
حسم المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك محمد السادس بمدينة العيون الجدل الذي أثاره الإسلاميون، ومعهم من يتولون الدفاع عن اللغة العربية بوضعها في الزاوية الضيقة للهوية المنغلقة، حول لغة تعليم المواد العلمية وتدريس المادة الدينية بالتأكيد على ضرورة الالتزام بما خلص إليه تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين بعد دراسات ونقاشات مطولة.
وعلى عكس ما قد يذهب إليه بعض المحافظين، بمن فيهم قوميون عرب غارقون في ماضيهم الشخصي والجماعي ومتضامنون ضمنا مع الإسلاموية، فإن الحسم في أمر الاختيارات التعليمية على مستوى مجلس الوزراء ليس تعديا على اختصاص حكومي، لأن الإصلاح التعليمي والتربوي ليس شأنا حكوميا يمكن التقرير في شأنه خلال ولاية حكومية أو التصرف فيه وفقا لهوى حكومة، وإنما هو شأن مجتمعي واستراتيجي ترتبط به رهانات بعيدة المدى.
وتستوعب هذه الرهانات التنمية والتوازنات المجتمعية والحل الوسط التاريخي مثلما تستوعب الهوية كعنصر غير قابل للعزل عن العناصر الأخرى، ولذلك لا يمكن ترك إصلاح بهذا الحجم وهذه الأبعاد لحكومة بعينها، أيا كانت إيديولوجيا الأحزاب المكونة لها، لتفعل به ماتشاء وقتما تشاء وكيفما تشاء وإلا استمر التجريب الفج الذي أوصل التعليم المغربي إلى حالة الانحطاط التي يوجد فيها وتحول أبناء وبنات الشعب المغربي إلى فئران تجارب لمن لا يملك كفاءة التعامل مع المختبرات ودفع بالمدرسة العمومية إلى قاع الحضيض، وبالشكل الذي يخدم مصالح تجار التعليم والتكوين الذين يهمهم الربح والربح أولا.
لقد كان حسم المجلس الوزاري في تنفيذ ما قرره المجلس الأعلى للتربية والتكوين، بعد توافق مكوناته، أمرا طبيعيا. فالمجلس الوزاري هو الإطار المؤسسي الطبيعي للحسم في القضايا الكبرى والمصيرية المرتبطة باستمرارية الدولة والمرفق العام وبالاختيارات المجتمعية الكبرى الواجب تجنيبها تأثير النزاعات الحلقية والإيديولوجية والحسابات الانتخابية، وكل مزايدة في هذا الإطار ستكون غوغائية وعديمة الواعز الأخلاقي، حتى لا نقول أنها إجرامية في حق أبناء وبنات فقراء البلد الذين لا يملكون الإمكانيات لتحمل الكلفة الباهظة للمدارس الخاصة المستفيدة من تغاضي الدولة وتواطئ الإدارة، ومن دعم فاعلين في القطاع يتولون مسؤوليات حكومية اليوم، وفي صدارتهم رئيس الحكومة المالك الفعلي لمجموعة مدارس بدر ووزير العدل المساهم الرئيسي في رأسمال عدد من المدارس الخاصة وغيرهما.
وعدا شرعية القرار المتخذ في مجلس الوزراء، فإنه من العار استغباء الناس بالقول أن القرار المتخذ بالعودة إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية ليس وليد اليوم، لأن الجميع يعرف أن هذا القرار دخل إلى حيز التنفيذ جزئيا في المدرسة العمومية عبر أقسام الامتياز العلمية قبل هذا الوقت، في إطار ماسمي بالباكالوريا الدولية، في ظل هذه الحكومة وليس قبلها، ومنح كريع للمدارس الخاصة التي استعملته لاستقطاب المزيد من التلاميذ ولمضاعفة أسعار سلعتها في ظل الهروب الجماعي من المدرسة العمومية تجنبا للفشل والتهميش.
ولذلك فإنه من باب الضحك على ذقون الناس، بل والاحتيال السياسي والانتخابي، أن يرفع رئيس الحكومة عقيرته مهاجما وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار في البرلمان بسبب مذكرته وتحريك مسخريه في الصحافة والشبكة العنكبوتية لشن هجوم تكفيري وتخويني عليه ، بينما يعرف بنكيران حق المعرفة أن صديقه وعلبة أفكاره في الحكومة محمد الوفا هو من أطلق مسلسل العودة إلى تعليم المواد العلمية بالفرنسية بموافقته ومباركته وأن إخوانه في الحزب وأصدقاءه في القطاع الذي يملك فيه مصالح قفزوا على الباكالوريا الدولية وكأنها مائدة من السماء واستحلوا أموالها.
فالمعنى المباشر لقبول فرنسة المواد العلمية في المدارس الخاصة دون أدنى اعتراض ثم الاحتجاج على تعميم هذا الأمر في المدارس العمومية يعني أن بنكيران ومن معه يريدون خلق طبقتين من المدارس، تخصص الأولى، المؤدى عنها، لأبناء النخب المرفهة وتخصص الثانية لأبناء الشعب، وتقود الأولى إلى النجاح والمدارس الكبرى الفرنسية وغيرها بحكم انفتاحها على العالم وتقود الثانية إلى الفشل والبطالة وإلى دعم صفوف القوى الظلامية وامتهان الانتحار بمختلف الطرق، بما فيها الإرهاب.
