عيد العرش.. خبير يكشف عن التحولات الجوهرية التي شهدها ملف الصحراء المغربية في عهد الملك محمد السادس

شهد ملف الصحراء المغربية على امتداد 26 سنة من قيادة الملك محمد السادس للمملكة، تحولات جوهرية عززت مكانته كقضية وطنية يحكمها الإجماع الداخلي ويؤطرها الحسم التنموي والدبلوماسي.
فمنذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999، انتقل التعامل مع هذا الملف من منطق الدفاع إلى منطق المبادرة، عبر طرح مقترح الحكم الذاتي كحلّ واقعي ومتقدم، وتعزيز الوجود الميداني من خلال مشاريع تنموية كبرى وبنيات تحتية استراتيجية.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إبراهيم بلالي اسويح، في تصريح لموقع “برلمان.كوم”، إنه خلال سنوات حكم الملك محمد السادس، عرف التعاطي مع ملف القضية الوطنية، مقاربة أخذت في الحسبان تحقيق مكاسب تنموية وسياسية، تمكن من الحسم النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، عبر الأخذ بزمام المبادرة منذ بداية توليه الحكم من خلال تعزيز الموقف التفاوضي في مسلسل التسوية، الذي عرف جمودا منذ فشل المقترحات السابقة بسبب عدم واقعيتها خصوصا منذ تقديم المبادرة المغربية للحكم الذاتي سنة 2007.
دعم دولي كبير لملف الصحراء المغربية
وأوضح المحلل في تصريحه، أن هذا الأمر شكّل منعطفا حاسما في تغيير المسار الأممي نحو الانفتاح على العملية السياسية الواقعية التى تحضى بدعم دولي كبير، تجاوز أكثر من مائة وعشرة دول في الأمم المتحدة، ثم الاعترافات الدولية لقوى كبرى فاعلة كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا.
وأضاف الخبير، أن العمل الموازي للدبلوماسية الملكية التي قادها الملك محمد السادس على المستوى القاري، كانت وراء عودة المملكة المغربية للإتحاد الأفريقي سنة 2017 والقطع مع سياسة الكرسي الفارغ، ومواجهة الاستخدام المتحور لهذا التنظيم القاري في خدمة أجندة الانفصال.
رهان دبلوماسي كبير لخدمة قضية الوحدة الترابية
وأكد الخبير، أن العمل ميدانياً على تنزيل مشاريع كبرى في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية ساهم في إعطاء بعد وظيفي للأقاليم الجنوبية كمنصة للاستقرار والاستثمار، وسمح بالانتقال نحو التوجه الاستراتيجي عبر الانفتاح على البعد القاري ومن خلال ذلك تعززت دينامية الاندماج لهذه الأقاليم في لعب دور محوري للمغرب، وفي تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية الحالية عبر المبادرة الأطلسية الملكية، لولوج دول الساحل وكذلك المشروع الاستراتيجي أنبوب الغاز نيجيريا المغرب.
وأشار إلى أن رهان الدبلوماسية الملكية في خدمة قضية الوحدة الترابية، ساهم بشكل كبير في تحقيق الإجماع الدولي حول المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وحسم شرعية السيادة المغربية لهذه الأقاليم الجنوبية للمملكة.
إصلاحات غيرت من صورة المملكة.. وتجاوب دولي كبير مع مبادرة الحكم الذاتي
بعد مرور أزيد من ربع قرن من حكم الملك محمد السادس للمغرب يتبين أن العديد من مظاهر الإصلاح والتغيير، قد همت تقريباً كل مناحي الحياة وغيرت صورة المملكة ودورها الإقليمي والقاري ثم الدولي، فحصيلة الإنجازات التنموية والإصلاحية التي همت كافة المجالات والمؤسسات وتلك الاجتماعية، بلغت مستويات تأهل المغرب ليس فقط للاندماج بل للريادة الإقليمية، والإشعاع الدولي الكبير الذي أصبح للمغرب.
وقال الخبير، إن اللافت هنا هو مقاربته في التعاطي مع ملف النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية، إذ أنه وبعد 26 سنة من تدبير هذه الدبلوماسية الملكية استطاعت تغيير العديد من انحرافات التعاطي الأممي لهذا الخلاف الإقليمي بحيث أنه وبعد سنة من تولي محمد السادس للحكم وتحديدا يونيو سنة 2000، صدر قرار مجلس الأمن 1359 الذي تجاوز للمرة الأولى خطة التسوية التي حرفت طبيعة النزاع وبداية مرحلة جديدة بعد فشل اتفاق الإطار الذي جاء به المبعوث الأممي جيمس بيكر لإنقاذ خطة التسوية السابقة، الأمر الذي فسح المجال للدبلوماسية الملكية بأخذ زمام المبادرة بداية من سنة 2006، وهي السنة التي بدأ المغرب إرساء دعائم إصلاحاته ميدانيا بما في ذلك الإعلان عن تشكيل المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية “كوركاس”.
وأضاف الخبير، أن المغرب أعلن بعد ذلك عن مبادرته لمنح الأقاليم الجنوبية المغربية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، تجاوبا مع قرارات مجلس الأمن والدعوات الدولية للخروج من المأزق الذي عرفه مسلسل تسوية هذا النزاع المفتعل.
