الأخبارمجتمعمستجدات

حقيقة “نكار الخير” حسن أوريد..

الخط :
إستمع للمقال

ارتفع إيقاع حسن أوريد هذه الأيام، وأخرج من جعبته آخر ما تبقى لديه من حكايات السيرة الذاتية،التي تنفخ في صدره الحنين إلى الزمن الماضي؛ حين كان يدرس أو يعمل غير بعيد عن المحيط الملكي.   

ولعل فائدة هذه الحكايات التي يرويها حسن أوريد، تتجلى فقط في تحفيز ذاكرته لاسترجاع لحظات العز التي كان ينعم بها قرب الملك وبين الأمراء، أما ما عدا ذلك فلا يبدو أنها مسلية أو مفيدة للآخرين.

وما بين “رواء مكة” التي أصدرها في صيغة سيرة الذاتية، والحكايات التي يرويها لبعض المواقع الالكترونية عن فترات الدراسة بالمعهد المولوي، تطرح كثير من الأسئلة من قبيل: ما هي الأهداف التي تحرك الرغبات المدسوسة في صدر أوريد كي يحكي لنا عن الماضي ويترك الحاضر والمستقبل جانبا ؟ وهل هناك حوافز ومساعي يجد الشخص من أجل الوصول إليها؟ وإلى أي حد سيستمر في اغتراف حكاياته من أسوار القصر الملكي وهي في مجملها حكايات زمن الدراسة مع ولي العهد حينها؟.

إن البحث عن أجوبة شافية لهذه الأسئلة الساخنة يفرض علينا التذكير ببعض قواعد الكتابة الروائية، وخاصة مدى قدرة الروائي على التخلص من أناه والارتقاء إلى درجة التجرد والموضوعية.

ف”الزمكانيات” الذاتية التي سجن فيها حسن أوريد خياله، هي التي جعلته لا يقدر على تخطي أسوار القصر الملكي،  وبالتالي، الانحصار في الكتابة حول محيط جغرافي ضيق، وأزمنة ذاتية قصيرة. ولعل هذه القوقعة الضيقة التي تشبه صدفة المحار هي التي لم تساعد أوريد كي يحلق بعيدا بخياله الإبداعي، ويتخلص من الأزمنة والأمكنة التي تدور فيها أغلب كتاباته وحكاياته. وكل أديب لا يستطيع الانطلاق بخياله إلى  أبعد من حدود ذاته الصغيرة ، ولا يستطيع أن يتجاوز الدائرة الضيقة التي نشأ فيها؛ فلا يجب اعتباره مبدعا، أو أديبا، أو روائيا واسع الخيال والاطلاع.

وقد علمتنا المعرفة أن فن السيرة الذاتية لا يمكن أن يتأتى لأي كان، مالم تكن شهرة و تجارب كاتبها ملهمة للآخرين، ومشبعة بالعبر والحقائق. أما ماعدا ذلك، فهي لا تعدو سوى سرد للذكريات المؤنسة لصاحبها.

وللعارف بقواعد السيرة الذاتية أن يبلغ حسن أوريد أصولها عند الفيلسوف المبدع جان جاك روسو، حين أصدر اعترافاته، فبلغ من التجرد ما لم يقدر عليه أحد قبله ولا بعده، وقال إثر نشرها :”إنني ما كتبتها لأبعث الأذى للآخرين، بل من أجل أن أتطهر من ذنوبي”. ومثل هذه الأقوال التاريخية تشجعنا لكي نسأل صاحبنا بوضوح: هل كتب سيرته الذاتية للتطهر من ماضيه أم هل يا تراه كتبها لإيذاء الآخرين بالتشويش والابتزاز؟.    

إن التعلق بتلابيب وأهداب الملك من أجل كتابة رواية أو سيرة الذاتية، يجعل من صاحبه لا يبحث سوى عن الإغراء، مادام يعرف جيدا أن ما يحكيه عن نفسه لا يمكن أن يجذب الآخرين.