إن دفاع رئيس الحكومة، بلا قناعة، على التعريب ينطوي على قناعة، يشترك فيها مع المرحوم عزالدين العراقي، كانت وراء تخريب التعليم بالمغرب عامة وسببا من أسباب الهبوط بالمدرسة العمومية إلى الحظيظ، وهي قناعة تقوم في العمق على منطق تمييزي وطبقي استند إلى توصيات دراسة كانت قد أعدتها المؤسسة المتعددة الجنسيات “برايس واترهاوس” لفائدة البنك الدولي تدعوا الحكومة المغربية صراحة إلى عزل أبناء النخبة في المدارس الأجنبية والخاصة وتمكينها من تعليم ممتاز، بما في ذلك باعتماد نموذج مدارس البعثة الفرنسية، مقابل محاربة أمية باقي أبناء الشعب وتهيئهم للتكوين المهني ليكونوا عمالا ومستخدمين في مقاولات أبناء النخبة، والتركيز في المدرسة العمومية على التدريس باللغة العربية، وبذلك يكون رئيس الحكومة الإسلامي، الذي يزعم في الخطاب المفتعل أنه يهتم بالمهمشين دون غيرهم، منساقا في عملية القضاء على المدرسة العمومية، مادام يعرف أن لا أحد، مهما قلت إمكانياته، يرغب في تعرض أبنائه للفشل والتهميش ولا أحد يقبل بتهيئ أبنائه وبناته مند البدء لمستقبل محكوم عليهم فيه بقبول أن يكونوا “سخارين” في بيوت الأغنياء. وقد عكست دعوته لتحرير الدولة من كلفة التعليم والصحة في وقت سابق، التيلم تكن فلتة لسان، إرادة سياسية يتم إخفاؤها وراءضجيج الخطاب الشعبوي الذي لم يعد نافعا في إخفاء أي شيء.
إن رئيس الحكومة الذي يعمل على تنفيذ كل مالم يتم تنفيذه في ثمانينات القرن الماضي من مكونات برنامج التقويم الهيكلي لنيل رضى المؤسسات المالية الدولية والغرب، معتمدا على خداع الخطاب والكتائب المهيجة حد الجنون، يجد نفسه اليوم محاصرا في الدائرة الضيقة سياسيا، حيث لايمكنه بعد الآن اللعب بلهيب التعليم وإلا أحرق أوراقه، بل وملابسه.
وليس خافيا أن قرار العودة إلى تعليم المواد العلمية بالفرنسية لايعود إلى محبة في لغة بودلير وهوغو، أو مؤامرة فرنكفونيين، وإنما هو ناتج عن كون التعريب بالطريقة التي تم بها، بموازاة أسلمته التي تمثلت في إلغاء تدريس الفلسفة وقتئذ وإحداث شعبة الدراسات الإسلامية بكليات الآداب…، كان فاشلا. ذلك أننا فقدنا لغة دون أن نتملك اللغة العربية وعربنا في مستويات ولم نستطع تعريب التعليم الجامعي وعرضنا طلبتنا للفشل بسبب عدم إتقانهم لأي لغة، وحرمنا أجيال من وسيلة للانفتاح على العالم وعلومه ومستجداته، رغم كونها هي أيضا تعاني من الضمور، وجعلناها لقمة سائغة لخطاب هوياتي متخلف لا يمكن أن ينتج غير مانراه من انغلاق وجهل وظلامية وإرهاب.
فنحن مضطرين للعمل على تملك لغات للانفتاح على عالمنا، وما نقدر عليه بالإمكانيات المتوفرة لنا اليوم هو العودة إلى اللغة الفرنسية بالدرجة الأولى لتدريس المواد العلمية في انتظار التهيؤ لاستعمال لغات عالمية أخرى وتجاوز قصور اللغة العربية في الميدان العلمي.






تعليقا على ما اثارني ان صاحبة المقال انزاحت عن اساسيات العمل الصحفي و عن اخلاقيات المهنة لانها زجت بمواقفها الشخصية في مقال ينبغي ان يحافظ كاتبه على مسافة محددة مع كل المواقف،كان تكلي بدلوها و تنتصر لفريق على اخر،و الا فنحن نقدم لانفسنا هالة كبي ة على اننا نمتهن صحافة على ورق لا اقل و لا اكثر.
حين نملك ناصية اللغة العربية جيدا بدون اخطاء و لا زلات امكننا انذاك ان نتحاجج على الافكار التي نريد تفعيلها و تنزيلها دون اي تحيز او تميز لان صاحب المقال يغرد للطيور التي تريد التحليق بكل ماهو جديد.الفرنسية ابانت عن عجزها حتى في بلدانها لمن لا يتابع سيرورة البحث العلمي و التطور التكنولوجي الفرنسي اعلنت انبطاحها يكفي ان العربية متفوقة عليها على الرغم من اهلها لا يولونها قداستها الحقيقية.