحديث، حيث تسعى إلى بناء مجتمع رقمي مندمج، يضع المواطن في قلب السياسات العمومية، ويؤسس لعدالة رقمية تضمن تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات والمجالات الترابية.
كما يظهر أيضا، أن الشباب المغربي بات ينخرط بروح جديدة في ورش الرقمنة، مدفوعا بإيمان جماعي بأن التحول الرقمي دعامة للسيادة الوطنية، ومجال لإبراز الكفاءات الوطنية في أفق مغرب رقمي قوي ومندمج في محيطه الإقليمي والدولي. وهي الدينامية التي يرعاها الملك محمد السادس بحكمة وبعد نظر، جاعلا من الشباب فاعلا محوريا في بناء مغرب الغد، القائم على الابتكار والتفوق الرقمي والسيادة التكنولوجية.