وحسن أوريد الذي يعرف جيدا أن “قدر الشهادة هو بقدر الشهود” لم يأت بشاهد للتصديق على صحة أقواله، بل جعل من نفسه الشاهد الوحيد على تصريحاته، وأطلق العنان للسانه بدون لجام ولقلمه بدون رقيب ، كي يزيف الحقائق كيفما يحلو له. ومن الأمثلة التي تؤكد تزييفه للحقائق، حين ادعى أن وزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري استدعاه ليعمل في مصالح وزارة الداخلية فرفض عرضه.وكل الشاهدين على  هذه المرحلة، وكاتب هذه السطور لم يكن بعيدا عن ذلك، يمكنهم الطعن في هذا الكلام والتأكيد بأن أوريد لم يتحل بالأمانة والشجاعة كي يقول الحقيقة.

فحين تم تجريده من منصبه في سفارة المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية،بسبب الأخطاء الديبلوماسية التي ارتكبها هناك،وعاد إلى المغرب؛تشرد حسن أوريد  في شوارع وأزقة الرباط؛ يستجدي القريب والبعيد، ويقتات على بقايا الكتابات الصحفية لدول الخليج.فرق قلب ولي العهد حينها لحاله، خاصة أنه ظل يبعث إليه بالاستعطاف تلو الآخر.

وحين تلقى وزير الداخلية حينها الإشارات حول الموضوع، استدعاه وعرض عليه رئيس مصلحة بمديرية التوثيق، فرفضها صاحبنا لأنه كان يرغب في منصب أسمى كمدير مركزي أو عامل بالإدارة المركزية، بينما لم يكن سنه ولا كفاءته تسمحان بتقلده لهذين المنصبين الساميين.

وقد علم كاتب هذه السطور أن أوريد الذي كان مولعا بشعر أبي الطيب المتنبي، حاول بكل السبل أن يبعث برسالة إلى الملك الراحل الحسن الثاني،وهي عبارة عن هذين البيتين:
دعوتك عند انقطاع الرجاء   
و”الفقر” مني كحبل الوريد
وكنت من الناس في محفل
وها أنا في محفل كالقرود

ولم يتسن لحسن أوريد أن يوصل رسالته الى الملك، وهو الذي كان يعلم حب الحسن الثاني للشعر، ويعرف جيدا أن الملك سيذهب إلى أبعد من هذين البيتين ليقرأ آخر ما جاء في نفس القصيدة:
  فَما لَكَ تَقبَلُ زورَ الكَلامِ  
 وَقَدرُ الشَهادَةِ بقَدر الشُهودِ
 وَكم فارِق بَينَ دَعوى أَرَدتُ
وَدَعوى فَعَلتُ بِشَأوٍ بَعيدِ

والأكيد أن أوريد عانى ربما في هذه الفترة -ما بين 1994 و1997- ولكن الأكثر تأكيدا أنه لم يستفد من دروسها وعبرها، ولم يعمل لاحقا على تفادي أخطائه.  وهاهو اليوم ينبش كعادته في أمور تستوجب الأمانة أن يحفضها ويتقيها مادامت “مجالس الكبار أمانة” كما يقول المثل.

نعم، لقد فشل أوريد أكثر من مرة في المهام والمسؤوليات التي أنيطت به، لكنه لحسن حظه كان يجد في كل مرة يدا رؤوفة تنتشله من ويلاته، وتعيده الى دائرة العز، وهي يد محمد السادس. وحين طفح الكيل، وبلغ السيل مداه، لم يتم التسامح معه في المرة الأخيرة بحكم كثرة الأخطاء والزلات التي يرتكبها بتعمد او لضعف إحساس بالمسؤولية.

ومن خارج الدائرة التي كان ينعم فيها ، عاود صاحبنا الكرة بأسلوب جديد، اختار له هذه المرة الإزعاج والتشويش، سيرا على  المثل البدوي “عطيوني بيضة ولا نطيح في البير”.

ماذا يريد أوريد إذن من كل هذا العبث وقلة الحياء والتنكر للجميل؟  إنه بكل بساطة يصنع من الحظوة التي استفاد منها في السابق وسيلة للاستفزاز والابتزاز،ويبعث برسائل جريئة ووقحة لمن يظن أنه يهمه الأمر، وكأنه يخيره بين إرجاعه أو : ” وإلا سأطلق لحيتي، وأصبغ بالأسود ما فوق جبهتي،وألبس جبة وانتعل نعالا، وأجوب الأرض طولا وعرضا كالمجاذيب،لأحكي حكاياتي للرائح والغادي”.

