كريستوف لوكورتييه: فرنسا ترى في المغرب شريكا موثوقا به لتزويد أوروبا بالطاقة الخضراء

في مقابلة خص بها إذاعة ميدي1، قدم السفير الفرنسي في الرباط كريستوف لوكورتييه صورة شاملة عن التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات المغربية الفرنسية، منذ زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب قبل تسعة أشهر، والتي شكلت منعطفا جديدا في مسار الشراكة بين البلدين.
وفي هذا الصدد، قال السفير الفرنسي في الرباط إن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون قبل تسعة أشهر شكّلت محطة تأسيسية لإعادة بناء العلاقة المغربية الفرنسية، في ظل تحولات عالمية تتطلب شراكة قائمة على الفعل الميداني وليس فقط النوايا. معتبرا أن كل ما تم الاتفاق عليه خلال هذه الزيارة، بما في ذلك ما تضمّنته “الوثيقة الكبرى” التي دُعي فيها الجانب الفرنسي لكتابة فصول جديدة مع المغرب، بدأ يجد طريقه إلى التنفيذ.
وأشار إلى أن الرغبة الفرنسية تتمثل في أن “يأخذ المغرب باريس على محمل الجد”، من خلال ملاحظة التزامها العملي بجميع التعهدات، مع التأكيد على أن ما يجمع البلدين يتجاوز أجواء الفرح والود، نحو طموح مشترك لبناء مشاريع ملموسة.
وفي معرض حديثه عن الصحراء المغربية، شدد السفير على أن هذا الملف يمثل “قضية وجودية”، وأن فرنسا تواكب المغرب سياسيا من أجل توسيع دائرة الاعتراف بموقفه داخل المحيط الأوروبي، إلى جانب الدفع داخل الأمم المتحدة لإيجاد حل دائم. وأوضح أنه مباشرة بعد الزيارة الرئاسية، شرعت باريس في تنفيذ التزاماتها ميدانيا، عبر تقديم نفس الخدمات في الأقاليم الجنوبية التي تقدمها في باقي جهات المغرب، خصوصا في التعليم والثقافة.
وقال في هذا السياق إن امتحانات البكالوريا والبريفيه نُظّمت في العيون والداخلة، كما سيتم افتتاح مدرسة جديدة “ضخمة” في العيون مع بداية الموسم المقبل، إلى جانب إطلاق معهد ثقافي فرنسي يقدم دروسا في اللغة الفرنسية ويقترح برامج ثقافية كما هو الحال في باقي المدن المغربية. وأضاف أن سكان العيون بات بإمكانهم إيداع ملفات التأشيرة، في خطوة عملية تعكس هذا الانخراط.
اقتصاديا، أكد السفير أن الوكالة الفرنسية للتنمية وسّعت نطاق تدخلها ليشمل هذه المناطق، مع تخصيص موارد كبيرة لدعم التنمية والانتقال الطاقي، كما لفت إلى أنه سيتم في الخريف المقبل تنظيم منتدى اقتصادي بحضور كبريات الشركات الفرنسية لاستكشاف فرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، قائلا: “هناك بصمات فرنسية أصبحت حاضرة بقوة في هذه المناطق”.
وفي سياق المشاريع الوطنية الكبرى، أبرز لوكورتييه التزام بلاده بدعم المغرب في تحضيراته لاحتضان كأس العالم 2030، عبر المساهمة في مشاريع البنية التحتية، مثل تمديد خط القطار فائق السرعة من طنجة إلى مراكش. واعتبر أن المغرب من خلال هذه المبادرات يبرهن على سعيه للجمع بين الحداثة والتنقل المستدام، مؤكدا أن فرنسا تظل شريكا بدون استثناءات في هذا الطموح.
وفي ما يخص الطاقة، قال السفير إن “الطاقة ليست فقط مسألة تنموية، بل أيضا مسألة تضامن”، مضيفا أن بلاده ترى في المغرب شريكا موثوقا لتزويد أوروبا بالطاقة الخضراء، خاصة في مجالات الهيدروجين والكهرباء. وأكد أن هذا التعاون سيخدم الصناعات المغربية والفرنسية، وسيساهم في تقليل اعتماد أوروبا على شركاء غير موثوقين، وبتكلفة أقل.
من جهة أخرى، شدد السفير الفرنسي على أن ملف المياه يحتل أيضا أولوية كبيرة، خاصة في ظل سنوات الجفاف التي عرفها المغرب. وأبرز أن فرنسا تمتلك خبرة كبيرة في تحلية مياه البحر، ويمكنها الإسهام في البرامج الوطنية المغربية لتوفير الماء الشروب ودعم الزراعة، مشيرا إلى أن خطاب العرش الأخير كان واضحا في إعطاء هذا الورش أولوية.
ثقافيا، أكّد السفير أن فرنسا تولي أهمية قصوى للاستثمار في الرأسمال البشري المغربي، مبرزا أن الشراكة بين البلدين تمتد لـ25 سنة قادمة، وتتطلب “مُترجمين فعليين” لهذه الطموحات، وهم شباب المغرب. وقال إن بلاده تواكب الإصلاحات التربوية التي أطلقها المغرب، سواء في التعليم المدرسي أو الجامعي، من خلال الخبرة والتمويل.
وفي هذا الصدد، تحدث عن إطلاق مشروع التكوين بالتناوب مع وزارة التعليم العالي، والذي يتيح للطلبة الجمع بين التكوين الأكاديمي والخبرة المهنية داخل الشركات الفرنسية العاملة في المغرب. واعتبر أن هذا النموذج يسهّل اندماج الشباب في سوق الشغل، ويستجيب في الوقت نفسه لحاجيات الاقتصاد والمقاولات.
وفي ختام حديثه، وبمناسبة عيد العرش، وجّه السفير رسالة قال فيها إن المغرب وفرنسا التقيا مجددا، لا فقط لتأكيد الصداقة، بل من أجل العمل المشترك ومواجهة التحديات الكبرى. واعتبر أن الشباب ثروة مشتركة بين البلدين، مبرزا أن الجالية المغربية بفرنسا، خاصة الطلبة الذين يُقدّر عددهم بنحو 50 ألف، يمثلون “الطليعة التي ستقود العلاقة الثنائية نحو المستقبل، بفضل تجاربهم المشتركة وانتمائهم المزدوج”.





