اخبار المغربمحليات

تارودانت.. اللقاء التشاوري يُعرّي واقع التنمية ويُعيد طرح سؤال الفشل التنموي في إقليم مترامي الأطراف

الخط :
إستمع للمقال

احتضنت قاعة الاجتماعات بدار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمدينة تارودانت أمس الأربعاء 12 نونبر 2025، لقاءً تشاورياً ترأسه عامل الإقليم مبروك تابت، خُصص لعرض مضامين “الجيل الجديد من برامج التنمية المندمجة”، في إطار الدينامية الوطنية التي أطلقها الملك محمد السادس، والرامية إلى إرساء نموذج تنموي جديد يقوم على العدالة المجالية والاجتماعية.

وخلال كلمته الافتتاحية، استعرض المسؤول الأول على الإقليم الذي يضم 89 جماعة معظمها جماعات ترابية قروية فقيرة وهشة، أهم المؤهلات التي يزخر بها هذا الأخير، إلى جانب التحديات الكبرى التي لا تزال تعيق مسار التنمية، من قبيل ضعف البنيات التحتية، محدودية فرص الشغل، الإكراهات المرتبطة بالماء، وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية.

لكن هذا الخطاب، الذي اتسم بنبرة واقعية واعتراف صريح بحجم الصعوبات، يطرح في المقابل تساؤلات مشروعة ومقلقة من قبيل: أين ذهبت الميزانيات الضخمة التي رُصدت لبرامج التنمية السابقة؟ ولماذا لم تنعكس تلك الاعتمادات المالية على واقع الإقليم ومعيش الساكنة؟

فكلمة عامل الإقليم، رغم وضوحها في التشخيص، كشفت ضمنياً عن فشل المقاربات السابقة التي لم تنجح في تحقيق التوازن الترابي والعدالة الاجتماعية التي طالما نادى بها الملك محمد السادس وشدّد على ضرورة العمل بتفان وبنكران للذات لتنزيلها، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: كيف يمكن الوثوق بجيل جديد من البرامج دون تقييم جدي وحقيقي للجيل السابق؟

إن ما تحتاجه تارودانت اليوم ليس تكرار نفس الخطاب، بل إرادة حقيقية في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتدبير شفاف يضمن أن لا تُهدر موارد الإقليم في مشاريع موسمية أو شعارات مؤقتة، لأن التنمية ليست مجرد خطة تقنية أو وثيقة مفاهيمية، بل نتائج ملموسة في حياة الناس، تتجلى في مدرسة تليق بالتلميذ، مستشفى يحترم المريض، طريق آمنة، ومصدر شغل كريم…

غير أن تنزيل أي برنامج تنموي، كيفما كانت طبيعته أو أهدافه، لا يمكن أن يتحقق بمجرد توفير الاعتمادات المالية أو وضع التصورات التقنية، لأن نجاح أي ورش تنموي رهين بتوفر إرادة حقيقية في الإصلاح، لكنه يحتاج أكثر إلى الموارد البشرية الكفؤة، باعتبارها العمود الفقري لأي سياسة عمومية، والعنصر الذي يسهر على التنزيل الأمثل للبرامج على أرض الواقع.

غير أنه، وبالرجوع إلى الوضع الحالي بإقليم تارودانت، يلاحظ أن المشهد الإداري لا يزال تُهيمن عليه نفس الوجوه التي تصدرت مواقع المسؤولية على رأس الأقسام والمصالح داخل مقر العمالة منذ سنوات، بعضها لم يبرهن عن نجاعته في تدبير الملفات التنموية، ومع ذلك ما زال حاضراً في الصفوف الأمامية، يُوجّه، ويُنفّذ، ويُواكب مختلف المبادرات.

هذا الواقع يطرح إشكالاً حقيقياً يرتبط بمدى تجديد النخب الإدارية المحلية داخل الإدارة الأولى في الإقليم، ويؤثر سلباً على ثقة المواطن في المؤسسات، إذ يصعب إقناعه بجدية أي تحول ما دامت نفس الأسماء التي راكمت الإخفاقات وتحوم حولها الشبهات لا تزال تتحرك في الواجهة وفي الكواليس، وربما قد تتحكم في مفاصل اتخاذ القرار على مستوى الإقليم.

ورغم أن اللقاء التشاوري جاء في سياق وطني شامل، إلا أن الساكنة المحلية تتطلع إلى أن تكون مخرجاته بداية لتصحيح المسار، لا مجرد محطة جديدة لتدوير نفس الخطابات. فالرهان الحقيقي اليوم هو الانتقال من زمن الكلام إلى زمن الفعل، ومن ثقافة التبرير إلى ثقافة المحاسبة، لأن التنمية المندمجة لن تتحقق إلا حين يشعر المواطن أن كرامته هي محور السياسات العمومية ويلمس التغيير على أرض الواقع وفي معيشه اليومي لا مجرد عناوين في الكلمات الرسمية.

ويبقى التساؤل مطروحًا اليوم بإلحاح حول مصير برامج عمل الجماعات الترابية، التي يُلزمها القانون التنظيمي رقم 113.14 في مادته 78 بإعدادها خلال السنة الثانية من الولاية الانتدابية، باعتبارها وثائق مرجعية تحدد أولويات التنمية المحلية وأدوات تنفيذها؟ ثم ماذا عن برامج التنمية الجهوية التي أنفقت بشأنها بعض المجالس الجهوية ملايين السنتيمات لإنجازها عبر مكاتب دراسات متخصصة؟

وما محل هذه الوثائق من الإعراب في ظل اللقاءات التشاورية الجديدة التي غاب عن واجهتها المنتخبون، في وقت يُفترض فيه أن يكونوا شركاء أساسيين في بلورة السياسات العمومية الترابية؟ أم أن الأمر يتعلق بمحاولة لإعادة ترتيب الأوراق وملاءمة البرامج السابقة مع الجيل الجديد من برامج التنمية المندمجة التي تشرف وزارة الداخلية على إعدادها تنزيلا للتوجيهات الملكية، بما يضمن الانسجام والتكامل بين مختلف مستويات التخطيط الترابي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى