اخبار المغربمجتمعمستجدات

بوغطاط المغربي | من صحافة المظلومية الزائفة إلى صحافة الانتقام.. علي لمرابط يغرق في الشخصنة المرضية

الخط :
إستمع للمقال

بعد أن كانوا بالأمس القريب يحاولون الظهور بمظهر الجبهة الموحدة والمتحدة ضد “المخزن”، طفت على السطح مؤخرا مجموعة خلافات “غير مأسوف عليها” بين أشباه معارضين، كشفت معدن فئة هجينة من “المناضلين حسب الطلب” و”الصحفيين الحاقدين”، لا يحركهم مبدأ ولا توجّه إصلاحي، بل مجرد رغبة مزمنة في تصفية الحسابات، يغلّفونها بشعارات حرية التعبير وحقوق الإنسان. هؤلاء لا يطالبون بإصلاح الدولة، بل يطالبون بالثأر لأنفسهم. وما يوحّدهم ليس القيم، بل العُقد.

لا أحد يُجسد هذا النموذج أكثر من علي لمرابط، الذي قضى سنوات يبيع صورة “الصحفي المنفي”، بينما كان يعيد تدوير إخفاقاته الذاتية على شكل مظلومية زائفة. لكن ما كان يحرص على إخفائه انكشف تدريجيا: هشاشة مهنية، حقد شخصي، وارتباطات انتقائية تُوجّه بوصلته نحو خصوم محددين سلفا.

لمرابط لا يُهاجم ما يعتبره فسادا كمبدأ، بل يُهاجم من يُذكّره بإبعاده عن الضوء. لا يرى في محمد زيان خصما رغم كل انحرافاته، فقط لأنه شريك غير معلن في خصومة قديمة مع بوبكر الجامعي. لا يفتح فمه عن تحرشات زيان، ولا عن مساهمته في غلق “لو جورنال”، لأن الدوافع الشخصية هي من تحدد من يُهاجم ومن يُهادَن.

فالرجل الذي يهاجم باستمرار شخصيات يعتبرها “عملاء للمخزن”، قرر أن يستثني من لائحته السوداء شخصا واحدا: محمد زيان. لا لشيء، إلا لأن زيان يشاركه نفس الحقد القديم ضد بوبكر الجامعي، وهو العدو المشترك الذي أقال لمرابط من رئاسة تحرير “لو جورنال” ذات يوم، بعد أن رفض نشر مقال مريب بعنوان “المخزن الجديد وصل”، أراد لمرابط من خلاله تأجيج الصراع ضد الدولة في بدايات عهد الملك محمد السادس.

هذه الخلفية وحدها تكفي لفهم سبب هذا “الولاء الانتقائي”. لكن الفضيحة لا تقف هنا. فلمرابط، الذي اتهم الفرنسي كلود مونيكيه بأنه سبب في إغلاق “لو جورنال”، تجاهل عن عمد أن محمد زيان كان محامي هذا الأخير في القضية التي انتهت بالحكم على الصحيفة بأداء 3 ملايين درهم. أليس منطق لمرابط، إن كان مستقيما، يفرض عليه وضع زيان ومونيكيه في نفس الخانة؟ أم أن تصفية الحساب مع الجامعي تعمي البصيرة وتغني عن النزاهة؟ ثم كيف يمكن لمدّعٍ بالدفاع عن حرية التعبير أن يصطف إلى جانب زيان، المعروف بعدائه الممنهج للإعلاميين؟ كيف يبرر لمرابط تحالفه مع هذا الشخص؟ بعقلية العصابة أم بشهوة الانتقام؟

والأدهى من ذلك، أن لمرابط لا يتردد في اتهام من كان بالأمس يقدمهم رموزا للصحافة المستقلة بأنهم “غير مهنيين” و”وغير نزهاء أخلاقيا”، بينما هو نفسه أفشى رواية مزعومة عن سليمان الريسوني، أقحم فيها الوزير السابق المصطفى الرميد، رغم علمه المسبق بأنها كانت ستُنشر لاحقا في كتاب يعمل عليه هذا الأخير. فعل ذلك طمعا في “السبق”، بعد أن قام بتحريفها، ثم لما تمادى في الاستفزاز، خرج غاضبا لأن الريسوني كذّبه علنا.

