تقرير: المغرب يسرّع وتيرة مواجهة الجفاف.. من قيود الاستهلاك إلى حلول الابتكار

يجد المغرب نفسه أمام تحدٍ مصيري خلال السنوات المقبلة، ففي أعقاب ست سنوات متوالية من الجفاف المستفحل وارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية، باتت المملكة تكابد أزمة مائية لم يسبق لها مثيل، تهدد أركان استقرارها البيئي والاقتصادي والاجتماعي، وتؤكد المعطيات الحديثة هذه الصورة القاتمة، مسجلة عجزا مائيا بلغ 57% بحلول يناير 2024، مع تنبؤات مثيرة للقلق بانحسار حصة الفرد من المياه إلى عتبة ‘الندرة الشديدة’ بحلول منتصف القرن.
واقع جفاف لا يرحم وأرقام مقلقة
في هذا السياق، كشف تقرير صدر مؤخرا، أنه لطالما كان الجفاف سمة مناخية للمغرب، لكن وتيرته وشدته تصاعدت بشكل كبير منذ تسعينيات القرن الماضي، مشيرة إلى أن النماذج المناخية، القائمة على سيناريوهات الانبعاثات RCP 4.5 و 8.5، تتنبأ بانخفاض هطول الأمطار في أحواض الأطلس الكبير بما يصل إلى 65% بحلول عام 2100 مقارنة بمتوسطات ما قبل الثورة الصناعية، وهذا التغيير المتطرف مصحوب بتوقعات بزيادة تواتر حالات الجفاف الشديدة بنسبة 30%.
وحسب ذات المصدر، فإن الانعكاسات على الموارد المائية واضحة ومباشرة. فبعد أن كان نصيب الفرد من موارد المياه 645 مترا مكعبا في عام 2015، من المتوقع أن يتراجع هذا الرقم إلى 500 متر مكعب بحلول عام 2050، ليضع المغرب في منطقة “ندرة المياه الشديدة” حسب تصنيف الخبراء، ويناير 2024، على سبيل المثال، كان الأشد حرارة على الإطلاق في المغرب، حيث بلغت درجة الحرارة 37 درجة مئوية، بينما انخفض هطول الأمطار بنسبة 70% بين شتنبر 2023 وفبراير 2024 مقارنة بالمتوسط الطبيعي.
وتجلت هذه الأزمة في تراجع حاد لمستويات المياه في السدود والخزانات. ففي حين بلغت نسبة امتلاء السدود 55% في بعض المناطق بفضل أمطار أواخر عام 2023، ظلت مناطق أخرى، مثل منطقة الشرق تعاني من انخفاض الاحتياطيات إلى أقل من 25%، سد المسيرة، ثاني أكبر سدود المغرب، وصل إلى مستوى حرج حيث لم تتجاوز نسبة امتلائه 1-2% بحلول فبراير 2024. وقد استدعى هذا الوضع فرض قيود صارمة على استهلاك المياه، مثل حظر غسيل السيارات، وتنظيف الشوارع، وري العشب في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، وامتدت القيود لتشمل إغلاق الحمامات العامة أياما محددة.
استراتيجيات التكيف
لمواجهة هذا التحدي، يتبنى المغرب استراتيجيات طموحة، على رأسها تحلية مياه البحر، فالمغرب يتحول بشكل متزايد نحو هذه التقنية لتكملة إمدادات المياه المتناقصة، وبحلول يناير 2024، تم التخطيط لإنشاء أحد عشر محطة جديدة لتحلية المياه في عامي 2024 و2025، بالإضافة إلى 23 محطة إضافية لمعالجة المياه المالحة في مراحل لاحقة، ومع أن تحلية المياه عملية تتطلب طاقة عالية جدا، والمغرب يستورد 90% من طاقته، مما يجعلها مكلفة نسبيا، إلا أنها تعد حلا حتميا في ظل تدهور الموارد التقليدية.
إلى جانب تحلية المياه، ذكر التقرير أن المغرب يعتمد على تقنية تلقيح السحب كأداة لتخفيف نقص المياه، وقد استثمرت المملكة ما يقرب من 15 مليون يورو في هذه التقنية بين عامي 2021 و2023، وتشير التقديرات إلى أن تلقيح السحب يمكن أن يزيد من هطول الأمطار في المناطق المستهدفة بأكثر من 10% سنويا، ويزيد من الإنتاج الزراعي بنسبة تصل إلى 20% (لشحب 2024). ورغم وجود مخاوف بشأن الآثار البيئية المحتملة ليوديد الفضة المستخدم في هذه العملية، فإن دراسات تشير إلى أن الكميات المستخدمة صغيرة وقد لا تكون سامة بالضرورة.
تداعيات اقتصادية واجتماعية
يشدد التقرير على أن آثار الجفاف لا تقتصر على الموارد المائية وحدها، بل تمتد لتضرب عمق الاقتصاد المغربي، خاصة القطاع الزراعي الذي يُعد ركيزة أساسية، حيث عانى إنتاج اللحوم والحبوب من الجفاف لست سنوات متتالية، مما أدى إلى ارتفاع قياسي في الأسعار، لاسيما قبل عيد الأضحى 2023. وردا على ذلك، تدخلت السلطات المغربية بزيادة واردات المواشي خمسة أضعاف وتطبيق حوافز لخفض الرسوم الجمركية والضرائب لضمان استقرار الأسعار.
كما انعكس الجفاف سلبا على سوق العمل، حيث شهد القطاع الزراعي انخفاضا كبيرا في عدد الوظائف في عام 2024، مما ساهم في ارتفاع معدل البطالة الوطني من 13% في عام 2023 إلى 13.3%، وتشير التوقعات إلى أن إنتاج القمح والشعير سينخفض بنحو 30% دون المتوسط لعام 2024، كما أن الثروة الحيوانية تتأثر بشدة، إذ من المتوقع أن تنخفض أعداد الأغنام في المغرب بنسبة 38% بحلول أوائل عام 2025 مقارنة بعام 2016.
تحديات المستقبل
إن أزمة المياه في المغرب هي نتيجة لتراكم عوامل متعددة، أبرزها التغير المناخي الذي يعمق الجفاف ويزيد من حدة الظواهر الجوية القاسية، ورغم الجهود المبذولة لتوسيع نطاق تحلية المياه وتطبيق تقنيات مبتكرة كتلقيح السحب، فإن حجم التحدي يتطلب رؤية طويلة الأمد وإدارة مستدامة للموارد المائية.
ويرى التقرير أنه على المغرب أن يستمر في تنويع مصادر المياه، وتحسين كفاءة استخدامها في جميع القطاعات، وزيادة الوعي العام بأهمية الحفاظ على المياه، معتبرا أن معركة المغرب ضد الجفاف هي معركة وجودية تتطلب تضافر الجهود الوطنية والدولية لضمان الأمن المائي والغذائي للأجيال القادمة.



