سقوط لوموند عند عروة العرش بالشعب وصلابة السيادة المغربية

لم يكن مقال لوموند الأخير عن المغرب سوى صدى لعقلية استعمارية قديمة لم تشف بعد من هزيمة 1956، يوم انتزع المغرب استقلاله وأثبت أنّه دولة ذات سيادة وقرار، وأنّ ملكيته العلوية ليست زينة للبلاط، بل عمودا فقريا لكيان الدولة وضامنا لوحدة الأمة. أن يكتبوا اليوم عن “أجواء نهاية عهد”، فذلك ليس وصفا لواقع المغرب، بل تعبير عن عجزٍ داخلي في فرنسا عن تقبّل أنّ المملكة التي أرادوا لها الوصاية بالأمس صارت اليوم فاعلا دوليا مستقلا يفرض خياراته ويشقّ طريقه بعيدا عن الهيمنة.
والتاريخ شاهد أنّ المغرب كان دائما في موقع التجدد والقدرة على النهوض كلما استُهدف. منذ معركة وادي المخازن التي دوّخت أوروبا في القرن السادس عشر، مرورا بالتصدي للاستعمار الفرنسي والإسباني، وصولا إلى استكمال الوحدة الترابية بالصحراء المغربية، أثبت المغاربة أنّ العرش والشعب جسد واحد، لا تنال منه الرياح مهما اشتدت.
أن تختزل لوموند صورة جلالة الملك محمد السادس في مشهد جلوس يوم عيد أو في لحظة استجمام على “جيت-سكي” هو استخفاف مقصود بحقيقة أنّ الملكية في المغرب مؤسسة ممتدة عبر القرون، مؤسسة تستمد قوتها من إمارة المؤمنين والبيعة والالتفاف الشعبي. إنّها ملكية صنعت أوراشا غير مسبوقة؛ تعميم الحماية الاجتماعية، ثورة الطاقات المتجددة، موانئ تنافس كبريات الموانئ العالمية، شبكة قطارات فائقة السرعة، ومكانة دولية جعلت المغرب شريكا استراتيجيا مع القوى الكبرى.
أما الحديث عن “الخلافة” و”الفراغ”، فهو جهل صارخ بالتقاليد المغربية. فولي العهد الأمير مولاي الحسن يُهيّأ بعناية، يتلقى التكوين الأكاديمي والدبلوماسي والعسكري، تماما كما أُعدّ والده من قبل، في انسجام مع تقاليد الدولة العلوية. المغرب لا يعرف الفراغ، بل يعرف الامتداد. الانتقال عندنا ليس انقطاعا، بل هو استمرار محكوم بالشرعية والتاريخ والنسق المؤسساتي.
إنّ ما يثير حنق لوموند ومن ورائها بعض الدوائر في باريس وأخرى تلعب على الحبلين، ليس صحة جلالة الملك ولا استعداد ولي العهد، بل استقلالية القرار المغربي. فرنسا العميقة تعيش صدمة أنّ المغرب لم يعد تابعا، بل صار يمدّ يده إلى واشنطن وبكين وموسكو وإفريقيا على قاعدة الندية، لا التبعية. إنّه تحوّل استراتيجي يخرج المغرب من أسر النظرة الفرنسية الضيقة إلى فضاء أوسع، وهذا ما يفسر الحملة المستمرة التي تحاول زرع الشكوك وصناعة الوهم.
لكن الحقيقة الناصعة أنّ المغرب لا يعيش نهاية عهد، بل يعيش عهدا متجدّدا؛ ملك يقود بحكمة، وشعب يزداد التفافا حول عرشه كلما اشتد الهجوم عليه. الملكية المغربية ليست موضوع تكهنات، بل هي جوهر الدولة وضمانة وحدتها ودرع سيادتها. ومن يظن أن مقالا في صحيفة فرنسية قادرة على إضعافها، فإنه لم يفهم المغرب بعد.
فعلى امتداد التاريخ، ظل المغرب يؤكد سيادته ويرسّخ مكانته بين الأمم، أمةً عصيّة على الوصاية، وملكيةً متجذّرة في الشرعية. واليوم، يجدد المغرب هذا المعنى بالفعل لا بالكلام؛ نحن أسياد على أرضنا، لا نخضع لإملاءات أحد، ولا ننتظر شهادة من أحد. لوموند ومن على شاكلتها تستطيع أن تكتب ما تشاء، لكن التاريخ لن يسجّل مقالاتها، بل سيسجّل أن المغرب وملكه وشعبه معًا صنعوا نهضة جديدة، وأعادوا رسم موقع المملكة في العالم.
المغرب ليس نهاية عهد، بل بداية عصر جديد، يكتب صفحاته بمداد السيادة والكرامة، بقيادة ملكيته الراسخة وإرادة شعبه. وهذه الحقيقة ستبقى عصية على كل قلم مأجور، وكل عين غاشمة، وكل نفس متعجرفة لم تتحرر من ماضيها الاستعماري.





