اخبار المغربمجتمعمستجدات

بوغطاط المغربي | حرب الوعي السيادي.. حرب كل المغاربةالحلقة 6: تفكيك هندسة الحرب على الوعي السيادي المغربي

الخط :
إستمع للمقال

منذ الحلقة الافتتاحية، تابعنا كيف يُصنع السُّخط ويُغلَّف بالتضبيع، وكيف تنقلب “المعارضة” إلى واجهة لابتزاز عابرٍ للحدود، ثم كيف يُستثمر التزييف العميق والتشهير الرقمي لتفخيخ الثقة في المؤسسات، قبل أن يُستكمل المشهد بسردية “الصراع داخل الدولة” وبملاذاتٍ آمنة منحها القانون الكندي لعصابات سيبرانية تُدير حربها من الخارج. اليوم نصل إلى قلب المتاهة: من يحرِّك هذه الخيوط جميعا؟ ومن أين يأتى المال، والحماية، وخططُ الإيقاع بالدولة؟

عند السطح تبدو الأسماء متفرّقة: هشام جيراندو في مونتريال، مهدي حيجاوي بين باريس ومدريد وأبوظبي، علي المرابط في برشلونة، وآخرون يتقافزون من دولة لأخرى. غير أن السلسلة السابقة بيّنت أن هؤلاء ليسوا أكثر من واجهاتٍ قابلة للاستبدال. في الخلف تقف عُقدة تمويل وتوجيه تبدأ من حسابات ابتزاز في كندا وأوروبا وتنتهي عند مراكز نفوذ خليجية، أبرزها الدائرة المرتبطة بطحنون بن زايد، التي وجدت في “معارضة رقمية” متشظّية ذراعا ناعمة لمغازلة النفوذ داخل المغرب، بل ولمحاولة إعادة توزيع موازين القوة على مقاسها.


في منتصف السلسلة ظهر إلياس العماري باعتباره همزة الوصل بين المال الخارجي والأدوات الداخلية. فقد استثمر رصيدا قديما من العلاقات ـ السياسية والإعلامية والأمنية ـ ليمنح حيجاوي شرعية وهمية، ويوفِّر لجيراندو منصّاتٍ للترويج. العماري، الذي خرج من المؤسسات وفي عنقه شعورٌ بفوات “لحظة السلطة”، قرأ في هذه الشبكة طريقا انتقاميا لإرباك مركز القرار، وتحديدا مؤسسة الأمن التي أفشلت كل محاولاته السابقة في النيل منها.

لم يكن كافيا إنتاج الأكاذيب داخل يوتيوب وفيسبوك؛ كان لا بدّ من حوامل تضفي على السردية مسحة “صدقيّة دولية”. هنا يبرز الدور المزدوج لمحامين مثل ويليام بوردون، يقدّمون خدمات “الدفاع عن الحريات” بينما يؤمِّنون الغطاء القانوني لحملات التشهير، ولصحافيين في مؤسسات فرنسية كبرى يتعاطون بخفّة مع وثائق مفبركة صُنعت داخل “مطبخ حيجاوي”. هكذا يلتقي التضليل الإعلامي بـ Lawfare أي تحويل المحاكم إلى ساحة صراع سياسي، في محاولة لإحراج القضاء المغربي، ثم لتعميم صورة دولة تكمِّم الأفواه لتبرير الحملة من جديد.

امتلاك المغرب لخطٍّ نادر من الاستقرار في محيط إقليمي مضطرب يجعله هدفا مغريا. نجاح الأجهزة الأمنية في تجفيف منابع الإرهاب، واستعداد البلاد لاحتضان مونديال 2030، واستقطابها استثماراتٍ نوعية في أوراش استراتيجية، في الطاقة المتجددة والبنيات التحتية والموانئ البحرية… كلّها رهانات كبرى لا يروق لبعض العواصم أن تُحسم لصالح الرباط. حين تُشكّل الأجهزة الأمنية “رافعة ثقة” للمستثمرين، تصبح هي الهدف: ضرب صورتها يضرب تلقائيا بيئة الأعمال، ويعيد العجلة إلى الخلف حيث يمكن التفاوض ــ أو الابتزاز ــ من موقع قوّة.

عناصر الشبكة أُسقطت واحدةً تلو أخرى. لكن الدرس الأهم هو أن الحرب على الوعي لا تنتهي بتوقيف شخص أو حجب قناة. المطلوب اليوم:

• تشبيكٌ قضائي أكبر مع الدول التي تُمارس فيها الجريمة السيبرانية، لإغلاق الفجوة بين نصّ القانون وتنفيذه.
• شفافية مالية صارمة تلاحق مسارات المال المشبوه، وتمنع تحوّله إلى نفوذ سياسي.
• دبلوماسية سيادية هجومية تُحْرِج العواصم التي تسمح باستغلال أراضيها من دون تحمّل مسؤولية الضرر.
• إعلام استقصائي وطني محترف يكشف الخيوط في حينها بدل تركها تتراكم في الظل، ويعيد تشكيل الرأي العام على أساس الوقائع لا الانفعالات.
• مناعة مجتمعية رقمية تُدمج في المدارس والجامعات، تعلّم الأجيال أن التحقّق من المعلومة ليس رفاهية ثقافية بل واجب وطني.

“حرب الوعي السيادي” التي تتشظّى على شاشات الهواتف وأعمدة الصحف المأجورة هي ــ في الجوهر ــ حربُ تعريف: من يملك حقّ تسمية الواقع؟

لسنوات تركنا لوبياتٍ إعلامية وأصواتا متحولة تحدّد لنا طبيعة دولتنا وحدود مؤسساتنا. هذه السلسلة حاولت أن تستعيد زمام السردية، لا بتلميع الأخطاء ولا بجلد الذات، بل بوضع الوقائع في سياقها، وكشف من يحوّل حرية التعبير إلى قنابل وقتية تُرمى على حوائط الشرعية.

لقد أثبت المغرب أنه قادر على هزم الإرهاب حين كان الإرهاب قنابل ورشاشات؛ وهو قادر على هزيمته اليوم وقد صار “محتوىً فيروسيّا” و”تسريبا مفبركا”. لكن الانتصار النهائي لن يتمّ إلا بشراكة تجمع الدولة والمجتمع: أمنٌ محترف يسبق الخطر بخطوات، وقانونٌ يلاحق المال القذر حيثما تحرّك، وإعلامٌ يضيء الزوايا المعتمة، ومواطنٌ يعرف أن السيادة مسألة وجود تصان بالوعي قبل أن تحمى بالسلاح.

هذه الحرب حربنا جميعا؛ ومن أجلها وُلد هذا العنوان: “حرب الوعي السيادي… حرب كلّ المغاربة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى