
للشذوذ الجنسي أشكال وأنواع متعددة، لا تحتكر فقط على الانجداب لنفس الجنس، والتي أصبحت في بعض المجتمعات تعتبر أمرا عاديا، فمصطلح الشذوذ الجنسي يتسع ليضم ممارسات كثيرة، كالسادية؛ المازوشية (ربط العلاقة الجنسية بالتعذيب الجسدي والنفسي)، البيدوفيلية (الانجذاب الجنسي نحو الأطفال)؛ النيكروفيليا (الجماع مع الموتى) وأخيرا الزوفيليا والتي تعني الحصول على لذة جنسية من علاقة جنسية أو مداعبة لحيوان.
الزوفيليا أو ما يصطلح عليه باللغة العربية البهيمية، هي اضطراب جنسي لجأ من خلاله الشخص إلى ممارسة علاقة جنسية كاملة أو غير كاملة مع حيوان، عرفتها الحضارات القديمة والحديثة، حيث عثر العلماء على مخطوطات تعود إلى 25.000 عام أثبتت ممارسة البشر في العصور القديمة للجنس مع الحيوانات، إذ وجدت صورة لشخص يمارس الجنس مع حمار في كهف في إيطاليا تعود للقرن السابع قبل الميلاد، وأخرى تعود للحضارة الرومانية، التي وثقت استخدام النساء للثعابين من أجل الوصول إلى النشوة، وفي ملعب سيرك “ماكسيموس” الذي شيد في القرن السادس قبل الميلاد، كانت تقام حفلات اغتصاب للحيوانات بجانب المصارعة والمقامرة وباقي الألعاب الترفيهية, بالإضافة لمجسمات تمثل البهيمية، في واحد من المعابد الهندوسية تعود لعصور قديمة، ومخطوطات يابانية قديمة، دلت عن وجود الظاهرة منذ الأزل.

الظاهرة المتجدرة في التاريخ، ماتزال تنتشر إلى يومنا هذا، عادت للواجهة في المغرب على وجه الخصوص، بعد انفجار قضية “حمارة سيدي قاسم” وقبل أيام قليلة، “السائح الإنجليزي وكلبة الصويرة”.
القضية الأولى كانت قد هزت الرأي العام المغربي والدولي منتصف شهر غشت الماضي، بعد تناوب 15 صبيا تتراوح أعمارهم ما بين 10 و17 سنة، على ممارسة الجنس على أتان (حمارة)، ما تسبب في انتقال مرض السعار لهم… القضية كانت الأولى من نوعها التي يتطرق لها الإعلام بشكل كبير، التي دقت ناقوس الخطر ودفعت جهات كثيرة للمطالبة بإدراج التربية الجنسية في المناهج التعليمية لتحسيس الأطفال والمراهقين بخطورة ما يمكن أن تخلفه العلاقات الشاذة مع الحيوانات، بعد أن اعتبروا أن ما أقدموا عليه جهلا أو طيش أطفال، قبل أن تأتي قضية السائح الإنجليزي الذي نهشت كلبة نهاية الأسبوع المنصرم، عضوه التناسلي، أثناء محاولته ممارسة الجنس عليها، والذي عُثر عليه ملقى على قارعة الطريق في حالة غيبوبة ومضرجا في دمائه، من قبل بعض سكان دوار إفران بمنطقة سيدي كاوكي الساحلية.
هذا النوع من الممارسات، الذي عرفته الدكتورة أمل شباش، الأخصائية في الأمراض النفسية والجنسية، في تصريح لـ”برلمان.كوم”، أنه سلوك شاذ يستعمل فيه الإنسان حيوانا، والذي في الغالب ما يكون من الحيوانات الأليفة التي ترافقه في حياته اليومية، يلجأ إليه أشخاص، نساء أو رجال على حد سواء، كثيرا ما يكونوا منعزلين أو يعانون في بعض الحالات من اضطرابات نفسية، أو من صعوبة في ربط علاقة مع أناس من جنسهم، خوفا من الحكم عليهم أو خوفا من مطالبة الطرف الآخر لمقابل، سواء أكان المقابل عاطفيا أو ماديا…
الدكتورة شباش وفي حديثها لـ”برلمان.كوم”، أكدت أن حالات الزوفيليا في المغرب ليست بالشيء النادر أو المنحصر لدى الرجال فقط، مشيرة إلى أن تجربتها في مجال العلاج النفسي والجنسي، صادفتها بحالات كثيرة لأشخاص كانت تجربتهم الجنسية الأولى مع حيوانات، والذين أغلبهم ينحذر من الوسط القروي، حيث ينتشر هذا النوع من الممارسات بشكل أكثر، دون أن تعمم، حيث أن الإحصائيات في هذا الجانب منعدمة، باعتبار أن الشخص الذي “يخوض تجربة جنسية” مع حيوان، لن يرد بالإيجاب إذا طرح عليه السؤال.
التجربة الأولى، التي أوضحت الدكتورة أنها تكون في بعض الحالات ممهدة للشذوذ الجنسي كيفما كان نوعه، فيما تكون في بعض الحالات مرحلة عبور، حيث يبني الشخص حياة جنسية عادية فيما بعد.
وفيما يخص الفرق بين النساء والرجال في التعاطي للزوفيليا، أوضحت الأخصائية في الأمراض النفسية والجنسية، أنه من النادر أن تكون أولى علاقات الإناث الجنسية، علاقة زوفيلية، حيث أن النساء وبشكل عام يخترن إرضاء رغبتهن الجنسية مع حيوان، بعد تجربة النشوة الجنسية إذ كثيرا ما تكون بعد الطلاق أو وفاة الزوج أي بعد تجاوز سن معين، في حين أن الذكور هم أكثر من تكون ممارساته الزوفيلية هي أول احتكاكاته بالجانب الجنسي والنشوة الجنسية.
هذا، وطالبت الدكتورة شباش، الجمعيات المعنية بحقوق الحيوانات بالتخل والقيام بدورها، بوضع طلب لدى السلطات المعنية، لوضع قوانين تجرم هذا النوع من الممارسات، وتحفظ حقوق الحيوانات، ولما لا ليصبح المغرب أول الدول العربية تحركا في هذا الجانب.
نفس النقطة التي انطلق منها زكرياء الغلماني، المحامي المتمرن بهيئة الرباط، والذي أكد في حوار مع “برلمان.كوم”، أن القانون المغربي لم يتطرق لهذا النوع من الممارسات الشاذة، حيث أوضح أن القانون الجنائي لا يتحدث على جريمة الزوفيليا أو الاعتداء جنسيا على الحيوانات، أكثر من ذكره لجريمة الفساد، والتي حصرها فقط في العلاقة ما بين رجل وامرأة فقط.
وفي الوقت الذي لم تذكر فيه الجرائم ضد الحيوانات إلا في فصلين فقط في أقسام قضاء القرب، وبالضبط في المادة 15 من قانون 42/10، التي تقول إنه يعاقب بغرامة مالية تتراوح ما بين 200 و500 درهم، كل من تسبب في جرح أو موت حيوان أو دواب مملوكة للغير، يا إما بسرعة العربات أوالخيول، أو من ارتكب علانية “قسوة” على حيوان، ما يطرح تساؤل هل يمكن أن ندخل “الاعتداء الجنسي” في إطار القسوة.
الوضع الذي وصفه الأستاذ بـ”الفراغ”، مطالبا النواب والمشرع بالتدخل لتعديل الفصل 15 أو خلق فصل جديد يحمي الحيوانات من هذا النوع من الممارسات.
إلا أنه ورغم الحظر والتجريم العالمي للزوفيليا، فإن دولا كهنغاريا أو فنلندا تواصل قوانينها السماح إلى يومنا هذا بممارسة العلاقات الجنسية مع الحيوانات، في الوقت الذي لم تمنع فيه ألمانيا وفرنسا هذا النوع من العلاقات، إلا سنتي 2012 و2004 على التوالي، والسويد سنة 2014 في حين لم تمنعها الدنمارك إلا سنة 2015.
فالدول المصنفة من بين الدول الأكثر تقدما في العالم، ماتزال لغاية الساعة تسمح باستغلال الأشخاص للحيوانات في العلاقات الجنسية، تضع شرطا وحيدا وهو عدم التسبب في ألم أو تعذيب الحيوان، الشرط الذي يبقى غريبا ويصعب التأكد منه، حيث أن الحيوانات المستغلة في هذا النوع من الممارسات الممنهجة في البلاد والتي تخصص لها ضيعات، تتعرض لشتى أنواع التعذيب والاستغلال، فبعيدا عن الاستغلال الجنسي، فكثير من الحيوانات يزال شعر جسدها أو تقص مخالبها… وهو الأمر الذي عبر 76 في المائة من الدانماركيين عن رفضه في استطلاع رأي حول مشروع قانون لتجريم هذه الممارسات، معبرين عن رفضهم تحول بلادهم إلى جنة لهذا النوع من السياحة الجنسية، المقننة في ضيعات فلاحية يدفع زائرها ما بين 85 و170 دولارا فقط، لإشباع رغبة جنسية شاذة، ما كان السبب في تجريم البلاد للزوفيليا ووقف عمل الضيعات المخصصة لهذا النوع من الممارسات.
وبعيدا عن التجريم القانوني والتحريم الديني.. إذا أخذنا العلاقة من المنظور الأخلاقي فقط، فأي علاقة جنسية بين شخصين يبقى من أهم مقوماتها الرضا والموافقة والقدرة على الرفض، لأن أقل ما تتقبله كل النظم الأخلاقية هو موافقة جميع الأطراف في ممارسة النشاط الجنسي، حيث كثيرا ما تضع الفكرة القانونية لإبداء الموافقة المعايير العامة بشأن هذه المسالة. إلا أن بعض الفئات كالأطفال المعاقين ذهنيا، والمرضى عقليا، والحيوانات، وأحيانا الأشخاص تحت تأثير المخدرات أو الكحول، ليست لهم القدرة على الرفض أو المواقفة، ما يكسر واحدا من الأسس الأولى للعلاقة بالتراضي، الذي يجعلها غير جائزة أخلاقيا.
وتجدر الإشارة، إلى أن تطرقنا لهذا الموضوع لا يأتي بغرض الحكم أو مهاجمة الأشخاص، أكثر مما هو رغبة في لفت الانتباه لمعاناة فئة من المجتمع ولتسليط الضوء على ظاهرة تجاهلها القانون والمجتمع لعقود طويلة.