والمشهد الأكثر تعقيدا هو ما حدث قبلها، حيث كان الريسوني نفسه قد سرّب للمرابط معلومة أخرى، وطلب منه عدم نشرها، غير أن لمرابط لم يتردد في خيانته ونشرها بدافع التوهج اللحظي، بمجرد وقع الخلاف، لم يتردد لمرابط في كشف مصدره بينما كان يؤكد قبلها بأيام قليلة فقط حرصه على احترام أخلاقيات الصحافة في حماية المصادر. هذا التبادل الساخر للمواقف يكشف شيئا أعمق: الكل يلعب لعبة مزدوجة، والكل مستعد لحرق الآخر إذا اقترب من دائرة الضوء أكثر مما ينبغي.

في قلب هذا الحلف الفجّ، يظهر اسم محمد زيان، ليس فقط كمحامٍ متورط في قضايا تشهير وتحرش، بل كصانع سرديات، يتقاطع فيها مع لمرابط، ويتكامل معها عبر أطراف ثالثة، أهمها مهدي حيجاوي.

حيجاوي الذي يُقدّمه كلود مونيكيه – المتقاطع هو الآخر مع زيان – بوصفه “الصديق الشخصي” و”الرجل الثاني سابقا في المخابرات الخارجية المغربية”، تحوّل بسرعة إلى مصدر رئيسي للقصص المفبركة التي يُعيد تدويرها علي لمرابط في فيديوهاته، دون تمحيص أو تحقق، وكأن الأمر يتعلق بحقيقة نهائية لا تقبل النقاش.

من مونيكيه إلى زيان، ومن زيان إلى حيجاوي، ثم إلى لمرابط، تتشكل شبكة إعلامية موازية، لا تسعى إلى فضح فساد فعلي، بل إلى صناعة وهم إعلامي يُستخدم كأداة ابتزاز وضغط سياسي خارجي.

والريـسوني، بدوره، ليس خارج هذه المنظومة. فهو من مدرسة “الادعاء المضاد”.. أي عوض مواجهة الحقيقة، يلجأ إلى اتهام الدولة بالتآمر. لكن لما انقلب عليه حلفاؤه، كما فعل لمرابط، اكتشف متأخرا أن من يُقيمون “جبهة دفاع” حوله، إنما يفعلون ذلك طالما كان مفيدا كرمز. بمجرد ما اختلف معهم، تحوّل إلى خصم، بل إلى كاذب.

هكذا تسقط السرديات: من مظلومية إلى نزاع حول “ملكية المعلومة”، من تحالف نضالي إلى مهاترات شخصية. في النهاية، نحن أمام هواة يلعبون أدوارا قذرة بأدوات انتقامية.

الأمر لا يقف هنا. فالتحالفات الهشة التي ينسجها لمرابط تمتد إلى وجوه أخرى من ذات الخلطة: من مهدي حيجاوي إلى هشام جيراندو، حيث تتقاطع مصالح “المجرمين المتسلسلين” مع محترفي تبييض الذات عبر المنصات. وكلما ضاقت الحيلة، استُدعي قاموس المؤامرة و”المخزن العميق” و”الإعلام المأجور”، لتبرير مواقف لا تصمد أمام أبسط تحليل منطقي.

وإذا عدنا إلى ادعاء كلود مونيكيه أنه يعرف مهدي حيجاوي شخصيا، فهل كان زيان ومعه لمرابط، طرفا في هذه الدوائر المترابطة التي لعبت دورا في إسقاط “لو جورنال”؟ وإن صحّ هذا، فهل نحن أمام حلف انتقامي قديم أعاد تشكيل نفسه تحت غطاء النضال من أجل الشفافية؟

سواء تعلق الأمر بعلي لمرابط، أو بسليمان الريسوني، أو بمحمد زيان،  فإن القاسم المشترك بينهم هو تحوّلهم جميعا من فاعلين محتملين إلى ضحايا مُعلنين، يعتقدون أن العالم مدين لهم بتعويض نفسي دائم. لا أحد منهم يعترف بخطأ. لا أحد منهم يبني مشروعا حقيقيا. كلهم يعيشون على حساب الماضي، ويتصارعون على صكوك النضال، وكأنهم وحدهم من يقرر من هو الضحية ومن هو الجلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى