الأخبارمجتمعمستجدات

زميلنا محمد الأشهب: لن ننساك شافاك الله..

الخط :
إستمع للمقال

منذ إصابته بجلطة دماغية قبل ثلاث سنوات تقريبا، وزميلنا الصحافي القدير محمد الأشهب يلازم بيته، ويقاوم المرض بشجاعته المعهودة.

وبفضل الإرادة القوية التي يتحلى بها، والرعاية الطبية والعائلية التي يتلقاها بانتظام، فقد بدأ زميلنا العزيز يتماثل للشفاء تدريجيا، في وقت ينتظر أصدقاؤه عودته القريبة بتلهف كبير، لما ترك غيابه من فراغ لديهم في الشهور الماضية.   

فالمعروف عن محمد الأشهب أنه ظل طيلة مساره المهني،لا يحب الركود ولا الجمود، بل إنه التواق دوما الى التجديد، والغارق في الحركية والإبداع، ولذا فلا يمكن للمرض أن ينال من عزيمته، أو يفرض عليه الخنوع لسلطته،أو الخضوع لإرادته.

ظل الأشهب طيلة مسيرته المهنية، عبارة عن مدرسة متنقلة، تعطي الكثير ولا تأخذ إلا القليل. وظل يهب دائما التوجيهات والنصائح، في كل مكان داخل مدينة الرباط وخارجها، فلا يمل أحد من حديثه، ولا يضجر السامع من ذكرياته وأفكاره.

وقد جسد الأشهب بأصالته وشهامته، مؤسسة متكاملة للدفاع عن مصالح وقضايا الوطن، بالحجة والدليل، وبالمقالة والمرافعة، معتمدا في كتاباته على قدراته الهائلة في التعبير والصياغة. وفي مرافعاته العلنية والتلفزية، على فصاحة لغته، وقوة صوته، وسرعة بديهته.

ولعل المسيرة المهنية لهذا الرجل الشهم، هي لوحدها موسوعة متكاملة، وحكايا رائعة، وفوائد نافعة. فهو المؤسس لتجارب صحفية غير مسبوقة. وهو الناصح والمستشار لكثير من الوزراء والديبلوماسيين. وهو الدليل والراعي للشباب المبتدئ في الصحافة والإعلام. وهو المبدع البارع لأفكار خلاقة في الكتابة والتحليل.

وإذا كان للمرض المفاجئ الذي ألم به، وقع كبير على أصدقائهِ وَمعارفهِ وأقربائِهِ، فإننا كإعلاميين وكتاب وصحفيين، نتفق بأن زميلنا سي محمد هو من القلة النادرة للصحفيين الذين يصعب أن يجود بأمثالهم الزمن. وهذا ما يدفعنا اليوم في موقع “برلمان.كوم”، ومع إطلالة هذا الشهر  الفضيل، إلى أن ندعو له بالشفاء العاجل، والعودة السريعة إلى الكتابة والتحليل.

فمهما حاولنا الحديث والكتابة عن الكاتب المعلم، والقيدوم المتمرس، وصانع المواقف الشجاع؛ محمد الأشهب، فوالله سنخفق حتما، ولن نوفيه حقه، مهما ارتقى مستوى الكتابة والتعبير.

فالأشهب لوحده، هو عالم من القدرات، والعطاء والذكاء. ونجمه الذي ظل ساطعا في سماء الصحافة العربية، ظل يضيء من المحيط إلى الفرات. ويوم كنا في بداية مشوارنا المهني، وحين كنا نسافر إلى بلاد المشرق، كان كبار الصحفيين في العراق، والسعودية، والإمارات، وليبيا، وغيرها من دول العالم العربي، يسألوننا عنه، فلكأنه كان حينها بمثابة الدليل الذي يبعد الدهشة عن صدورنا.

ومهما خانتني الذاكرة، أنا كاتب هذه الجمل، فلن تنسيني، أثناء زيارة إعلامية لليبيا، ما قال أحد الكتاب عن محمد الأشهب، حين وصفه بالكاتب العربي الأكثر انسجاما مع ذاته. وقال عنه أيضا إن لسانه يتوافق مع قلمه، كما إن كتاباته تبدو لقارئها كسيف في مواجهة خصوم بلاده.

نعم، ذاك هو الصحفي الذي أزعج أعداء الوطن في مرافعاته التلفزيونية، وكتاباته الصحفية، داخل المغرب وخارجه. وذاك هو الرجل الذي أقلق راحة المناوئين والمتربصين بمصالح المغرب، وحول قلمه ولسانه إلى أسلحة فتاكة في وجههم جميعا. بل إنه هو من حكى لي يوما بأن أحد الصحفيين الجزائريين أسر له بأن الاستخبارات الجزائرية كانت في بداية التسعينيات من القرن الماضي، تترصد تحليلاته التلفزية، وتسهر على تسجيلها كي تستخلص منها ما بعض المواقف .

تاريخ الأشهب كله حافل بالعطاء، منذ كان صحفيا في مدرسة جريدة “العلم” في بداية السبعينيات، ومرورا بعمله في ديوان الوزير الأول المعطي بوعبيد في أواخر السبعينيات، وقبلها كمسؤول في جريدة الحزب الوطني الديمقراطي إلى جانب جلال السعيد، قبل أن يصبح واحدا من كبار محرري مجلتي “الرسالة” باللغتين الفرنسية والعربية، ثم محررا بجريدة الصحراء، فمديرا لمكتب جريدة “الحياة” بالرباط.

ورغم بعض التجارب المحتشمة التي أصدرها في فترة من الفترات، كما هي أسبوعية “خميس”؛ فإن الأشهب برع كثيرا في قيادة مشاريع وطنية هامة في الكتابة والتأليف لمجلدات وكتب مدافعة عن القضايا الوطنية الكبرى.كما أن مقالاته وتحقيقاته التي كانت تصدر في يوميات مغربية، بتوقيعه أو بأسماء مستعارة، كان لها صيت كبير في زمن القراءة والمعرفة.

ما ذا عسانا أن نقول فيك صديقنا العزيز، وفيك اجتمعت كل المناقب الشامخة والفضائل السامية؟ غير أنك فعلا أكبر وأشمخ مما يمكن ان تكتبه كل الأقلام، من شهادات في حقك. ومعارفك أكثر شساعة مما تتسع له آلاف الصفحات. فبأمثالك يحق للوطن بأن يفتخر، وفيك يتجلى وفاء الأوفياء، وينبعث شرف الشرفاء، وتعلو مكارم الكرماء، وفيك يصدق قول الشاعر:

تكاملت فيك أوصاف خصصت بها
فكلنا بك مسرور ومغتبط
السن ضاحكة والكف مانحة
والنفس واجهة والوجه منبسط
نحن في انتظارك صديقي، ومسرورون  بعودتك.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى