الأخبارربورطاجات

روبورطاج: لماذا يتكلم المغاربة بصوت مرتفع في الهاتف..؟

الخط :
إستمع للمقال

“تكلم في الهاتف أقول لك من أنت”، عبارة يتوفر المغاربة على جميع شروط امتلاك براءة نزولها، ليس لأنهم يسردون “الشادة والفادة” في مكالماتهم مع توضيح الواضحات وأحيانا تفسير الماء بالماء، وإنما أيضا لأنهم يكشفون عن تلك الدواخل بصوت يخترق مداه كل الأرجاء المحيطة، ليصل أسماعا لا علاقة لها بتفاصيل تلك الأحاديث الهاتفية والتي تكون تارة مبتذلة إلى درجة الإحراج.

ولنا في مختلف الفضاءات أدلة ملموسة على ذلك، إن كانت حافلات النقل التي ينشر داخلها غسيل المتحدثين وعلى غرارها المقاهي والشارع العام، أو المخادع الهاتفية التي تظل المكان المنفتح على عرض كافة القضايا والملفات، والمحتضن لشتى الحالات الاجتماعية والتفاعلات النفسية.

 كواليس يوم في تيليبوتيك

“واش أخويا هاد لاباراي كتطلع النمرة”، كان السؤال الذي طرحته وعيناها تجيبان بأن في الأمر خدعة تحبك، ووحده الله يعلم من سيكون ضحيتها. لكن سرعان ما اتضحت معالم سيناريو المسرحية، ولم تتأخر هذه الشابة في كشف أوراق لعبتها: “ألو..سمير، كيف داير؟ را ماغانجيش عندك اليوم حيث عمتي ماتت ومشيت لسطات، وماغانرجع حتى لبعد غدا. وحتى البورطابل نسيتو فالدار بالتلفة”.

أنهت المتحدثة مكالمتها وملامحها تشير وكأنها نجحت في إنجاز مهمة تحضيرية للقادم من مغامراتها. من الهاتف ذاته ربطت الاتصال ثانية، لكن هذه المرة بعبد الصمد لتخبره بأنها في الطريق إليه “عبد الصمد، أنا غادية نشد الطاكسي دابا. نص ساعة غنكون فالسونطر فيل”. تأكد إذن بأن الأخير حل محل سمير في موعد اليوم، لكن ما بقي مجهولا هو هل أضيف عبد الصمد إلى قائمة ضحاياها أم أنه “طلع” بخطة أكثر دهاء وانتقم على الأقل لصاحبنا سمير.

 “فيكتيم” نمرة بريفي

 البحث عن هاتف “بريفي” لم يكن رغبة هذه الفتاة فحسب، بل مسعى إحدى التلميذات أيضا وإن كانت الأخيرة فضلت التأكد بنفسها من خلال تركيب رقم هاتفها المحمول وملاحظة ما إذا كان سيكشف رقم “التيليبوتيك” على شاشته أم لا. اسمها سلوى، وعمرها قد يحدد ببدايات سن العشرين. لم تملك هدوءها بمجرد أن أجاب “صاحب دعوتها” وهي تثور: “سلوى اللي كتدوي معاك. صافي حتى ماطلعاتش ليك نمرتي عاد مجاوب. مالك خايف نجيب ليك البوليس باش نتلاقاو بزز”. استمر الجدال لنحو 10 دقائق احتكرت طيلتها المتصلة الكلام أكثر من هذا المتهم بالبحث عن أتفه الأسباب لإنهاء علاقة بعمر ثلاث سنوات ونصف “كتقول ما كتخليش ليك الخدمة الوقت، ومالك كنتي كتلقاه هادي ثلاثة ديال السنين ونص”، تساءلت مستنكرة قبل أن تضيف باللهجة الفائرة ذاتها: “لقيتيني بنت الناس، أما كون را درت ليك الشوهة اللي عمرك ماشفتيها ونوريك كيفاش تضحك على لالياتك. راني جاتني خبارك يا الحشرة”، وأقفلت الخط بعصبية قبل أن يستوقفها، وهي في طريقها إلى باب المخدع، رنين هاتفها. أمعنت النظر جيدا في الرقم المتصل لتجيب فور أن سمعت أول ما بدأ به رده: “إيه كنقولها ونعاودها، حشرة وحتى الحشرة بزاف عليك”. غادرت سلوى “التيليبوتيك” وهي ماضية في إفراغ شحنات توترها داخل مسامع رفيق “عشرة سنين” بالمزيد من سباب الاستفزاز والاحتقار.

