الأخبارمجتمع

عباسي مدني: “محمد الخامس رضي الله عنه”

الخط :
إستمع للمقال

غداة فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الإنتخابات المحلية في سنة 1990حيث حل محل حزب جبهة التحرير الوطني في كبريات المدن الجزائرية ضمنها العاصمة قبل الانتخابات البلدية،, سعى عباسي مدني, زعيم الحزب, الذي وافته المنية يوم الأربعاء بقطر حيث كان يعيش منفى اختياريا , إلى طمأنة المجتمع الدولي خصوصا دول الجوار.

وردا على سؤال حول ما إذا كان يخشى تدخلا عسكريا مغربيا، في حالة استيلاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ على السلطة في الجزائر، بعث عباسي مدني رسالة واضحة إلى المملكة، مؤكدا أنه “لا يخال تدخلا عسكريا مغربيا وأن هذه الفرضية ليست من شيم خير خلف لمحمد الخامس، رضي الله عنه “.

ولقي هذا التصريح تقديرا خاصا في الرباط. فقد سعى مدني إلى طمأنة الدول المجاورة، كما رمى إلى تبديد مخاوفها بعد التصريحات التي كانت تصدر، هنا وهناك، عن المتطرفين من الحركة الإسلامية الجزائرية، الذين كانوا يؤكدون أنه بمجرد استيلائهم على السلطة في الجزائر، سيعملون على توسيع نفوذهم في المغرب العربي في إطار بسط الخلافة الإسلامية في المنطقة.

لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خلال هذه الفترة في الجزائر. فوجدت الجزائر نفسها مضطرة للتفاوض مع الهيئات المالية الدولية، بعد أن كانت تقاوم الامتثال للتقويمات التي يوصي بها صندوق النقد الدولي.

قبل أيام قليلة من زيارة الملك الحسن الثاني للجزائر لحضور قمة المغرب العربي، وجه عباسي مدني إلى سفارة المغرب بالجزائر العاصمة طلبا لمقابلة الملك الحسن الثاني.

قام العاهل المغربي بهذه الرحلة على متن الباخرة “مراكش”. وتم إعطاء موعد لعباسي مدني، بعد أن قرر العاهل استقبال قادة أحزاب سياسية جزائرية أخرى.
كانت السفينة الملكية مازالت راسية بميناء طنجة، حين حل جميع رؤساء الدول المغاربية بالجزائر. وكان من المتوقع أن يصل الملك إلى ميناء الجزائر العاصمة بعد حوالي 36 ساعة. فتساءل الصحفيون الجزائريون : لماذا لم يستقل الملك الطائرة ؟ خاصة وأن رؤساء الدول الآخرين يوجدون في عين المكان !.

و كان الرئيس الجزائري قد أقنع الملك الحسن الثاني ,الذي كان قد قرر مقاطعة القمة لكون تونس طردت مئات من المغاربة ,بالإلتحاق بالجزائر من أجل المشاركة في هذه القمة و مناقشة الموضوع مباشرة مع الرئيس التونسي. غير أن زين العابدين بن علي اضطر لمغادرة الجزائر مباشرة بعد افتتاح القمة.

في اليوم الثاني من الزيارة، وفي ميناء الجزائر العاصمة، قرر الملك ركوب سيارته الخاصة للتوجه إلى نادي الصنوبر، بينما كان الموكب الرسمي الجزائري ينتظر على الرصيف ضيف الجزائر . ففتح باب مرآب الباخرة ، فركب السيارة سائق الملك مرتديا زيا أبيض اللون، ومعتمرا طربوشا مغربيا أحمر اللون . حاول جمركي جزائري اعتراض خروج السيارة، ربما ليطلب منه القيام بالإجراءات الجمركية الخاصة بالسماح بالقبول المؤقت للسيارة . كان الجمركي يجهل أن العاهل المغربي الحسن الثاني اعتاد شحن سياراته الشخصية أثناء سفره إلى الخارج. وكان قد شوهد في باريس، على متن سيارته الشخصية برقم تسجيلها المغربي. في نهاية المطاف، تمكن السائق من إخراج السيارة الملكية، دون الاهتمام بأوامر الجمركي الجزائري.

في الطابق العلوي، على مستوى الممر المؤدي إلى السفينة ، كان صاحب متجر للهدايا التذكارية ينتظر زيارة الملك الحسن الثاني، الذي كان قد مر من هناك سنة 1988. وكان يعرض وراء كونتوار دكانه صورة تذكارية كان قد أخذها مع الملك الراحل عندما كان يقتني مشتريات من هذا المحل، حيث اشترى معظم سلعه حسب صاحبه.كان الملك قد زار الجزائر سنة 1988، لحضور القمة العربية الاستثنائية وكاد أن يقاطع القمة بعد أن شوهد أحد عناصر البوليساريو في بهو فندق الأوراسي، الذي يحتضن القمة العربية. وبمجرد إبلاغ هذه المعلومة إلى الملك، قرر التراجع عن مشاركته في الجلسة الافتتاحية. لم أكن متواجدا وقتها بالجزائر العاصمة.قيل لي أن الرئيس الشاذلي أوفد إلى الميناء أحد كبار المسؤولين لإقناع الملك بالتراجع عن قراره، بعد أن أخلي المكان من ممثل البوليساريو.

كان من المفترض أن يضم وفد الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي سيستقبله الملك الشيخ علي بلحاج وبنعزوز الزبدة، المدير السابق لصحيفة “المنقذ” إلى جانب عباسي مدني. اتفق قائد الجبهة الإسلامية للإنقاذ مع بلحاج بأن يلتقيا بميناء الجزائر. غير أن مدني وصل قبل الموعد فتم إدخاله على الفور إلى الباخرة.عندما وصل علي بلحاج إلى عين المكان، كان الأوان قد فات. فرجع ببساطة على أعقابه. فهل كان وصول عباسي مدني إلى مكان الموعد قبل الوقت متعمدا ليتجنب رفقة علي بلحاج الذي كان معروفا بخطاباته وخرجاته غير المتوقعة ؟

قبل بضعة أيام، كان مدني قد استقبل قائد البوليساريو بالجزائر، محمد عبد العزيز، ولكن الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم تبد أي تعاطف مع قادة الحركة الانفصالية، التي كانت تعرف بموالاتها للنظام الجزائري “الإشتراكي” . ولم يتسرب أي خبر عن محادثاته مع العاهل المغربي ولا عن محادثاته مع قائد البوليساريو. ولكن يبدو أن لقاءه مع محمد عبد العزيز كان له علاقة بالاستقبال الملكي.

الطيب دكـــار

*صحفي وكاتب, مؤلف “المغرب-الجزائر:الحذر المتبادل”


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى