سقوط القناع عن محركي “جبروت”

منذ أن أطلّ حساب “جبروت” على الناس، والكل يتساءل: من يقف وراءه؟ هل هو شخص مهووس بالشهرة، أم شبكة منظمة تعرف ما تفعل؟ اليوم، ومع تراكم المعطيات والوقائع، صار واضحا أن “جبروت” ليس صوتا منفردا في فضاء افتراضي، بل أداة تحريك وتشويش يُديرها مزيج من أطراف داخلية ناقمة وأخرى خارجية متربصة، هدفها واحد: إرباك المغرب وضرب ثقة المغاربة في دولتهم ومؤسساتهم.
الخطة اشتغلت منذ البداية على ثلاث مراحل معروفة في علم النفس والهندسة الاجتماعية: أولا تقديم فتات معلومات صحيحة لبناء المصداقية، كرواتب أو عقود أو أسماء عقارات. ثانيا اللعب على وتر العواطف: الغضب من الفساد، الخوف على المال العام، الحساسية الوطنية. ثالثا، وهو الأخطر، إغراق هذه الشرارة في بحر من المغالطات، حتى يصبح الصعب على الناس التمييز بين الصحيح والمفبرك. هذه ليست عبقرية “جبروت” بل وصفة قديمة، معروفة في كتب الحرب النفسية تحت مسميات credibility building وemotional manipulation وinformation overload.
لكن “جبروت” لم يتوقف عند هذا الحد، حيث انتقل الحساب إلى مستوى أخطر حين أقحم المؤسسة الملكية وولي العهد في سيناريوهات ملفقة تتعلق بقصة طباخ أجنبي في مطاعم القصر الملكي، أرقام هواتف مسجلة باسم جهاز أمني، مؤامرة مزعومة تتعلق بدواء سري. ما هذه إلا قصة رديئة الإخراج، خلط فيها الوهم بالخيال لإيهام الناس أن الوطن مخترق. لكن المغاربة يعرفون أن من يمس المؤسسة الملكية لا يبحث عن الحقيقة، بل ينفذ أجندة مشبوهة هدفها التشويش على الثوابت.
الأدهى أن الحساب لم يكتف بالهجوم على الداخل، بل راهن على الخارج أيضا. من يقرأ بعين خبيرة يلاحظ أن هناك بصمة واضحة لأساليب الحملات التي تشنها منظمات دولية وجمعيات حقوقية مأجورة، لطالما استعملت “تسريبات” غير موثقة لضرب صورة المغرب في الخارج، إذ أن بعض المعطيات التي قدمها “جبروت” مأخوذة من تقارير قديمة نُشرت في منصات أجنبية معادية للمغرب، أعيد تدويرها وإعادة تسويقها بواجهة “وطنية” كاذبة. هنا يظهر التنسيق بين أطراف خارجية تبحث عن اختراق السيادة وأطراف داخلية تسعى إلى تصفية حسابات شخصية أو سياسية.
المؤسسة الأمنية لم تنتظر طويلا. جاء الرد واضحا في بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني يؤكد أن الموظف الأمني الذي أقحمه الحساب زورا في وقائع من نسج الخيال، تقدم بشكاية رسمية أمام الوكيل العام للملك بالدار البيضاء. والقطب الأمني أعلن مؤازرته بمبدأ حماية الدولة، كما ينص عليه النظام الأساسي. هنا سقط القناع نهائيا حيث من كان يقدّم نفسه كبطل افتراضي أصبح متهما قضائيا بجرائم التبليغ الكاذب، التزوير، القذف، والإهانة.
لقد تورط الحساب الذي يزعم أنه يفضح الفساد، في أكبر أشكال الفساد: التزوير، الكذب على مؤسسات الدولة، والتلاعب بمعطيات شخصية بشكل تدليسي، إذ أن بلاغ المؤسسة الأمنية كشف بوضوح أن الوثائق المنشورة ملفقة، والأرقام مستعملة خارج سياقها، والمعطيات مأخوذة بطريقة غير قانونية. هنا لم يعد الأمر “رأيا” بل جريمة يعاقب عليها القانون.
فما الذي نراه إذن؟ نرى “خطة جبروت” وقد تحولت من لعبة تلاعب بالعواطف إلى محاولة اختراق سيادي. من في الداخل أعطى بعض المعطيات المبتورة، ومن في الخارج ضخها في قنوات رقمية لتضخيمها. والهدف واحد هو إرباك المغرب في لحظة إقليمية دقيقة، حيث البلاد تقود معارك دبلوماسية قوية، وتواجه خصوما يتربصون بها من كل اتجاه.
لكن المغاربة يعرفون أن السيادة لا تُمس، وأن الوطن ليس ملعبا للهواة. تمغربيت تعني اليقظة، وتعني أن أي محاولة لزرع الفوضى ستتحول إلى فضيحة في وجه أصحابها. المؤسسات واجهت الواقفين وراء الحساب الرقمي بالقانون، والخبراء فضحوا خطته تقنيا، والرأي العام بدأ يكتشف أن اللعبة ليست إلا مسرحية رديئة.
لقد أراد “جبروت” أن يكتب رواية تشويش على الوطن، فانتهى بفضح نفسه. أراد أن يشكك في المؤسسة الملكية، فإذا بالملكية تزداد صلابة في قلوب شعبها. أراد أن يهاجم الأمن الوطني، فإذا بالمؤسسة ترد بحماية الدولة والقانون. أراد أن يستعمل الخارج ضد المغرب، فإذا بالمغاربة أكثر التفافا حول دولتهم.
اليوم، القناع سقط. وانكشفت الحقيقة، والتي تتجلى في كون ما يسمى “جبروت” ليس حسابا استقصائيا ولا منبرا لمحاربة الفساد، بل مشروع تضليل تديره أيدٍ في الداخل والخارج، لفظه الوعي المغربي وأسقطته المؤسسات. المغرب باقٍ بملكه، شعبه، وأجهزته، بينما “جبروت” ومن يقف وراءه سيبقون مجرد أوراق محترقة في تاريخ الوطن.
المغرب أكبر من حملات التشويش، والمؤسسة الملكية صخرة تتحطم عندها كل الأوهام، والأمن الوطني مؤسسة لا تهتز أمام منصات الوهم.