هذا هو المنهج الذي ينحو نحوه حسن أوريد ولسان حاله يقول: “كيف وأنا الجريح، لا أحظى مثل بنكيران بتقاعد مريح؟”

وبالعودة إلى التاريخ الذي يدعيه أوريد في حكاياته، وهو للأمانة يقاس بالأشبار والأمتار الزمنية، وليس بالانجازات والعطاءات الفكرية والتنموية!!، فسنجد أن الأقدار شاءت أن ينتشل القصر الملكي حسن أوريد من مسار يعلم مصيره الله تعالى، ويأتي به إلى المدرسة المولوية في مشروع ملكي حادق، أراد فيه الملك الراحل الحسن الثاني أن يحتك ولي العهد بأقرانه من كل الفئات والطبقات الاجتماعية، ليبني محيطه المستقبلي بنفسه، ويتعرف على أبناء جيله المنتمين جغرافيا إلى مختلف جهات المملكة، واجتماعيا إلى مختلف العائلات والفئات. وبإمكان أوريد العارف بإمكانيات عائلته، أن يكشف للجميع كل الاحتمالات التي كان يقيس بها مصيره، لولا هذا القدر العجيب .

ومن الحكايات التي لا يرغب أوريد في سماعها أو ذكرها أنه  بعد وفاة الملك الحسن الثاني، استدعاه الملك محمد السادس، لتعيينه ناطقا رسميا باسم القصر الملكي، فلم يجد بدلة تليق بمقام هذا التعيين، والتجأ في الحين إلى أحد أصدقائه بوزارة الخارجية، الذي تبرع عليه ببدلة وربطة عنق تناسب المقام الجديد. ولكن صانع هذا الجميل هو نفسه يعرف مستوى التنكر الذي لاقاه من صديقه بعد ذلك.

ومادام الذكر يقود إلى للذكرى، فلا بأس أن ننبه أوريد إلى الفترة التي كان فيها واليا على منطقة شاسعة الأطراف من مكناس إلى الرشيدية،  ونساءله عن أسباب مرافقة صهره له -زوج أخته الوحيدة- وسر صفقات التجهيزات والأشغال العمومية التي تتحدث عنها ساكنة مكناس؟. فلماذا يا ترى لم يستيقظ ضمير سي حسن حينها كي يضع حدا لكل تلك الممارسات؟ ولماذا لم يعر اهتماما لانتقادات المواطنين وشكاويهم الكثيرة حول استغلال النفوذ الذي شهدته هذه المرحلة.

واذا كانت الحكايات التي لا يرغب أوريد في ذكرها كثيرة ومتعددة، فإن أبرز مثال عن تنكره للجميل هو يوم عانى من اختلالات حرجة فحظي بعناية ملكية خاصة، وسافر إلى فرنسا ليتلقى علاجات حديثة ومتطورة أرجعت إليه الآمال واسعة كي يرزق بالنسل والأحفاد، بعد أن أنهكه العجز وطالته الأعطاب وحرمته من المعاشرة السليمة.

ومهما كان، فإن أوريد استفاد ذاتيا وعائليا من ريع لامجال للتطرق إليه بالتفصيل، كما أنه لم يخضع يوما للمحاسبة عن عدة ممارسات استفاد منها، هو وعدد من أفراد عائلته.

وإذا كان صاحبنا لم يستفد من التجارب والعظات التي أتيحت له في مرحلة الطفولة والشباب، ولم يستوعب جسامة المسؤوليات وهو يعمل داخل الديوان الملكي، ولم يلتزم بأصول الحكمة والصواب والعرفان وهو خارج كل هذه الدوائر، فهذا دليل ربما بأنه يعاني من اختلالات نفسية مزمنة تجعله كالذي قال فيه الشاعر:
ولقد أسمعت لو ناديت حيا
لكن لا حياة لمن تنادي
وآخر الكلام: إلى المولع بأبي الطيب المتنبي،أليس هو القائل؟:
وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ   
وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا
إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ
وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى