اخبار المغربمحليات

جيل جديد من برامج التنمية بحاجة لجيل جديد من النخب.. حين تتقدم الرؤئ الملكية وتتأخر النخب عن الركب

الخط :
إستمع للمقال

عرفت عمالة أكادير إداوتنان أمس الأربعاء 5 نونبر 2025 تنظيم لقاء تشاوري هام حول برنامج التنمية الترابية المندمجة، في إطار المشاورات الجارية لإطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية على الصعيد الوطني، تنفيذًا للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى جعل التنمية أكثر عدلًا وارتباطًا بحاجات المواطنين وواقعهم المعيشي.

هذا اللقاء الذي حضره مسؤولون ومنتخبون وممثلو القطاعات والمؤسسات المعنية، جاء في سياق وطني يؤكد الحاجة إلى الانتقال من المقاربات الكلاسيكية إلى مقاربات مندمجة ومجالية، تُوحّد جهود الفاعلين وتُوجّهها نحو مشاريع ذات أثر ملموس على حياة المواطنين. وهي الدعوة التي جددها الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش المجيد 29 يوليوز 2025، حين قال: “لقد حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية… وندعو إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.”

غير أنه إذا كنا اليوم نتحدث عن جيل جديد من برامج التنمية، فإن السؤال الذي ينبغي طرحه بجرأة هو: هل نملك فعلًا جيلًا جديدًا من النخب القادرة على ابتكار هذا النوع من البرامج والعمل على تنزيله بمقاربة تشاركية حقيقية، تشمل جميع المناطق دون إعمال منطق الانتماء أو الولاء السياسي؟

فالخطاب الذي تردده أغلب النخب اليوم، بما فيها فعاليات المجتمع المدني، هو نفسه الذي رددته في مناسبات سابقة، نفس العبارات، نفس الشعارات، ونفس الوعود التي تتكرر دون أي تجديد في الفكر أو الرؤية، والسبب في ذلك أنهم لا ينطلقون من تشخيص واقعي وميداني لحاجات المواطن، بل يكتفون بتصريحات عامة تُغلفها النوايا، لكن تحكمها في الغالب النزعات الانتخابوية والسياسوية والحسابات البراغماتية النفعية، بعيدًا عن المصلحة العامة.

لقد أثبت التاريخ والتجارب أن الملك محمد السادس تجاوز هذه النخب بسنوات من التفكير والرؤية، فكل المبادرات الكبرى التي غيرت وجه المغرب في العقدين الأخيرين جاءت من عنده، كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وورش الحماية الاجتماعية، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية و مشروع النموذج التنموي الجديد…، والآن الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية.

ولعل افتقارنا لنخب منتِجة تشتغل بمنطق الصالح العام، هو ما جعل بعض المناطق اليوم تتمنى لو أنها استفادت فقط من الجيل القديم من البرامج التنموية، بعدما حُرمت منها إما بسبب البيروقراطية أو الحسابات السياسية الضيقة، وهكذا وجدنا أنفسنا نعيش في مغرب يسير بسرعتين، مغرب يشهد أوراشًا كبرى ومشاريع استراتيجية تغير وجه الاقتصاد الوطني، ومغرب آخر ما زال يعاني من غياب الماء الصالح للشرب، وضعف البنيات الطرقية، ونقص النقل المدرسي، وتدهور الخدمات الصحية… مفارقة مؤلمة تُختزل في كلمة واحدة: فشل النخب ومركزية القرار الإداري والتنموي.

في المقابل، ورغم أن دستور 2011 وقوانين متقدمة منحت مجالس الجهات صلاحيات واسعة في إعداد وتنفيذ برامج التنمية الجهوية، ورصد لها ميزانيات مهمة، فإن ضعف النخب وغياب الجرأة لدى العديد من المنتخبين جعل هذه الصلاحيات بلا أثر ملموس. لقد ضيّعنا فرصًا ثمينة وأزمنة تنموية كانت كفيلة بأن تجعلنا اليوم نفكر في مرحلة أكثر تقدمًا، بدل أن نعيد النقاشات نفسها ونتغنى بالشعارات ذاتها.

ولابد هنا أن نستحضر كذلك ما ورد في الخطاب الملكي خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة 10 أكتوبر 2025، عندما شدد الملك محمد السادس على ضرورة أن تكون وتيرة العمل أسرع وأثر البرامج أقوى، في إطار علاقة رابح-رابح بين المجالات الحضرية والقروية، داعيًا إلى إعطاء عناية خاصة للمناطق الهشة وتوسيع برنامج المراكز القروية الناشئة.

إن الرهان اليوم لا يتعلق فقط بإعداد برامج جديدة، بل بإعداد نخب جديدة قادرة على التفكير بمنطق الإنجاز لا بمنطق الولاء، وعلى تقديم مبادرات خلاقة تستجيب لتحديات التنمية في بعدها الترابي والمجالي.

فاليوم، ونحن نتحدث عن برنامج التنمية الترابية المندمجة في هذه الظرفية الحساسة، لا يمكن أن نعزله عن المستجدات الكبرى التي يشهدها المغرب، خاصة ما يتعلق بقضيتنا الوطنية الأولى، فالقرار الأممي الأخير القاضي باعتراف الأمم المتحدة بمغربية الصحراء، وبأن مبادرة الحكم الذاتي هي أساس التفاوض مستقبلاً مع كل أطراف هذا النزاع المفتعل، يضعنا أمام مرحلة جديدة من تاريخ بلادنا، عنوانها الاستعداد لتنزيل الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.

وهذا التحول التاريخي يحتاج إلى نخب وكفاءات قادرة على مواكبة الرؤية الملكية، وعلى المساهمة في إنجاح هذا الورش الوطني بروح المسؤولية والالتزام، فكما قال الملك محمد السادس: “إننا نعيش مرحلة فاصلة، ومنعطفا حاسما، في تاريخ المغرب الحديث. فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده”.

فهل ستكون نخبُنا في الموعد؟ أم أنها ستظل تراوح مكانها في زمنٍ تجاوزها فيه الملك بخطوات مدروسة نحو المستقبل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى