خمسون عاما على المسيرة الخضراء.. ملحمة وطنية أرست دعائم الأمن والاستقرار في الأقاليم الجنوبية

يستعد المغاربة للاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، ذلك الحدث الخالد الذي كرّس السيادة الكاملة للمغرب على أقاليمه الجنوبية، وأرسى دعائم الأمن والاستقرار بها. فقد كانت المسيرة الخضراء، التي انطلقت كملحمة سلمية لمواجهة وطرد الاستعمار، تجسيدًا لرؤية استراتيجية جمعت بين التعبئة الشعبية والتخطيط المحكم، وأثبتت قدرة المغرب على صون وحدته الترابية والدفاع بثبات عن مصالحه الوطنية أمام كل التحديات.
ومع مرور خمسين سنة على هذه الملحمة الوطنية، أصبح واضحا أن المسيرة شكلت القاعدة التي قامت عليها مشاريع التنمية والحكم الذاتي في الصحراء المغربية، إذ وفرت الظروف لتأمين المدن والقرى، وتعزيز حضور الدولة ومؤسساتها، وضمان حماية السكان، ما جعل الأقاليم الجنوبية نموذجا متقدما في تحقيق الأمن والاستقرار، مع تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي وخبير العلاقات الدولية، محمد شقير في تصريح لموقع “برلمان.كوم” إن الملك الراحل الحسن الثاني، بإعلانه عن انطلاق المسيرة الخضراء وتكسيرها للحدود الوهمية، كان واضحا في أن كون هذه المسيرة سلمية لا يمنع من مواجهة مسلحة محتملة من طرف القوات المسلحة الملكية في مواجهة تسللات وهجمات قوات جبهة البوليزاريو المدعومة من الجيش الجزائري وممولة من نظام القذافي.
وأضاف شقير أن بسط المغرب سيطرته الإدارية وحلوله محل الإدارة الاستعمارية الإسبانية أدى إلى مواجهات مباشرة مع الجيش الجزائري في معركتي أمغالا، حيث استطاع المغرب إلحاق هزيمة عسكرية نكراء بالجيش الجزائري، مذكرا بالعزيمة التي أظهرها الجيش المغربي في حرب الرمال سنة 1963.
وأوضح ذات المتحدث أن هذا التقدم دفع بميلشيات البوليساريو المدربة من طرف كوبا إلى تبني حرب عصابات، وهو نوع من القتال لم يكن معتادا على الجيش المغربي، ما أدى في البداية إلى تكبده خسائر جسيمة قبل أن يتمكن من إعادة تنظيم صفوفه.
وأكد شقير أن القوات المسلحة الملكية وضعت خطة عسكرية تعتمد على تشكيل فيالق عسكرية، وأسندت القيادة لضباط متمرسين مثل الكولونيل الغجدامي، الذي قاد عدة عمليات ضد قوات البوليساريو ونجح في شل هجماتها التي وصلت في بعض الأحيان إلى مدن كطانطان، بما فيها اختطاف الرهائن ومحاولات زعزعة الاستقرار الأمني في المدن الصحراوية.
وأشار المحلل إلى أن الجيش المغربي استعان في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بالطيران العسكري، خاصة بعد الحصول على معدات عسكرية حديثة في عهد إدارة ريغان، مع دعم مالي من السعودية وبعض الدول الخليجية. وأضاف أن المغرب نجح في إقامة جدران عسكرية مجهزة بمختلف أنواع أجهزة الاستشعار والدفع، وتم تأمين المدن الكبرى بالصحراء مثل العيون والداخلة والسمارة، مع نشر أجهزة الشرطة بأنواعها، مما ساهم بشكل كبير في استتباب الأمن وضمان الاستقرار.
من خلال هذا السياق، يمكن القول إن المسيرة الخضراء شكلت نموذجا فريدا لكيفية الجمع بين الحراك السلمي والقدرة العسكرية في حماية السيادة الوطنية. إذ أن التدابير الأمنية المتكاملة، من الجيش إلى الشرطة إلى الجدران المجهزة بالتقنيات الحديثة، ساهمت في منع أي تهديد أمني وضمان استقرار دائم للمدن الصحراوية.
كما أن المسيرة أكدت على أن الأمن والاستقرار في الصحراء المغربية هما حجر الزاوية لأي مشروع تنموي، حيث وفرت الظروف الملائمة لتوسيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز حضور الدولة في كل أرجاء الأقاليم الجنوبية، مما يترجم وحدة المغرب الترابية إلى واقع ملموس على الأرض.





