خلال هذه السلسلة الرمضانية سنحاول فهم السياق التاريخي المغربي وتطور الحياة السياسية، كما رصدها الكاتب الأمريكي الجنسية جون واتربوري، في كتابه “أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية المغربية”، والذي يعد وفق العديد من المؤرخين من أهم الكتب التي سلطت الأضواء على الحياة السياسية المغربية، وتناول بالدراسة المغرب منذ عهد الإدارة البدائية (المخزن) وحكم ما قبل الحماية إلى حدود نهاية سنوات السبعينيات.
الفئات الأساسية للمجتمع المغربي
تطرق الكاتب الأمريكي خلال الفصل الثالث الذي عنونه بـ”السياق الاجتماعي”، إلى الفئات الأساسية للمجتمع المغربي من أجل فهم طبيعة الصراع السياسي في المغرب، وأورد في هذا الصدد أن المشاعر الأساسية في المغرب تبلورت حول الانتماء إلى القبيلة أو إلى الدين، وفي بعض الحالات حول الانتماء إلى منطقة، أو حي، أو أسرة، ولقد جعلت خطوط لانقسام هذه بتشابكها وتداخلها من المغرب القديم فسيفساء انقسامية عريضة، وكان باستطاعة كل فرد من الأفراد أن يحدد موضعه، باعتبار هذه الوحدة أو تلك من هذا الهيكل الاجتماعي.
ووفق الكاتب فإن انقسام المغرب إلى بلاد السيبة، وبلاد المخزن، ظل ظاهرة سياسية عرفتها المملكة طيلة قرون، من دون أن تستقر الحدود بينهما نهائيا، ولم يشكل الانشقاق في أي وقت عملية منسقة، كما أن بلاد السيبة لم تنفصل أبدا باعتبارها وحدة مستقلة، بل كانت بكل دقة تجمعا غير منتظم لقبائل كان بوسعها أن تتحدى الحكم، نظرا لموقعها الجغرافي، ولا تعلن انفصالها إلا عندما تسمح لها الظروف السياسية بذلك، وكانت القبائل لا تتردد لقلب تحالفاتها كلما تغير ميزان الحكم، لتتحد مع أعدائها ضد حلفاء الأمس.
فروقات بلاد السيبة والمخزن
كان للقبائل حماة داخل القصر، يعززون جاههم بإبراز قوة أتباعهم، ويستغلون ما يكتسبونه من نفوذ بهذه الطريقة لتخفيف الضرائب المفروضة على القبائل، الشيء الذي يزيد من سطوتهم عليها، وغدت القبائل مسرح تحالفات مصلحية، وأصبح أعيان القرى من المناورين السياسيين، ولقد أدى هذا الواقع لا محالة، إلى فساد النموذج الصافي والأصلي للقبلية؛ الأمر الذي كان يجعل منها جماعة مبنية على مشاعر أساسية، “وماتزال قبائل المغرب المستقل تتصرف باعتبارها تكتلات سياسية تحت أوامر ساسة لهم طموح مفرط، أصبحوا الآن يستعملون نفوذهم لتعزيز السلطة المركزية عوض إضعافها واختارت القبائل أن تشارك في اللعبة عوض مقاطعتها”. وفق ما ذكره الكاتب.
وأوضح خلال ذات الفصل أن بلاد السيبة وبلاد المخزن عاشت مدة قرون نوعا من الائتلاف الخاص بالمجتمعات الانقسامية، يجمع بين التبعية المتبادلة والعداوة، وتنافسها على المستوى الوطني انعكاس للخلافات المتولدة عن خصومة حادة في دائرة الإرث، حيث لا أحد يرغب أو يستطيع التخلي عنه في الوقت نفسه، وكانت الفروقات الموجودة بين بلاد المخزن وبلاد السيبة ذات طابع إثني وسياسي وديني وجغرافي، وقد يحصل نوع من التطابق في بعض الحالات فيما يتعلق بمقاييس تحديد الهوية، وهكذا يمكن أن يكون الفرد في الوقت نفسه أمازيغيا ومنشقا وجبليا ومن أتباع زاوية، ولم تخضع أبدا جميع القبائل الناطقة العربية لسلطة المخزن، كما لم تكن القبائل الأمازيغية كلها في حالة السيبة.