 تسونامي عيشة المزابية

 ما إن اختفت سلوى عن الأنظار حتى ظهرت امرأة امزابية في الأربعينات من عمرها، بجلباب أفقدته السنين لونه الأصلي ووجه شاحب بعينين غائرتين توزعان النظر بين مؤثثات المحل وبين ابنتها التي كانت تمسكها بعنف “صرف لي عافاك هاد 5 دراهم”، لتزيد وكأنها تحدث نفسها “والله أميمتو غير إلى ماوريتو وجهو فالمرايا”. دخلت أحد المخادع وهي تلوي على “تسخان الطرح مع مول الدار”، ودون مقدمات خاطبته: ” ماعرفتينيش، واعيشة هادي. تبارك الله عليك، 3 أيام وانت غابر وملي جيتي مسيفط 400 دريال مع البنت. بغيت غير نعرف ديالاش دوك الفلوس. كنقسم فمي بالله وماجبتي المقدية وشفتي الدراري أش خاصهم حتى ندمك وتعرف المزابيات علاش قادات”. تركت هذه المرأة الكرة في ملعب زوجها، كما تركت صدى مكهربا ومشحونا بالسب والتهديد وسياط القذف بالمخدع.

 الكريساج بالروشارج

 بقدوم شاب كان يبدو في غاية الانشراح والرضى عن النفس لاحت ملامح تلطيف تلك الأجواء، وانتظار مكالمة بتعابير أكثر ليونة. وهذا ما تأكد وهو يغازل صديقته: “ألو.. حبيبة” بتسكين الحاء، “توحشتك، إلى ما سولت ماتسولي..”. لم يتمم الطالب الجامعي كلامه بعد أن قاطعته موضحة سبب عدم اتصالها به، مما حدا به إلى أن بادر مباشرة قبل مغادرته تمكينها من “روشارج 50 درهم” على أساس أن يكون اللقاء بعد ظهيرة ذلك اليوم ب”بيفيت لافاك”. الآمر بالصرف هذا قد يجد العزاء فيما صرفه في وقوع أحمد الموقع ذاته، وهو يتلقى اتصالا من “محبوبته” التي خاطبته بجرأة تنم على اعتيادها فرض الطلب عينه “احمد، سافا عليك، صيفط شي روشارج را مابقى عندي والو فالصولد..”. والحقيقة أن هذه الحالة تتكررت العديد من نسخها وإن بصيغ متباينة، كان من بين نماذجها فتاة توصلت بتعبئة بقيمة 200 درهم ممن وصفته ب”وزير ماليتها” وهي ماتزال في “التيليبوتيك”، وحين مازحها صاحب هذا الأخير الذي على معرفة سابقة بها “هادا هو الكريساج بالخاطر”، أجابت: “ومالهم لاش يصلاحو، وزيدون على باقي دابا شي واحد أصحيب كيعطي شي حاجة بالفا (وتقصد فابور)، يالاه تهلا ودير مظلة”.

 سبوع مرات الكوميسير

أبعد ما كانت تتصوره مليكة هو أن ترزق بابن ذكر بعد إنجاب 4 إناث. فهذه المرأة الطيبة والمسالمة جدا تحمل في أعماقها كل قيم العفة والأخلاق العالية، فضلا على أن الله حباها بجمال جذاب وتميز في الأناقة. ومع ذلك قدر لها أن ترتبط برجل اكتشفت مؤخرا تعدد علاقاته الخارجة عن إطار مؤسسة الزواج. صحيح أنه “كيصرف على الدار” دون أي إشكال بفضل راتبه المحترم ومنصبه كعميد شرطة، والأرجح أن يفوق أجره الشهري دون احتساب “ديبلاسما” 8000 درهم. إنما وقع الصدمة المعنوية كان أقوى على قلب مليكة، خاصة وأنها تلقت الخبر وهي في شهرها الثامن من الحمل. المهم هو أنها أنجبت هذا الأسبوع مولودها الخامس وأسمته “سعد” نزولا عند رغبة زوجها الذي فقد شقيقا له بنفس الإسم قبل نحو سنتين. ولأن المناسبة، بغض النظر عن الخلاف الحاصل بين طرفيها، تستدعي الالتزام بأعراف مجتمعية معينة، قررت “النفيسة” دعوة “عيالات الدرب” لحفل في بيتها، بل استدعت أيضا صديقات الطفولة اللاتي هجرن الحي إلى بيوت أزواجهن.

تفاصيل هذه الحكاية وخصوصيات أخرى حولها لم نسمعها من المعنية بها، أي مليكة بنت بريكة، ولكن من لسان إحدى الجارات التي تكلفت بالنيابة بدعوة ابنتها عبر الهاتف ل”السبوع”. تقول: “ألو.. معاك الحاجة موك، شوفي، را جارتنا بريكة عارضة عليك الجمعة الجايا لسبوع بنتها مليكة، وعنداك تجيبي معاك ديك القناة الصغيرة ديالك، صيفطيهم مع باباهم لعند مو فالحي”، وتقصد منطقة الحي المحمدي بالبيضاء، لتضيف بعد ثوان من الاستماع لابنتها “كيفاش ماعرفتي أش تجيبي ليها. عطيها شي ربعالاف زرورة ونوضي نايضة، را داكشي اللي كانت عطاتك ملي ولدتي.. إيه غادي يديرو داكشي غير فالصالون..”. ولأن الخط قطع فجأة عاودت الاتصال لتكمل حديثها، لكن هذه المرة بنبرة سريعة “حاولي تجي بكري باش تمشي معايا نشري شي شد را داك اللي عندي ثقباتو المزغوبة ديال بنت خوك داك النهار..”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى