خمس حكومات في سنتين.. فرنسا تدخل مرحلة اللااستقرار السياسي.. إلى أين يمضي ماكرون فيما تبقى من ولايته؟

تعيش فرنسا منذ أشهر على وقع توتر سياسي غير مسبوق، تحول إلى أزمة مفتوحة تهدد استقرار مؤسساتها، حيث تعاقبت، خلال سنتين فقط، خمس حكومات على السلطة، في مشهد غير مألوف بالنسبة لبلد يعد من أعرق الديمقراطيات في أوروبا، ما يعكس عمق الانقسام داخل الساحة السياسية الفرنسية، وصعوبة إيجاد أرضية للتوافق بين الرئاسة والمعارضة.
ويزداد هذا الارتباك السياسي حدة مع تراجع الدور الفرنسي على الساحة الدولية، خصوصا بعد الانسحاب العسكري من منطقة الساحل، في وقت تواجه فيه باريس ضغوطا اقتصادية خانقة تتمثل في ارتفاع حجم المديونية وتباطؤ معدلات النمو، إذ بين انكماش اقتصادي في الداخل وتراجع النفوذ في الخارج، تظهر صورة فرنسا أمام واحدة من أكثر المراحل تعقيدا في تاريخها الحديث.
أما داخليا، يظهر أن موقع الرئاسة الفرنسية بات في قلب هذه الأزمة، حيث يصر إيمانويل ماكرون على استكمال ولايته الثانية والأخيرة إلى غاية سنة 2027، رغم فقدان حزبه للأغلبية البرلمانية، ما يجعله في مواجهة مباشرة مع قوى المعارضة سواء من اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبين أو من اليسار بزعامة جان لوك ميلنشون.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي محمد شقير في تصريحه لموقع “برلمان.كوم”، إن عدم الاستقرار الحكومي الذي تعيشه فرنسا بسبب حجب الثقة من طرف الجمعية الوطنية، يرجع بالأساس إلى تشبث ماكرون بالرئاسة رغم عدم توفر حزبه على أغلبية برلمانية.
علاوة على ذلك، يضيف المحلل السياسي، أن من بين الأسباب الأخرى لعدم الاستقرار الحكومي ترجع لرفض الرئيس الفرنسي إسناد رئاسة الحكومة إلى أحد ممثلي المعارضة اليسارية، في وقت تعاني فيه البلاد من تراجع عسكري وسياسي بعد انسحابها من دول الساحل، وأزمة اقتصادية تتمثل في ارتفاع المديونية الخارجية.
وأضاف شقير أن “تشبث ماكرون بالبقاء في منصبه إلى حدود سنة 2027، دفعه إلى اختيار وزير دفاعه لتشكيل الحكومة الجديدة، غير أن هذه الحكومة قد تواجه بدورها حجب الثقة، أو في أحسن الأحوال تحظى بأغلبية مهزوزة تمكن الرئيس من ربح بعض الوقت لتدبير الأزمة المالية التي تعاني منها فرنسا”. وأبرز المحلل السياسي أن هذا الخيار يهدف بالأساس إلى منع عودة منافسيه السياسيين، بزعامة مارين لوبين أو أحد قادة اليسار كميلنشون من خلال الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
هذا وتوضح هذه المعطيات أن فرنسا تدخل مرحلة دقيقة من تاريخها السياسي، حيث أصبح الأمر يتعلق بعمق الأزمة التي تمس بنية نظام سياسي، إذ يواجه الرئيس ماكرون تحديا مزدوجا: الحفاظ على موقعه في غياب أغلبية داعمة، وضمان استقرار مؤسساتي في وقت تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، حيث تجعل هذه الوضعية أي حكومة جديدة عرضة للارتباك، وهو ما قد يضعف ثقة المواطنين في الأداء السياسي برمته.
ومع استمرار هذه الهشاشة، يبقى المستقبل مفتوحا على أكثر من سيناريو؛ إما أن يتمكن ماكرون من تدبير ما تبقى من ولايته عبر حلول ترقيعية تمنحه وقتا إضافيا، أو أن يجد نفسه مضطرا إلى القبول بانتخابات مبكرة قد تغير موازين القوى لصالح المعارضة، سواء من اليمين المتطرف أو من اليسار. وبين هذين الخيارين، يظل المشهد السياسي الفرنسي مرشحا لمزيد من الاضطراب، ما لم يتم التوصل إلى صيغة توافقية قادرة على إعادة الاستقرار إلى الحياة السياسية والمؤسساتية.




