
آخر أخبار تشكيل الحكومة، التي طال انتظارها بدون جدوى تشير إلى أن عبد الإله ابن بنكيران، رئيس الحكومة المعين، قد وصل بالفعل إلى طريق مسدود بعد أن تعمقت أزمة مشاوراته مع الفرقاء السياسيين وخاصة مع رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش.
هذا على الأقل ما يستخلص من تصريح لمصدر مقرب من ابن كيران ليومية “أخبار اليوم” في عددها الصادر اليوم الاثنين، قالت فيه إن “المفاوضات انتهت ورئيس الحكومة ينتظر عودة الملك” من جولته الافريقية.
هذا الحسم في موقف ابن كيران، جاء على إثر تأكيد أخنوش خلال تجمع حزبي أول أمس السبت، بإفران ،على تشبته بمشاركة الاتحاد الإشتراكي في الحكومة.
المصدر المقرب من زعيم “البيجيدي” قال أيضا، إن هذا الأخير استغرب الطريقة التي تحدث بها أخنوش، “وكأنه هو رئيس الحكومة الذي يختار من يدخل ومن يخرج من الحكومة”، مضيفا أن تصريحات أخنوش تعني أن “المفاوضات انتهت”، وأن ابن كيران ينتظر فقط عودة الملك لتقديم تقرير مفصل إليه عن مسار مفاوضات تشكيل الحكومة”، وحينها سوف يكون على الملك اتخاذ ما يراه مناسبا، يضيف ذات المصدر.
هكذا إذن، يعلن ابن كيران رسميا وربما نهائيا، عن فشله في التوافق مع الفرقاء السياسيين حول بناء تحالف لتشكيل حكومة، من أجل تحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة منذ أكثر من 5 أشهر ،وإنقاذ البلاد من الجمود السياسي والاقتصادي القاتل الذي تعيشه، وكأن الزمن المغربي لا يساوي شيئا بالنسبة للنخبة السياسية.
الإعلان عن فشل ابن كيران في تشكيل الحكومة يأتي بعد مرور أسابيع ، كانت أنظار المغاربة خلالها متجهة صوب القارة الإفريقية لمتابعة المحطات المتتالية للجولة الملكية الجديدة في ربوع إفريقيا، وكادوا ينسون أخبار الحكومة التي تعكر أمزجتهم ، قبل أن يعود اللغط من جديد في نهاية الأسبوع حول موضوع الحكومة، ليستأنف التفاوض أو على الأصح “التراشق”، بواسطة البيانات والتصريحات المتبادلة بين رئيس الحكومة المعين ، الذي يتخبط في مأزق العاجز عن تشكيل الحكومة وحلفائه المحتملين في هذه الحكومة وفي مقدمتهم رئيس التجمع الوطني للأحرار ، عزيز أخنوش.
فبمجرد أن عاد هذا الأخير إلى المغرب قادما من إفريقيا ،حيث كان يرافق الملك في جولته ، سارع ابن كيران إلى عقد اجتماع للأمانة العامة لحزبه (الخميس الماضي) توج ببلاغ تجدد من خلاله أعلى هيئة تقريرية في حزب “المصباح” ، بعد المؤتمر، دعمها لابن كيران بشأن حصره تشكيل الحكومة الجديدة في أحزاب الأغلبية السابقة، أي العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، دون الاتحاد الاشتراكي الذي انتخب أحد قيادييه رئيسا لمجلس النواب بدعم من أغلبية من المعارضة، مما زاد الأمر تعقيدا.
وببيان أمانة المصباح، يبدو أن ابن كيران، الذي يعتبره أغلب المتتبعين، المسؤول شخصيا عن المهمة التي كلفه بها الملك، أي تشكيل الحكومة، أراد الاستقواء بالأجهزة القيادية لحزبه، دعما لموقفه وإصراره على تصوره هو في تشكيل الحكومة، في مواجهة خصومه السياسيين وحلفائه المحتملين، وكأن لسان حاله يقول: “أنا، ومن بعد الطوفان”.
ومن هنا يتجلى، برأي المتتبعين، أن ابن كيران وحزبه ينظران إلى تشكيل الحكومة بنظرة حزبية ضيقة، وكأنها غنيمة يجب الاستئثار بها ، ولا يشرك فيها إلا من يرضي عنه هو وحزبه، نظرة تضرب عرض الحائط مصالح البلاد ولا تأخذ في الاعتبار رهاناتها الملحة على مختلف الأصعدة، فضلا عما تواجهه الدولة من تحديات داخلية وخارجية.
أزمة تشكيل الحكومة، التي استفحلت بسبب تصلب ابن كيران وحزبه، أصبحت تهم الرأي العام بما تنطوي عليه من مخاطر على مستقبل البلاد ، بالنظر لانعكاساتها السلبية وتداعياتها الكارثية ، سواء على مستوى المزاج العام للمغاربة، أو على الأداء الاقتصادي، خاصة بالنسبة للاستثمار ومواجهة معضلة البطالة التي يلتحق بصفوفها عشرات الآلاف من الشباب ،فضلا عن غياب الحلول للكم الهائل من المشاكل المتراكمة في عدة قطاعات .
والواقع أن أزمة تشكيل الحكومة ووصولها إلى طريق مسدود، اختلف المحللون حول السيناريوهات الممكنة للخرود منها ، بين من يرى الحل في إعادة الانتخابات على أمل إفراز أغلبية واضحة تساعد على الخروج من هذه الورطة، ومن يعتبر أن ذلك الخيار من قبيل الرفاهية التي لا تسمج ظروف المغرب الراهنة باللجوء إليه، ويرون مقابل ذلك، الحل في الاحتكام إلى الملك باعتباره رئيس الدولة والمسؤول الأول والأخيرة على ضمان السير الطبيعي للمؤسسات الدستورية، والحكومة تمثل قطب الرحى والعصب الحساس للمنظومة المؤسساتية للدولة.
وإلى أن يتيقظ ضمير النخبة السياسية في هذا البلد، ويراجع ابن كيران، المسؤول شخصيا عن تشكيل الحكومة، حسابته السياسية والحزبية، يحدو المغاربة الأمل في أن يروا قريبا قطار المغرب وقد انطلق في مسيره من جديد من أجل تدارك ما فات.