
أصدر الكاتب والإعلامي المغربي، نببل درويش، حديثا، كتابا جديدا بعنوان: “إسبانيا الآن، تحولات المشهد السياسي الإسباني، 2008-2023″.
وفي حوار مع موقع “برلمان.كوم”؛ يقدم نبيل درويش لمحة عن تفاصيل الكتاب وأهم محطاته.
بداية.. كيف راودتكم فكرة هذا الكتاب؟
فكرة الكتاب جاءت من انشغالي الدائم منذ عشرين سنة بملف إسبانيا. فكنت أكتب بشكل منتظم في الصحافة المغربية عن موضوع العلاقات المغربية الإسبانية، وأهتم بالشأن الداخلي الإسباني منذ حوالي عشرين سنة وأكتب عنه بانتظام.
ولدي إصدارات في هذا الموضوع، منها كتاب عن العلاقات المغربية الإسبانية في عام 2015 بعنوان “الجوار الحذر”، وتمت ترجمته إلى اللغة الإسبانية، وصدر في إسبانيا عام 2021.
ولدي كتاب آخر بعنوان “يوميات إيبيرية” أدون فيه مذكراتي عندما كنت مراسلا لعدة وسائل إعلام مغربية وعربية في مدريد، المدينة التي عشت بها لأربع سنوات، حيث كنت أزور بشكل منتظم مقرات الأحزاب السياسية الإسبانية، وخبزي اليومي كان هو الكتابة عن الشأن السياسي الإسباني..
وبالتالي هذا الاهتمام وهذا القلق الذي عشته بخصوص إسبانيا؛ كان لابد أن أدونه، وكان واجبي- بعدما راكمت خبرة معينة في مجال الشأن الإسباني والعلاقات المغربية الإسبانية- أن أزود القارئ المغربي ببعض التفاصيل وبعض التحاليل في كتاب باللغة العربية، حتى يكون الانتشار واسعا، ولكي نفهم ما هي إسبانيا. لأن كل ما كتب إلى حدود اليوم هي مقالات متفرقة وندوات ومداخلات تلفزيونية.. ولم يكن هناك كتاب يمكن للمرء أن يلجأ إليه ويفهم إسبانيا من عام 2008 إلى عام 2023، وما هي التحولات التي عاشتها ويخرج بصورة واضحة عن إسبانيا، ويمكنه آنذاك الحكم عليها والتعامل معها.
نعم.. وما هو الهدف الرئيسي الذي يكمن وراء الكتاب وتسعون إليه؟
إذن في الكتاب؛ أحاول أن أعيد كتابة تاريخ إسبانيا الحالي منذ الأزمة الاقتصادية إلى اليوم، وإعطاء بعض التفاصيل الضرورية والمهمة. والهدف بطبيعة الحال هو أن يعرف القارئ المغربي وأقرب للنخبة المغربية من إسبانيا من مجموعة من التفاصيل، فحتى نستطيع أن نتعامل مع إسبانيا يجب علينا كما أقول دائما أن نعرفها، وهذا هو الهدف الرئيسي لهذا الكتاب؛ أن أعرف المغاربة بالتحولات التي عاشتها إسبانيا وأن أقدم لهم هذه الأحزاب وجذورها وأصولها والمرتكزات السياسية التي تعتمد عليها ومسارها، منها من اختفى حاليا من الساحة مثل سيودادانوس الذي انتهت مدة صلاحيته السياسية، ومنها من ضعف وتحول إلى حزب بدون تأثير كبير مثل بوديموس، ومنها من استطاع تجديد نفسه مثل الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني والحزب الشعبي اليميني.
إذن لكي نعرف إسبانيا ولكي نحللها؛ علينا أن نعرف المخاضات والزلازل السياسية التي عاشتها في الخمسة عشرة سنة الأخيرة.
هل يمكن أن تقدم لنا لمحة عن مضمون الكتاب وأهم محاوره؟
هو أول كتاب باللغة العربية يصدر في المغرب حول هذا الموضوع وحول الواقع السياسي الحالي لإسبانيا والتحولات التي عرفها المشهد السياسي الإسباني منذ الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008، والتي ضربت بعنف اقتصاد إسبانيا وكانت لها تداعيات في البداية اجتماعية كبيرة ثم تداعيات سياسية.
هذه التداعيات أدت إلى تغيير المشهد السياسي الإسباني بالشكل الذي أصبح فيه هذا المشهد مختلفا تماما عن ما كان عليه، وبطريقة جعلتنا نتحدث عن وجود انتقال ديمقراطي ثان في إسبانيا.
نعلم بأن إسبانيا بعد وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو في 20 نونبر 1975، دخلت إلى مرحلة الانتقال الديمقراطي ومرحلة التوافقات بين الأحزاب الكبرى، خصوصا الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني والحزب الشيوعي واليمين الفرانكي آنذاك..
وعاشت إسبانيا منذ عام 1978 تاريخ تبني الدستور إلى 2015، في انتخابات 20 دجنبر 2015 في مرحلة فيها ثنائية قطبية يسيطر فيها حزبان رئيسيان.
لكن الأزمة الاقتصادية لعام 2008 جاءت بمتغيرات سياسية كبيرة بولادة أحزاب سياسية جديدة مثل حزب بوديموس، الذي جاء كتعبير للطبقات الساخطة عن سياسة التقشف التي نهجتها الحكومات الإسبانية المتعاقبة- الحكومة الاشتراكية وبعدها الحكومة اليمينية- وجاء للتعبير عن الأصوات الغاضبة أيضا على نوع من الركود والجمود الذي أصاب الأحزاب السياسية التقليدية. كان هناك تعبير يساري متشدد حاول في البداية أن يهدم سقف النظام السياسي الإسباني، لكنه انتهى في آخر المطاف بالاندماج داخل هذا النظام السياسي الإسباني.
كان هناك أيضا ولادة حزب “سيودادانوس” الذي كان حزبا جهويا في كتالونيا، والذي حاول أن يعوض الحزب الشعبي بقيادة ماريانو روخوي آنذاك، ثم سيظهر يمين متطرف ممثلا في حزب “فوكس”.
ونعلم بأن إسبانيا كانت من الدول القليلة في أوروبا التي لا تمتلك حزبا يمينيا متطرفا. وكان هذا التيار يوجد داخل الحزب الشعبي الإسباني.
إذن “فوكس” هو عودة لليمين للمتطرف منذ 2017 بتأسيس حزب جديد من بعض المنتسبين السابقين للحزب الشعبي، وبالتالي أصبحنا أمام يسار متطرف ممثل في سيودادانوس وله شعبية جماهيرية، ويمين متطرف أيضا بدأ تدريجيا يكتسب الرقع السياسية في إسبانيا، وصار له وزن.
وعاشت أيضا الأحزاب التقليدية- الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني- انقلابات داخلية أدت لمجيء قيادات جديدة كانت لا تستمر مدة طويلة، وجاءت أيضا قيادات بنفس الخلفية ممثلة مثلا في بيدرو سانشيز بالنسبة للحزب الاشتراكي العمالي.
هذه الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والسياسية تنتج لنا أيضا نوعا من الصعود لتيارات قوية داخل كتالونيا، هذه التيارات وصلت إلى حد المطالبة بالقطيعة مع الدولة الإسبانية، وتأسيس جمهورية في كاتلونيا. وشاهدنا مسلسل الأزمة الكتالونية الذي انفجر عام 2017.