اخبار المغربسياسةمستجدات

التويزي يهدي أخنوش وحزبه “فرصة سياسية”.. فهل تتحرك العدالة لرفع الحصانة عنه والتحقيق في تصريحاته المثيرة؟

الخط :
إستمع للمقال

يبدو أن رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، أحمد التويزي، اختار أن يُفجّر قنبلة كلامية في إطار التسخينات الانتخابية، في وقت يحتاج فيه المغاربة إلى التهدئة لا إلى التهييج، وإلى خطاب مسؤول لا إلى خرجات شعبوية غير محسوبة العواقب. فخلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026، فاجأ التويزي الجميع بتصريح غريب يتهم فيه بعض الشركات التي توزع القمح والدقيق المدعّم بأنها “تطحن الورق وتقدمه للمغاربة كدقيق”.

تصريح بهذا الحجم لا يمكن اعتباره مجرد زلة لسان، لأنه يضرب في العمق ثقة المغاربة في قوتهم اليومي، لأن المسؤولية تتحملها هنا عدة قطاعات ومؤسسات حكومية تتقدمهم وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة الصحة ومكتب السلامة الصحية (ONSSA) المكلف بمراقبة جودة المواد الغذائية، فهل غابت كل هذه المؤسسات عن أداء أدوارها؟ ومن يتحمل المسؤولية مباشرة؟ أم أن البرلماني يتحدث عن واقع يعرفه ويتستر عليه؟ وإذا كان فعلاً يتوفر على أدلة، فلماذا لم يُقدّمها للنيابة العامة بدل الاكتفاء بتصريحات فضفاضة تُثير البلبلة؟

فبعد العاصفة التي خلّفتها تصريحاته، خرج التويزي ببيان توضيحي يقول فيه إن المقصود بـ”طحن الورق” هو التلاعب في الوثائق والفواتير المقدّمة للحصول على الدعم، وليس “طحن الورق حرفياً”، لكن هذا التوضيح لم يُقنع أحداً، لأن المعنى المجازي لا يُلغي خطورة المعنى السياسي، لأنه وبكل بساطة عندما يشكك برلماني من حزب ينتمي للحكومة وللأغلبية البرلمانية في نزاهة منظومة الدعم وجودة الدقيق، فهو عملياً يضع مؤسسات الدولة في قفص الاتهام، ويزرع الشك في نفوس المواطنين الذين باتوا يتساءلون عن جودة الدقيق الذي يستهلكونه يومياً وهذا يؤثر أيضا على ضيوف المغرب.

فالتويزي بموقفه هذا، فتح جبهة مواجهة مع فيدرالية المطاحن التي رفضت هذه الاتهامات ووصفتها بأنها عارية من الصحة، مطالبةً البرلماني بتقديم أدلة موثوقة إذا كان فعلاً يملك ما يثبت كلامه، وهنا يُطرح السؤال الكبير: هل نحن أمام تصريح عابر أم أمام محاولة مقصودة لتعبيد الطريق نحو رفع الدعم عن الدقيق المدعّم بحجة “الإصلاح”؟

هذا المشهد يُذكّرنا بما فعله عبد الإله بنكيران في ملف المحروقات عندما كان رئيسا للحكومة، حينما اتهم شركات التوزيع بتقديم فواتير مزورة غير سليمة، فصدّقه الناس، ثم استغلّ الموجة للقيام بما سمّاه إصلاح صندوق المقاصة، وكانت النتيجة أن الأسعار ارتفعت والمواطن احترق بعدما تم رفع الدعم عن مجموعة من المواد، بينما لم يُحاسَب أحد. اليوم، يخشى كثيرون أن يكون تصريح التويزي بداية لنفس المسار، ولكن هذه المرة على حساب خبز الفقراء، ونحن نعلم أن الدقيق المدعّم هو ركيزة الأمن الغذائي في القرى والمداشر، حيث يُباع كيس من الحجم الكبير بـ100 درهم فقط، بينما في المدن قد يصل إلى أزيد من 200 درهم حسب الجودة، وبالتالي، من يتحدث عن رفع الدعم بحجة “الإصلاح” إنما ينظر بعين السياسي لا بعين المواطن البسيط.

إن خرجة التويزي المتهورة لا يمكن قراءتها بمعزل عن الخلفية السياسية لحزبه، حزب الأصالة والمعاصرة، أحد أعمدة التحالف الحكومي، بحيث كيف لرئيس فريق برلماني من الأغلبية أن يضرب مصداقية الحكومة التي يُفترض أنه يدافع عنها؟ هل هي زلة غير محسوبة؟ أم مناورة سياسية لتوجيه الرأي العام نحو أجندة رفع الدعم تدريجياً عن المواد الأساسية؟ وإذا كان التويزي فعلاً يملك معطيات دقيقة، فعليه أن يضعها على طاولة القضاء، أما إذا كان ما قاله مجرد “كلام على عواهنه”، فواجب المؤسسات أن تتحرك، وتُرفع عنه الحصانة البرلمانية بناءً على طلب من النيابة العامة أو وزير العدل زميله في الحزب، حتى يتحمل مسؤوليته أمام القانون ويقدم أدلته وحججه عما ورد عنه، لأن المنطق السياسي والمؤسساتي يقتضي ذلك، شأنه شأن أي مواطن تتم محاسبته على ادعاءاته وتصريحاته التي تمس بأمن المغاربة، سواء القومي أو الروحي أو الغذائي.

إن الإصلاح الحقيقي لا يمر عبر التلويح بإلغاء الدعم، بل عبر تطهير المنظومة من الفساد إن وُجد، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في التلاعب، دون المساس بحقوق الفئات الهشة، أما أن يُلقى الكلام هكذا في الهواء، فذلك إضرار مباشر بصورة الدولة وبثقة المواطن في مؤسساتها. ومن هنا، فإن فيدرالية المطاحن مطالَبة بالرد السريع والشفاف، خاصة وأن التويزي برّر تصريحه بأنه كان يقصد التشكيك في سلامة الفواتير المقدمة من طرف بعض المطاحن، بدعوى وجود رغبة في الاستفادة من الدعم بطرق غير مشروعة، كما أن الدولة مطالَبة بفتح تحقيق عاجل لتحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بفضيحة حقيقية أم بحسابات سياسية ضيقة، وفي كلتا الحالتين، لا يمكن ترك المغاربة رهائن لتصريحات غير مسؤولة تمس قوتهم اليومي، فالمغاربة، ببساطة، لا يريدون أن يُطحنوا من جديد، لا بالورق ولا بالكلام، ويكفيهم أنهم طُحنوا برفع الأسعار وبالغلاء الفاحش منذ حكومة بنكيران، وصولاً إلى الحكومة الحالية التي يقودها رجل الأعمال عزيز أخنوش.

وأخيرًا، فمن حق عزيز أخنوش أن يُقدِّم وردة لأحمد التويزي كهدية شكر على هذا الموقف الذي يُهيِّج الفقراء وساكنة القرى ضد الحزب الذي ينتمي إليه هذا القيادي، ما دام قد عبّر بشكلٍ مسبق عن نوايا تمس شريحة واسعة من فقراء المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى