الصحراء المغربية في قلب خطاب عيد العرش.. دبلوماسية متزنة تحصد ثمار الاعتراف والتأييد

يجدد الملك محمد السادس في كل مرة تحل فيها ذكرى عيد العرش المجيد، تأكيده على القضايا الجوهرية التي تشكل أولويات المملكة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية التي تحضر دائما بقوة في خطاباته، حيث شكل خطاب العرش لهذه السنة محطة جديدة لتسليط الضوء على المكاسب الدبلوماسية التي راكمها المغرب، ولا سيما الزخم الدولي المتزايد حول مبادرة الحكم الذاتي، التي بات يُنظر إليها من قبل عدد متزايد من الدول كحل وحيد جاد وواقعي للنزاع الإقليمي المفتعل.
وفي هذا السياق، ثمّن الملك محمد السادس الدعم الدولي المتنامي لهذه المبادرة، معتبرا إياه ثمرة لنهج مغربي قائم على الوضوح والحزم والحكمة، وهي إشادة تفتح المجال لقراءة استراتيجية تعكس تحولا نوعيا في تعاطي المنتظم الدولي مع ملف الصحراء.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي حسن بلوان في تصريح لموقع “برلمان.كوم” إن الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش لهذه السنة كان مختلفا وثوريا في لغته ورموزه ورسائله الداخلية والخارجية، حيث لم يقف الملك محمد السادس عند المنجزات التاريخية وغير المسبوقة داخليا وخارجيا كثيرا، بقدر ما سلط الضوء على بعض العقبات والمشاكل التي تحول دون تنمية حقيقية خاصة في العالم القروي، مقدما في نفس الوقت حلولا عملية وتوجيهات سامية حتى لا يبقى المغرب يسير بسرعتين.
فيما يتعلق بالشق الخارجي، أضاف الخبير أنه قبل أن يشيد الملك محمد السادس بالدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي والذي كان آخره المملكة المتحدة ودولة البرتغال، توجه جلالته لإعادة مد يد الحوار والمصالحة مع الجارة الشرقية انطلاقا من مسؤولياته التاريخية كقائد فذ يؤمن فعلا ويقينا أن سياسة اليد الممدودة والحوار الصريح هي السبيل لتجاوز الملفات والقضايا العالقة بين البلدين الجارين.
وفي نفس الوقت، يضيف ذات المصدر، أنها إشارة على أن المغرب الصاعد الإقليمي رغم أنه يؤمن بالحوار والتفاهم داخل الإطار المغاربي لن ينتظر طويلا تفاعل النظام الجزائري الذي يقود المنطقة نحو المجهول. مؤكدا على أن المغرب ماض في مشاريعه وبرامجه الاستراتيجية وعلى رأسها صيانة وحدته الترابية ومن هذا المنطلق جاءت الإشادة بتعاظم الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي كحل واقعي يحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف خدمة للتنمية والاستقرار والسلام الإقليمي والدولي.
وتابع بلوان، أن المغرب وبقيادة الملك محمد السادس يفضل دائما الحوار الصريح والبناء ملتزم في نفس الوقت بالصرامة التي تفرضها حماية السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة، وبناء عليه فإما أن تنخرط الجزائر في الدينامية الدولية وتستغل فرصة اليد الملكية السامية الممدودة، وإما ستزيد عزلتها الإقليمية والدولية وستدفع داخليا فاتورة 50 سنة من استنزاف أموال الشعب الجزائري في قضية خاسرة أصبح هناك إجماع دولي على أنه آن الأوان لطيها.
من جهة أخرى، قال المحلل والباحث في تحليل الخطاب إسماعيل العمري، في تصريح لـ”موقع برلمان.كوم” إن الملك محمد السادس أعاد في خطابه التأكيد على النجاحات الدبلوماسية التي حققها المغرب، من خلال تعزيز موقع مقترح الحكم الذاتي كخيار وحيد واقعي لإنهاء النزاع، وهو ما انعكس من خلال الدعم المتزايد من عدد من الدول المؤثرة، مثل الولايات المتحدة وفرنسا والبرتغال.
ويرى العمري أن الطرح المغربي أثبت جديته وفعاليته، مما دفع مجموعة من الدول إلى اعتباره حلا صائبا، وهو ما جعل المغرب ينتقل إلى السرعة القصوى لحسم الملف، عبر الحزم والمبادرة، مع الحفاظ على الحكمة والتبصر في مواجهة الخطابات الانفعالية لخصوم وحدتنا الترابية.
وأكد ذات المتحدث على أن لهذه الإشادة دور أساسي ومهم لأنها تشكل إعلانا لتآكل وتلاشي أطروحة الانفصال، التي أثبتت هشاشتها وعدم مصداقيتها، مشيرا إلى أن آثار هذا الزخم الدبلوماسي تتجلى في خمس نتائج رئيسية.
أولا، تعزيز الشرعية الدولية للمقترح المغربي، وثانيا تزايد عزلة جبهة البوليساريو على المستوى الدبلوماسي، وثالثا فتح المجال أمام استثمارات كبرى في الأقاليم الجنوبية، ورابعا تعزيز موقع المغرب كشريك استراتيجي موثوق لأوروبا، وأخيرا تقوية الموقف المغربي داخل مجلس الأمن والدفع نحو تسوية نهائية قائمة على مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
وفي سياق متصل، أشار ذات المتحدث إلى أنه رغم المكاسب الدبلوماسية المحققة، لم تغب دعوة الملك محمد السادس للجارة الجزائر عن الخطاب، حيث جدّد الدعوة إلى “حوار صريح وبناء يخدم مصلحة الشعبين”، في تجسيد لنهج الدبلوماسية الهادئة والحكيمة التي اختارها المغرب، والتي يرى فيها العمري “أسلوبا راجحا ساهم في كسب تأييد دولي متنام لموقف المغرب”.
وتابع العمري تصريحه بالتأكيد على أن المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، مستمر في نهجه السياسي المتبصر، والذي بدأ يعطي ثماره على المستويين الإقليمي والدولي، بما يعزز الأمل في إنهاء هذا النزاع المفتعل بشكل نهائي وعادل.
وأكد على أن المغرب يسير بثبات نحو تحقيق المزيد من الانتصارات الدبلوماسية وكسب دعم دول جديدة، مستندا في ذلك إلى رؤية استراتيجية متبصرة تنتهجها المملكة تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، بما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية ويقربها من تسوية نهائية لقضية الصحراء على أساس مبادرة الحكم الذاتي.