وتابع قائلا: “وقد كان التجاوب العالمي كبيرا بعد سنة أي منذ 2007 مع هذه المبادرة، إذ وصفتها القرارات المتعاقبة آنذاك بالواقعية وذات مصداقية سواء تعلق الأمر بالقرارين 1754 أو 1783 في تلك السنة أو القرار 1813 السنة الموالية، ثم القرار 1920 بعد ذلك وصولا لقرار أكتوبر الأخير رقم 2703، وهي قرارات رسخت ثوابت الحل السياسي الذي لا يمكن أن يكون إلا سياسيا وواقعيا ومتوافقا بشأنه، مما ينسف كل مخطط للجزائر والحركة الانفصالية للمناورة، خصوصا أن هذا الحل التوافقي لن يتم إلا بالجلوس على طاولة المفاوضات، التي حددتها القرارات الأممية المتعاقبة، في أن تكون مستديرة وتحمل الجزائر مسؤولية المشاركة فيها بل المسؤولية في إيجاد التسوية السياسية النهائية، وهو ما يتماشي مع مضمون الخطاب التاريخي الذي ألقاه الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثون للمسيرة الخضراء، حيث اعتبر أنه لا يمكن مقارنة دولة عضو في الأمم المتحدة بحركة انفصالية، ولا يمكن القبول بتغيير جوهر الصراع من إقليمي إلى تصفية استعمار، وأخيرا لا يمكن محاباة الجزائر باعتبارها الطرف الرئيسي في هذا النزاع المفتعل.
اعتراف أكثر من مائة دولة بمغربية الصحراء
وأشار الخبير، إلى أن زخم التعاطي الدولي مع ملف الوحدة الترابية، هو الآخر انتقل من مرحلة كانت تأثيرات الحرب الباردة السلبية والغاز الجزائري، عكست مواقف عدائية للعديد من الدول حول الشرعية التاريخية على أراضيه، إلى واقع جديد بفضل دبلوماسية هجومية متبصرة أسفرت عن اعتراف أكثر من مائة دولة بمغربية الصحراء، وأن 84 في المائة من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، لا تعترف بالكيان الوهمي بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى فتح العديد من دول العالم لقنصليات تمثيلية لها في العيون والداخلة بلغت الحصيلة قرابة أربعين قنصلية.
وأردف المتحدث ذاته، أن مرحلة الذروة والإشعاع على مستوى المباركة والتأييد، كانت مع إعلان قوى عظمى اعترافها الصريح والتاريخي بمغربية الصحراء، كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2020 وكذلك ألمانيا وبلجيكا وهولندا وغيرهم من الدول الأوروبية، التي بلغت أربعة عشرة دولة تؤيد مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها الرباط.
واعتبر الخبير، أن المنعرج الحاسم إقليميا كان هو الموقف الإسباني، على اعتبار الدور التاريخي والمستعمر السابق للإقليم، الذي اعترف بحقيقة مغربية الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهذه الحصيلة هي ثمرة مسار دبلوماسية ملكية تقود بوصلة هذا النزاع نحو تأكيد الشرعية التاريخية والقانونية حول هذا النزاع المفتعل للصحراء المغربية.
أما على الصعيد القاري، يضيف الخبير، أن التوجه الملكي بوقف سياسة الكرسي الفارغ بعد سنة 2017، أثمر عن تحييد استغلال الاتحاد الأفريقي في هذا النزاع المفتعل وهامش المناورة لخصوم الوحدة الترابية، خصوصا بعد قمة نواكشوط سنة 2018 والقرار التاريخي 693، الذي حصر الاختصاص الأممي لهذا الخلاف الإقليمي وتنامي تأييد الأفارقة، وهو ما جعل الدبلوماسية الملكية تتيح للمغرب القيام بأدوار فعالة في أجهزة التنظيم الأفريقي خصوصا في مجلس السلم والأمن الأفريقي، إذ أن قرابة ثلثي أعضاء الاتحاد يؤيدون الطرح المغربي، كما أن عزلة الجزائر تزداد حتى إقليميا بعد تبني المغرب لمقاربة عسكرية متطورة وأمنية فعالة، تعززت بإطلاق الملك محمد السادس، مؤخرا للمبادرة الأطلسية الموجهة لدول الساحل، التي من المنتظر أن تزيد من ربط المغرب بشراكات استراتيجية مع عمقه الأفريقي، مما قزم من هامش مناورة الجزائر ومعها البوليساريو، في انسداد الأفق للترويج للمشروع الانفصالي إيذانا بقرب انهياره.
مقاربة تنموية في الأقاليم الجنوبية المغربية
وأكد الخبير، أن المقاربة التنموية التي تبناها المغرب خلال 25 سنة الماضية، كانت تلبية لمستويين، الأول تلبية احتياجات جاذبية الأقاليم الجنوبية والرفع من مستوى عيش مواطنيها، وثانيا إعطاء البعد الواقعي والجدي للمبادرة المغربية على المستوى العالمي، وهو أمر تجسد من خلال المشاريع المهيكلة للنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي كان الملك محمد السادس، قد أعطى انطلاقته سنة 2015، إذ أن غالبية مشاريع البنية التحتية والطاقات المتجددة والفلاحة والصيد البحري ثم التأهيل الحضري أنجزت بالكامل، مما أعطى دفعة إنتاجية لهذه الأقاليم، وجعلها منصات للاستثمار وقاعدة مهمة لربط المغرب بعمقه الأفريقي، وهو أمر دفع مؤخرا إلى الإعلان عن المبادرة الملكية الأطلسية مما يؤشر على استكمال الطريق نحو تجسيد الأوراش الكبرى لمغرب محمد السادس، والمتمثلة في الجهوية المتقدمة التي وضع لها كمنطلق من الصحراء المغربية ومبادرة الحكم الذاتي الممنوحة لهذه الأقاليم، خصوصا وأن المغرب بهذا البعد التنموي القاري أصبحت معه الأقاليم الجنوبية مرتبطة بمشاريع استراتيجية ضخمة، كما هو الحال بالنسبة لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، الذي يربط بين أكثر من عشرين دولة في القارة السمراء.





