الأخبارسياسةمستجدات

انتفاضة اليمن واغتيال صالح.. المحددات الجديدة للبيئة الاستراتيجية اليمنية

الخط :
إستمع للمقال

يعيش اليمن في هذه الأثناء على وقع انتفاضة شعبية انطلقت شرارتها من العاصمة صنعاء لتعم باقي المناطق اليمنية في تحول نوعي واستراتيجي للوضع في اليمن، في ظل رفض شعبي للمشروع الإيراني بالمنطقة ممثلا في ميليشيا الحوثي.

هذا التحول النوعي يفرض علينا بسط آليات التحليل والفهم من أجل ترتيب تكتيكات المواجهة التي يفترض أن تحدد توجهات “الشرعية” وقوات التحالف العربي قصد حسم معركة اليمن كمقدمة للقضاء على المشروع الإيراني في المنطقة عبر ضرب أحد أهم أذرعه العسكرية ممثلا في ميليشيا الحوثي.

في هذا السياق، تعرف البيئة الاستراتيجية في اليمن منعطفاً حاسما في ظل ما يصطلح عليه في القواميس الاستراتيجية بظاهرة “التبدل السياسي”، أو عندما “لا تتحقق نتائج تعرضية جراء انهيار المدافع، وعند “نقطة ذروة” يوشك المهاجم أن يفقد تفوقه المؤثر، والاندفاع إلى ما وراء هذه النقطة دون فرصة معقولة لحسم إيجابي وشيك هو أمر خطير”.

على هذا المستوى، يُفترض أن تكون للحرب تكتيكات واضحة من خلال قراءة ذكية لتحركات العدو ومنطلق هجماته وتمركز قواته وكذا طرق الإمداد والمواصلات وأماكن تخزين الأسلحة والعتاد والمؤن. هذه القراءة لمسرح العمليات ستفرز لنا “مركزاً للثقل” الذي يفترض أن يكون هدفا لضربات قوات التحالف العربي وتركيز الطاقات العسكرية عليه.

يقول كلاوزفيتز، فيما يمكن أن يكون إسقاطا على الوضع في اليمن: “فاحتلال عاصمة العدو أكثر أهمية أحيانا من تدمير جيشه…ولو استطعت قهر كل أعدائك بقهر واحد منهم، فيجب أن يكون هذا الدحر هو الهدف الرئيسي للحرب”. (عن الحرب ص 824).

وفي ظل التطورات المتلاحقة في اليمن، يُفترض على قوات التحالف العربي التي يشارك فيها المغرب، بالتنسيق مع قوات الشرعية اليمنية، التحرك بالسرعة المطلوبة حيث يبقى عامل “المباغتة” ممثلاً في السرعة والرفع من قوة الهجمات وتنويع الجبهات مفاتيح استراتيجية لدحر العدو الحوثي.

إن معاينة سياقات الصراع الإيراني العربي المعلن تشير إلى أن جبهات المواجهة، على الأقل المعلنة، تبقى هي لبنان والعراق واليمن مع اعتبار هذه الأخيرة هي “الحرب الرئيسية” بتعبير الاستراتيجي فون شليفن الذي يرى إمكانية خوض حربين في آن واحد إذا ما توفرت الوسائل والأدوات مع ضرورة التركيز على “الحرب الرئيسية” وتوجيه أكبر قدر من الموارد والقوى والفعاليات نحوها.

هذا المعطى، يقتضي تكثيف العمل السياسي والدبلوماسي على الجبهة اللبنانية ومواصلة إنهاك حزب الله اللبناني هناك، لكن مع ضرورة تكثيف العمل العسكري النوعي على الجبهة اليمنية. وهنا يجب التركيز على مراكز الثقل الأساسية في هذه الحرب والمتمثلة أساسا في زعماء ميليشيا الحوثي وعلى رأسهم عبدالمالك الحوثي، حيث سيمكن القضاء عليه أو “قطع رأس الأفعى” كما يصطلح عليه في الأدبيات الحربية، من توجيه ضربة معنوية جد قوية لأتباع المشروع الصفوي في المنطقة، خصوصا وأن الارتباط بميليشيا الحوثي هو ارتباط مادي ومصلحي ولا علاقة له بعقيدة دينية أو ولاء قومي أو وطني، على اعتبار أن التيار الحوثي لا يمثل سوى 2% من مجموع سكان اليمن، مما يجعل من استهداف “رأس الأفعى” مقدمة رئيسية لاندحار المشروع الإيراني باليمن.

مركز الثقل الآخر، الذي يبقى مفتاحا لحسم الوضع العسكري في اليمن، يكمن في دخول العاصمة صنعاء والقضاء على التواجد الحوثي هناك، الشيء الذي سيفقد الحوثي، عمليّاً، السيادة السياسية على اليمن في ظل هشاشة القبضة الأمنية وغياب العمق الشعبي للحوثيين على مستوى باقي المحافظات اليمنية.

نقطة أساسية أخرى مرتبطة، هذه المرة، بالتطورات الخطيرة التي أعقبت الانتفاضة اليمنية واغتيال الرئيس المغدور علي عبدالله صالح، حيث عمد الحوثيون إلى إعدام أكثر من 200 أسير ينتمون للمؤتمر الشعبي العام، كما قاموا بمنع وصول الإمدادات الغذائية والمؤن التموينية إلى صنعاء، الشيء الذي يشكل انتهاكا خطيرا للحقوق الأساسية للشعب اليمني ومحاولة إبادة جزء منه لا لشيء إلا لانتماءات قبلية معينة كانت تعتبر المرتكز الشرعي والسياسي للمؤتمر الشعبي اليمني. هذا المعطى يفرض الضغط في أروقة الأمم المتحدة من أجل حث مجلس الأمن الدولي على إعمال الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتدخل عسكريا في صنعاء نظرا لأن الانتهاكات الجسيمة وحرب الإبادة التي يشنها الحوثيون ترقى إلى مستوى تهديد الأمن والسلم العالميين والتي تم اعتمادها، سابقا، في حرب البوسنة ورواندا من أجل شرعنة التدخل الأممي لدواعي إنسانية.

عبدالحق الصنايبي: متخصص في الدراسات الاستراتيجية والأمنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى