تقرير: الاستقرار الأمني يرسخ مكانة المغرب كوجهة سياحية مفضلة ومنصة استثمارية إقليمية ودولية

أفاد تقرير حديث أن الأمن في البنية الاقتصادية المعاصرة يشكل عنصرا ذا أهمية قصوى، إذ لم يعد يقتصر على كونه عنصرا مكلفا يثقل كاهل الميزانيات العمومية، بل أصبح رافعة استراتيجية تعادل في قيمتها الاستثمار في البنية التحتية أو الرأسمال البشري.
وأوضح التقرير الذي أنجزه فريق مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، تحت عنوان “الأمن والتنمية: كيف يعزز الأمن فرص الاستقرار والتنمية” أن هذا التحول يجد أساسه في كون الأمن يوفر المناخ الضروري لانسيابية المبادلات وتطور الأنشطة الاقتصادية، حيث يضمن استقرار شروط الإنتاج والتنافسية، مما يجعله أصلا اقتصاديا غير ملموس ينتج قيمة مضافة بعيدة المدى.
وحسب ذات المصدر، تبرز بوضوح العلاقة المركزية بين الاستقرار الأمني واستدامة النمو في التجارب العالمية، حيث توضح المقارنات أن الدول التي تعاني من هشاشة أمنية أو عدم استقرار تخسر نسبا كبيرة من ناتجها الداخلي الخام سنويا، بسبب تراجع الثقة في مناخ الأعمال، وتعطل الاستثمارات، وتنامي كلفة المخاطر، في المقابل، تتمتع الاقتصادات المستقرة أمنيا بميزة تنافسية خفية، تسمح لها بجذب رؤوس الأموال وتثبيت مكانتها ضمن سلاسل القيمة العالمية، حيث يصبح الأمن بمثابة ضمانة اقتصادية صامتة لكنها فعالة، لا ترى نتائجها المباشرة في جداول الميزانية، لكنها تنعكس بوضوح في مؤشرات الاستثمار والنمو والتشغيل.
وقال التقرير إنه “بالنسبة للمغرب، فإن الاستقرار الأمني وكفاءة المؤسسة الأمنية تعد إحدى ركائز النموذج التنموي الذي يتوخى تحقيق تحول اقتصادي واجتماعي متوازن. حيث نجح المغرب، بفضل مقاربة شمولية في مجال الأمن، والقضاء على كل أشكال التهديد الأمني، في توفير مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية وتعزيز صورته كوجهة آمنة على المستويين الإقليمي والدولي، ما مكنه من التموقع كمنصة لوجستية واستثمارية، ليس فقط على صعيد المنطقة المغاربية، بل كذلك على مستوى القارة الأفريقية وحوض المتوسط، حيث تزايدت ثقة الشركاء الدوليين في بيئة ومناخ الأعمال المغربي”.
ووفقا للمصدر تبرز أهمية هذا العامل بشكل خاص عند مقارنته بدول أخرى في المحيط الإقليمي تعاني من هشاشة أمنية أو اضطرابات سياسية، حيث تفقدها هذه الوضعية فرصا استثمارية ضخمة، وتؤدي إلى نزيف في الرأسمال البشري والمالي، مشيرا إلى أن المغرب استفاد “من عنصر الاستقرار الأمني لتعزيز تنافسيته، إذ أصبح الأمن نفسه جزءا من “العرض المغربي” الموجه للمستثمرين وصناع القرار الاقتصادي، إلى جانب الحوافز المالية واللوجستية، حيث لم يعد الأمن مجرد خلفية صامتة، بل تحول إلى عنصر تسويقي واقتصادي يبرز جاذبية البلاد”.
الاستقرار الأمني وتطوير بنية الاستثمار
وأكد التقرير أن الأمن “يشكل عاملا مركزيا في استقرار بيئة الاستثمار، ويعتبر أحد المحددات الأساسية لتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، حيث ساهم الاستقرار الأمني والسياسي في المغرب في تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين، ما انعكس على ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) التي وصلت إلى 26.3 مليار درهم سنة 2023، و43.2 مليار درهم سنة 2024، وهو ما يعكس ليس فقط متانة المؤسسات الأمنية، بل يبرز أيضا كيف أصبح الأمن عنصرا اقتصاديا ملموسا، يقلص من المخاطر ويجعل المغرب وجهة أكثر تنافسية مقارنة بالعديد من دول المنطقة”.
وقدم التقرير مقارنة ببعض التجارب الإقليمية “التي توضح كيف يمكن لغياب الأمن أن يعرقل بشكل مباشر جاذبية الاستثمار، ففي تونس مثلا، بعد أحداث 2015 الإرهابية، تراجعت الاستثمارات الأجنبية بنسبة قاربت 20% خلال سنتين فقط، ما أثر سلبا على قطاعات السياحة والصناعة والخدمات، أما في مصر، فقد كان لانفلات الوضع الأمني بعد أحداث 2011 أثر بالغ، إذ انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 13 مليار دولار سنة 2008 إلى أقل من 3 مليارات دولار سنة 2011، وهو ما يعكس بوضوح أن الأمن ليس مجرد عنصر سياسي، بل محدد اقتصادي استراتيجي”.
