الأخبارربورطاجات

“صبانات الموقف” ينشرن غسيلهن على حبل المعاناة يوم 8 مارس

الخط :
إستمع للمقال

بوجهها الأسمر بفعل لفحات الشمس، وجبين تلخص خريطة تجاعيده ما قضته من أيام التعب والمعاناة. انزوت السعدية ذات الخمسة والأربعين سنة في ركن بعيد عن زميلاتها “الصبانات”، وهي التي كانت حسب قولها العنصر الذي يرجى مجيئه ليشكل حلقة “النشاط” المفعم بمرح روحها المراكشية.

انقضت سنين “العز”، تضيف السعدية، وأخفت وراءها كل أسباب الرغبة في الاندماج، وإلا كيف يمكن تصور الحالة النفسية لامرأة التحقت ب”الموقف” على الساعة السابعة والنصف صباحا ومازالت إلى حدود الساعة الواحدة إلا الربع تنتظر الزبون الذي قد يأتي أو لا يأتي. بالتأكيد، تتحسر المتحدثة، ستكون نفسية متذمرة وغير مستعدة إلا للقفز نحو أي سيارة توقفت بالقرب منها أو على الأقل أبطأت سرعتها أملا في تلقي استجابة من هذا أو ذاك.

قالت السعدية كل هذا الكلام وهي تجلس القرفصاء، باسطة يديها المخططتين بالتجاعيد على ركبتيها، أما عيناها فكانتا من حين لآخر تجوبان شارع الحزام الكبير بالدار البيضاء ذهابا وإيابا، بعد أن أخبرتنا في بداية اللقاء بإمكانية توديعنا في أي لحظة تلمح فيها فرصة تحصيل قوت يومها.

ولما سألناها عن قيمة هذا المقابل أبدت ابتسامة محتشمة وقالت: “في غالب الأحيان أحصل على مبلغ مائة درهم. لكن وكما يتفهم بعض الناس ظروف حياتنا ويضيف إلى ما اتفقنا عليه بعض الدراهم، فإن هناك من لا يهزه ما نبذله من مجهود ويصر على تكريس مأساتنا بعدم تأدية مجرد مائة درهم كاملة. هذا مع العلم بأنه وفي أغلب الأحيان نقوم بأعمال تفوق الطاقة البشرية ولا تمت بصلة لما حددته ربة البيت في البداية”. وفي جوابها على ما يمكن أن يمثل لها يوم الثامن من مارس، اعتبرت الموضوع مزحة ثقيلة لأمثالها من المقهورات اللاتي لا يستفدن من كثرة اللغط والكلام المفتقدان للتطبيق الفعلي “بحالنا ماكيعرف لا 8 مارس ولا غيرو.. تمارة هي مكتوبنا حيث ديك الهضرة بزاف من سنين واحنا كنسمعوها والحال هو الحال..”.

وفي سياق هذه الأجواء لم تُخْف مليكة، البالغة 42 سنة، الحيرة التي تطارد كل من قادتهن الظروف لهذا الواقع، والناتجة عن الوقوع بين مطرقة الحاجة وسَندان التعرض لمكروه. وإن كانت هذه السيدة قد عجزت عن تذكر أي موقف عدائي مورس ضدها بشكل مباشر، فإنها تؤكد بالمقابل وقوع العديد من صديقاتها في المهنة لتحرشات جنسية بلغت في بعض صورها الاعتداء بالقوة والتهديد. وهي الاعتداءات التي ترى أم سلمى، البالغة 37 سنة، بأن تماديها من قبل المنحرفين أخلاقيا ينبع من يقين هؤلاء بربح أي قضية يتهمون فيها “الصبانة” بالسرقة مثلا.

لهذا تلجأ الكثير من الضحايا إلى خيار الصمت والتكتم بدل أن تزج في السجن وتحرم بالتالي، ليس فقط من مصدر رزقها وإنما من سمعتها كذلك. ولأن ما من دخان إلا ووراءه نار، لم تنتظر فاطمة، البالغة 56 سنة،  ختم أم سلمى لكلامها حتى تلقي بجام غضبها على بعض العاهرات اللاتي يتقمصن أدوار الصبانات المغلوبات على أمرهن ليستدرجن ضعاف الرجال إلى الرذيلة. والأفظع، تتأسف فاطمة، أنهن يقفن أيضا في الموقف علما أن لبعضهن زبائن يعرفون أماكنهن ويقصدونهم بالتحديد على أساس أنهم يرغبون في امرأة مساعدة تفاديا لأي إحراج وإبعادا للشبهات كذلك.

فهؤلاء النسوة، تزيد فاطمة، جعلت الكثير من الناس يصعب عليهم التفريق في الموقف بين من تبحث عن الرزق الحلال وبين من تختفي وراء قناع الصبانة لتمارس سلوكها الأصلي. هذا في الوقت الذي أكدت فيه مجالستنا بأن جل زميلاتها لا يعرفن هذا العيد النسائي العالمي، في حين أن عيدهن هو لحظة الحصول على ما تعدن به من دريهمات لأبنائهن آخر كل يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى