الأخبارمجتمعمستجدات

لنجعل من العفو الملكي فرصة لتصحيح المسار

الخط :
إستمع للمقال

جاء في البلاغ الصادر حول العفو الملكي على الطبيب الدكتور بلقزيز وطاقمه، والآنسة هاجر الريسوني والشاب السوداني الجنسية، وكلهم موضوع متابعة قضائية بتهمة الإجهاض، أن الملك محمد السادس أنعم بعفوه على المعنيين في إطار الرأفة والرحمة وحرص الملك “على الحفاظ على مستقبل الخطيبين اللذين كانا يعتزمان تكوين أسرة طبقا للشرع والقانون، رغم الخطأ الذي قد يكونا قد ارتكباه، والذي أدى إلى المتابعة القضائية”.

وإذا كان الملك قد مارس العفو انطلاقا من صلاحياته الدستورية وما يمنحه له الفصل 58 من الدستور  بصفته ملكا للبلاد، وأميرا للمؤمنين، ورئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، فان الرسائل والأبعاد التي يحملها هذا القرار، هي أكثر فصاحة من النصوص القانونية والدستورية في حد ذاتها.

فالملك بهذا العفو لم يعمل فقط على رعاية مشروع أسرة في طور التكوين، بل بعث برسائل بليغة تهم الحريات العامة، وحقوق الانسان، وضرورة انسجام المغرب مع ما تفرضه التطورات العالمية في مجال القيم والحريات مع أهمية الحفاظ على خصوصياته ومرجعياته وتقاليده. فهو رسالة واضحة للبرلمان وللحكومة كي يخرجان مشروع القانون في هذا الشأن الى الوجود لكي لا تتكرر قضية الدكتور بلقزيز وهاجر الريسوني.

فمهما اختلفت القراءات والآراء بين الحداثيين والمحافظين داخل مجتمع موحد، فإن خدمة مصالح الدولة ورقيها وتنميتها تعتبر هي حجر الزاوية في مثل هذه القضايا، التي تتسبب أحيانا في الزج بالبلاد في مواضيع، تستغلها جهات مناوئة، وتحولها الى تجاذب كلامي وديماغوجي وإيديولوجي عقيم.

وبينما تنقض بعض الجهات على مثل هذه الفرص لتدرجها ضمن تجاوزات الدولة، والمس بحقوق الإنسان، وممارسة الحيف والظلم ضد المواطنين، تأبى جهات معنية بالتشريع وصياغة النصوص، الى إخفاء رأسها كالنعامة، فرارا من مواجهة الحقيقة، والجهر بها، أمام الرأي العام الوطني.

واليوم وقد صدر العفو الملكي، ضدا على كل من يتلاعب بالبيضة والحجر، فإن كل الجهات الفاعلة في المجتمع، والمعنية بمواجهة الواقع الذي لا مفر منه، بخصوص عدة نصوص تتناقض مع حقيقة الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المغرب.

فالزمن الذي نعيشه اليوم، لا يقبل ابدا تعطيل الكثير من المصالح، وتعبئة أجهزة الدولة وأموالها، من شمال المغرب الى جنوبه من اجل تسخيرها في قضايا بسيطة جدا، من قبيل الخصوصيات الشخصية والعادات الذاتية.

الوقت حان لنعترف أن الترخيص ببيع الخمر يجب أن يكون من حق كل المطاعم الراغبة في ذلك دون استثناء، ومن لم يرغب فيها، فذاك شأنه. وأن الممارسات التي لا تمس استقرار المجتمع، ولا تزعج الشارع العام، تدخل ضمن الخصوصيات الفردية التي لا يجب تحريمها قانونيا. وأن الممارسة العقائدية والدينية شأن بين الفرد وخالقه. وأن المجتمع المغربي مجتمع مسلم في إطار احترام حرية ممارسة العقيدة. وهلم جرا.

وليس عيبا ان ينتفض المجتمع المدني اليوم للمطالبة بوضع تشخيص واقعي للأحداث والممارسات، ومعالجتها بالتشريع القانوني المناسب. بعيدا عن كل التجاذبات التي وصلت إلى حد الإسفاف.

ومن جهتنا في موقع “برلمان .كوم”، فقد تحملنا مسؤوليتنا كاملة في قول الحقيقة، بل كنا سباقين إلى توجيه نداء الى الحكومة والأحزاب والبرلمان، للتحلي بالمسؤولية والجدية، واستثمار هذه القضية لتحريك المياه الراكدة، وتعزيز  بلادنا بنصوص في مستوى المرحلة، ضدا على الإحراج، وتشويه صورة الوطن، التي تقوم بها جهات معادية ومناوئة.

فليس عيبا أن يتم تهييء نصوص تسمح للطبيب المحلف، بأن يقوم بواجبه في مثل هذه الظروف، مع مراعاة أحكام الضمير، واحترام المعايير، والشروط التي يمكن فيها القيام بالإجهاض .

نعم، لنجعلها فرصة لتصحيح المسار، ولإخراج وطننا من المآزق المكبلة لنموه، والمعيقة لجهوده، والمسيئة لصورته. فالعفو الملكي هو تكريم للإنسان، والمبادرة الملكية مليئة بالإشارات، والقضية على بساطتها ساهمت في تقريب عدة وجهات محافظة كانت أم حداثية، مشرعة الأبواب نحو العمل الجدي والمسؤول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عاجل
زر الذهاب إلى الأعلى