وبخصوص المغرب، أكد المصدر أن الاستقرار الأمني ساهم في “تقليص ما يُعرف بـ”منحة المخاطر (Risk Premium)”، أي الفارق الذي يطلبه المستثمرون لتعويض المخاطر الأمنية والسياسية. فكل نقطة انخفاض في مستوى هذه المخاطر تعني خفض تكلفة التمويل وتوسيع قاعدة المستثمرين المحتملين، وهو ما انعكس على تنويع الاستثمارات الأجنبية في المملكة، حيث لم تقتصر على القطاعات التقليدية، بل شملت صناعات متقدمة كالسيارات، الطيران، الطاقات المتجددة، واللوجستيك، مما عزز مكانة المغرب كمنصة إقليمية للإنتاج والتصدير نحو أوروبا وأفريقيا وباقي الأسواق العالمية”.
مردودية الأمن على قطاع السياحة
وبخصوص قطاع السياحة أكد التقرير أنه يرتبط بالأمن ارتباطا عضويا “باعتباره قطاعا شديد الحساسية تجاه الأزمات الأمنية والسياسية، فأي هزة أمنية في بلد ما تكون السياحة أول قطاع يدفع ثمنها، والمغرب بفضل استقراره، استطاع أن يعزز مكانته كوجهة مفضلة لدى السياح، خاصة في ظل التراجع الذي عرفته بعض الوجهات المنافسة في المنطقة، وقد ترجم هذا الاستقرار الأمني إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، حيث استقبل المغرب حوالي 17.4 مليون سائح سنة 2024، محققا مداخيل قياسية تجاوزت 119 مليار درهم، ما جعله أحد أبرز مصادر العملة الصعبة للاقتصاد الوطني، وهو ما يعكس بشكل واضح كيف يتحول الأمن إلى أصل اقتصادي مولد للقيمة المضافة”.
وأضاف المصدر أنه “عند المقارنة مع تونس، تظهر أهمية الأمن وانعكاساته المباشرة على السياحة. فبعد الهجمات الإرهابية التي عرفتها تونس سنة 2015 بكل من متحف باردو وسوسة والتي قُتل على إثرها أزيد من 50 سائحًا أجنبيًا، لم تتمكن تونس من استقطاب أكثر من 3 ملايين سائح في سنة 2016 وما تلاها من سنوات بعد أن كانت تستقطب أزيد من 10 ملايين سائح أجنبي سنويًا. وهو رقم متواضع مقارنة بإمكاناتها، ويترجم ضياع فرص مالية ضخمة كان بالإمكان أن تساهم بقوة في الاقتصاد الوطني لو توفرت ضمانات أمنية قوية، ما يكشف أن ضعف الأمن لا يضر فقط بالقطاع السياحي المباشر، بل ينعكس أيضًا على سمعة الوجهة على المدى القصير والطويل”.
الأمن كعامل حاسم
في هذا المستوى أشار التقرير إلى أن المغرب صُنّف ضمن أفضل 25 دولة في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي سنة 2023، وهو إنجاز يعكس تحسن البنيات التحتية وتطور الممارسات اللوجستية في سياق من الاستقرار، وهو ما يحمل أثرا اقتصاديا ملموسا، إذ يساهم في تخفيض تكاليف النقل ويزيد من سرعة وحجم المبادلات التجارية، بما يعزز تنافسية الصادرات المغربية في الأسواق العالمية.
وقال المصدر إنه “عند المقارنة بدول إفريقية أخرى، يتضح حجم الفرق الذي يحدثه عنصر الأمن. فنيجيريا مثلا، رغم قوتها الاقتصادية وكونها من أكبر منتجي النفط في القارة، ما زالت تواجه تهديدات القرصنة في خليج غينيا وتهديدات الجماعات الإرهابية الأخرى، وهو ما يرفع تكلفة النقل البحري والتأمين بنسبة تتراوح بين 30% و40% مقارنة بالمعدل العالمي، ما يجعل سلاسل التوريد أقل استقرارا ويضعف قدرة نيجيريا على منافسة المغرب الذي يستفيد من موقعه الآمن والاستراتيجي”.
وأضاف أنه “على مستوى الاستثمار الصناعي، كان الأمن والاستقرار عاملين حاسمين في جذب شركات كبرى مثل “رونو” و”ستيلانتيس”، اللتين اختارتا المغرب كقاعدة للتصنيع والتصدير نحو أوروبا وأفريقيا. فالمغرب لم يكتف بالاستثمار في الموانئ كطنجة المتوسط وموانئ الأطلسي، بل وفر أيضا بيئة آمنة تضمن استمرارية سلاسل التوريد دون انقطاع، حيث تحولت المملكة إلى منصة إقليمية للصناعة والتجارة، وتجاوزت قيمة الصادرات الصناعية عتبة 400 مليار درهم سنة 2023، وهو رقم يبرز المساهمة المباشرة للأمن ضمن عناصر الاستثمار الأخرى على مردودية اللوجستيك والاقتصاد الوطني”.